المسجد الحرام قبلة تمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره الله بها
يقول الله تعالى
“قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون”
صدق الله العظيم
(الآية144 من سورة البقرة)
هذه الآية من سورة البقرة (قد نرى تقلب وجهك) كما ذهب الى ذلك القرطبي في تفسيره سابقة في النزول عن الآية التي يقول فيها الله تبارك وتعالى (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم) وهي الآية 142 من نفس السورة وأرجح الأقوال ان تحويل القبلة من بيت المقدس الى بيت الله الحرام وقع بعد الهجرة الى المدينة وذلك كما جاء في صحيح البخاري (حولت بعد ستة عشر شهرا) وخرجه الدار قطني ايضا قال (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس، ثم علم الله هوى نبيه فنزلت (قد نرى تقلب وجهك في السماء)
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مكة وبداية الفترة المدنية الى بيت المقدس، الى حيث أسري به من جوار المسجد الحرام الى المسجد الأقصى، وما صلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صلاه معه المسلمون الى بيت المقدس مكتوب لهم لن يضيعه الله لهم يقول جل من قائل (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم) الآية 143 من سورة البقرة ايمانكم بمعنى صلاتكم وما يلاحظه القارئ لهذه الآيات وغيرها في موضوع تحويل القبلة او في موضوع الاسراء والمعراج ان القرآن الكريم يصور لنا ما كان يلاقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنت ومجادلة فيها الكثير من الريب والبهتان والتكذيب بما يتنزل عليه وما يأمره به ربه وهذا التكذيب والبهتان كانا صادرين عن المشركين والكفار في مكة المكرمة وذلك قبل الهجرة وعن اليهود الذين وجدهم في المدينة ومع ذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى في خطه لا يغير ولا يبدل ولا يتنازل قيد أنملة عما أوحى اليه به ربه وما أمره به، وفي ذلك تمحيص لايمان المؤمنين •
والآية (قد نرى تقلب وجهك) تصور بجلاء ودقة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعور داخلي قوي ورغبة جامحة في ان يوليه ربه في صلاته قبلة يرضاها ويحبها وجاء الأمر الالهي محققا لهذه الأمنية الغالية والعزيزة على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء الأمر بالتوجه في الصلاة صوب بيت الله الحرام هناك في مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة، اول بيت وضع للناس فقال جل من قائل (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال القرطبي (فول) أمر (شطر) أي ناحية (المسجد الحرام) يعني الكعبة، ولا خلاف في هذا (انظر الصفحة 159 من الجزء الثاني من الجامع لأحكام القرآن) •
وقال: لا خلاف بين العلماء، ان الكعبة قبلة في كل أفق واجمعوا على ان من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها وقد ذهب مالك الى ان المصلي حكمه ان ينظر امامه لا الى موضع سجوده وهذه الآية حجة في ذلك، وقال ابن العربي: انما ينظر أمامه فانه ان حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه في الرأس وهو اشرف الأعضاء، وان اقام رأسه وتكلف النظر ببصره الى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج ما جعل علينا في الدين من حرج (انظرالصفحة 160 من الجزء الثاني من الجامع لأحكام القرآن) •
ثم يقول جل من قائل (وان الذين أوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) نعم ا ن اهل الكتاب من يهود ونصارى يعلمون من خلال ما جاء في التوراة والانجيل ان سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم وان الدين الذي جاء به هو الدين عند الله (ان الدين عند الله الاسلام) وان سيدنا محمدا لا يقول الا الحق ولا يأمر الا بما يوحي به اليه ربه (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) وان النسخ جائز وان أنكره البعض (وما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها) والله تبارك وتعالى لا يغفل عن أعمال العباد، فكل اعمالهم مسطورة تشهد عليهم وسيحاسبون عما قدمت أيديهم وهذه الآية تبين شرف بيت الله الحرام ومكانته المتميزة فالى بيت الله الحرام يتوجه المسلمون في صلواتهم حيثما كانوا والى البيت الحرام يحجون (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) وببيت الله يطوفون فتكتب لهم الحسنات وتمحى عنهم السيئات وفي تحويل القبلة موافقة لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم