ذكريات رمضان الحلقة الثالثة
كتب محمد صلاح الدين المستاوي
لما باشرت الخطابة في جامع مقرين في الاسبوع الموالي لوفاة الشيخ الوالد رحمه الله كنت في السنة الاخيرة للتخرج من الكلية الزيتونية للشريعة واصول الدين كان ذلك بترشيح من المصلين في الجامع الذين اعتبروا أن ذلك اقل مظاهر الوفاء لشيخهم الذي احبهم وكان بينهم كاحدهم وذلك هواقل ما يقتضيه وفاؤهم له علما وان الشيخ الوالد هو من قدمني لصلاة الجمعة قبل وفاته وكان ذلك بحضور ثلة من الشيوخ من خارج تونس كانوا في زيارة لبلادنا لم يكن تحمل اعباء الامامة والخطابة في تلك السن المبكرة بالنسبة الي بالامر الصعب فما توفر لي تكوين هو ثمرة الرفقة والملازمة للوالد طيلة حوالي عشر سنوات لااكاد افارقه ولااكاد اغيب عن درس اوخطبة أو محاضرة يلقيها و كان يملي موضوع التفسير وحديث الصباح الذين كان يعدهما للاذاعة الوطنية فضلا عن المراجعة المطبعية لمقالات كل عدد من اعداد مجلة جوهر الاسلام لا بالاضافة الى ماحصلته من دراستي في الكلية الزيتونية قسم الفقه والساسية الشرعية.
فقد كان لي شرف التتلمذ لمشائخ افاضل كانوا البقية الباقية من شيوخ الزيتونة اذكر منهم أصحاب الفضيلة محمد الشاذلي النيفر ومحمد الحبيب بلخوجة وحسن السهيلي وعبد العزيز بن جعفر وكمال الدين جعيط وبلقاسم بن خضر والطيب سلامة والطيب بن قمرة واحمد بكير وغيرهم رحمهم الله واسكنهم فراديس جنانه وكنت من الطلبة القلائل جدا من حملة الباكلوريا اداب المتفرغين (ولم يكن الالتحاق بالكليات انذاك يخضع لنظام التوجيه) وبقية الطلبة هم امامعلمون من حملة شهادة الترشيح (وهؤلاء اتاح لهم فضيلة الشيخ الفاضل ابن عاشور رحمه الله فرصة متابعة دراساتهم الجامعية) اوحملة شهادة التحصيل الزيتوني من اسرة التعليم والموظفين في الادارة وكانت الدراسة في الكلية الزيتونية مسائية من الرابعة إلى الثامنة ليلا وصبيحة الاحد وتتعطل الدروس في الكلية يوم الجمعة باشرت الامامة في هذا الظرف فلم تكن عبئا ثقيلا ولم تكن الامامة في تلك الفترة مما يغري ولا مما يتنافس عليه ( لامن ناحية المنحة المسندة ولامن ناحية اهتماما ت الناس فالامامة في نظر الكثير عبا والتزام).
ترسمت خطى الوالد وسرت على نهجه والتف من حولي رجال افاضل من اصدقاء الوالد من مرتادي جامع مقرين الذين شدوا ازري رحمهم الله واجزل مثوبتهم فضلا عما وجدته من احترام وتقدير من كل اطارات مقرين ومضيت في هذا المسجد في الخطابة والقاء الدروس واحياء المناسبات الدينية وكان لشهر رمضان في جامع مقرين نكهة خاصة وقد تعزز الجامع بشيخ تولى إلى جانبي خطة امامة الصلوات الخمس وكان بحق رفيق درب هو الشيخ بلقاسم العبيدي رحمه الله وهو اصيل منطقة توزر يحفظ القران عن ظهر قلب على رواية ورش وقد اتاه الله صوتا جميلا و كان على حظ كبير من التمكن في الفقه فتوفر لجامع مقرين الاطار العلمي الديني الذي لم يترك فراغا.
وكان المصلون ياتونه من كل المناطق المجاورة لاداء صلاة الجمعة ولاداء صلاة التراويح ولحضور الدرس اليومي الذي اتولى القاءه قبل صلاة العشاء درس فيما بين 20 و30 دقيقة يكون منطلقه مجموعة أحاديث اسردها من كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري اتوقف عند احدأحاديث الباب في شرح مبسط يشد جمهور المصلين المتقاطرين على المسجد لحضور الدرس والانصات للقران الكريم يرتل ترتيلا بصوت جميل ليال مشرقة تخشع فيها القلوب لسماع كلام الله يتلى ويرتل ترتيلا وتدمع العيون وترتفع الدعوات الخاشعات إلى الله من الجموع الكبيرة من مختلف الفئات صغارا وكبارا ونساء ورجالا الذين يكتض بهم المسجد وصحنه الفسيح هكذا كل ليلة إلى اخر الشهر في العشر الاواخر وليلة السابع والعشرين ليلة الختم ليلة مشهود ة نعد لها الاعداد الكبير من كل النواحي تسبق هذ الليلة حملة اقوم بها بين المصلين لجمع ما اسميه مكافاة وليس أجرا للشيخ بلقاسم العبيدي رحمه الله على المجهود الذي بذله طيلة شهر كامل.
ويجتمع له الخير والبركة وهي المناسبة الوحيدة التي اقوم فيها بجمع التبرعات وحتى إذا احتاج الجامع إلى بعض اوجه الصيانة اوالتاثيث اوالانارة فاني لاازيد على أن اشير بذلك ليتكلف محسن باللازم وياتي بمن يقوم بالاشغال ويتولى خلاصه مباشرة فقد رايت أن ذلك اسلم واكثر طمانة للانفس وابعد عن كل ريب خصوصا وان مرضى القلوب لايخلو منهم مكان والحمدلله على السلامة ليلة ختم التراويح ليلة مشهودة يسعى إليهم المصلون من كل احياء مقرين ومن المناطق المجاورة ومن غيرها لايكاد من ياتي متاخرا يجد مكانا كل الشوارع المحيطة بالجامع تزدحم بالسيارات انها ليلة قرانية ربانية اجواء لايمكن وصف السعادة والفرحة بتوفيق الله التي يشعر بها كل من احيا ليالي رمضان إلى أن شهد الختم في جامع مقرين والذي يرجى أن يكون قد صادف ليلة القدر انها ذكريات لاتنسى.
هكذا كانت ليالي ر مضان كما عشتها في جامع مقرين لما يزيد عن 37 سنة من عمر الزمان قمت فيها رفقة زميلي ورفيق دربي الشيخ بلقاسم العبيدي رحمه الله وهيئة الجامع بالواجب وفق المتاح والميسور في حرص ما على أن يظل مسجد مقرين كما اراد الله ( وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا) ومع توالي السنوات اضفت إلى القاء الدرس في جامع مقرين قبل صلاة العشاء انني اصلي بعض الركعات من صلاة التراويح ثم انصرف لالقاء مسامرة دينية كل ليلة من ليالي رمضان تلبية لدعوات توجه الي استجيب لها إذا كان مكانها يسمح بالوصول اليها مع المحافظة على القيام بدرس جامع مقرين قبل صلاة العشاء.
وهكذا طيلة شهر رمضان على امتداد سنوات طويلة القيت مسامرات ومحاضرات من وحي الشهر المبارك امام جمهور اخر هو جمهور متنوع حرصت فيها على أن اقدم له اسلام السماحة والرحمة اسلام اسلام التيسير لاالتعسير والتبشير لا التنفير اسلام الاخوةو التازر والتضامن اسلام الاصالة والتفتح اسلام الاجتهاد والتجديداسلام التعايش والتسامح اسلام علماء الزيتونة وشيوخها الاعلام الاسلام الذي ورثناه ابا عن جدالاسلام الجميل ظللت والحمدلله اقوم بهذا الجهد على هذا النسق بعون من الله وبتوفيق منه لم تكلفني به اية جهة ولم اتقاضى عليه مقابلا والله على مااقول شهيد فالحمدلله على ذلك والى الحلقة الثالثة من ذكريات رمضان