هل ان النار ستفنى بعد عدد من السنين لا يعلمها الا الله جل جلاله | (يسالونك قل..)
السؤال: يقول سائل كريم لم يذكر اسمه قرأت حديثين شريفين (ان النار اشتكت الى ربها فقالت قد أكل بعضي بعضا...الخ) والحديث الآخر يقول (ا ن اخر اهل النار خروجا منها ...الخ واخر اهل الجنة دخولا لها) فهل يعني الحديثان ان النار ستفنى بعد عدد من السنين لا يعلمها الا الله جل جلاله ويدخل اهلها أو بعضهم الى الجنة مع العلم انني قرأت هذين الحديثين في كتاب رياض الصالحين وهو كتاب موثوق به فيما أظن به: أرجو الاجابة عن تفسير هذين الحديثين بوضوح
والسلام (سائل لم يذكر اسمه)
الجواب:
1/ اعلم ايها السائل الكريم ان هذا الحديث النبوي الذي ذكرته في سؤالك هو حديث صحيح قد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وهو قوله عليه الصلاة والسلام (اشتكت النار الى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون حرها صيفا وأشد ما تجدون من زمهريرها شتاء) رواه الشيخان المذكوران سابقا انتهى من كتاب زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم ص46 ج1 والحديث الثاني الذي ورد فيه ان آخر أهل النار خروجا وآخرهم دخولا للجنة هو كذلك حديث نبوي صحيح أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وهو قوله عليه الصلاة والسلام (إني لأعلم اخر اهل النار خروجا منها واخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النارحبوا أي مشيا على اليتيه فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟) رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ايها السائل الكريم فالحديثان صحيحان واما فناء النار أعاذنا الله تعالى من دخولها فهو مما اختلف فيه العلماء فذهب ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية الى القول بفناء النار وذهابها ذكر ذلك في كتابين له وهما حادي الأرواح الى بلاد الافراح ص245 الى ص280 والكتاب الثاني هو (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) من ص252 الى 264 ذكر ابن القيم في مسألة فناء النار سبعة أقوال للعلماء ورجح من بين هذه الأقوال ان النار لها أمد ستفنى فيه ذلك ان الله تعالى سيفنيها وقد ايد ابن القيم هذا القول بوجوه عديدة على لسان قائليها منها ان الله قد أخبر في ثلاث آيات عن النار بعدم ابديتها اي دوامها وهي قوله تعالى (لابثين فيها أحقابا) (عم) فتقييد اللبث لأهل النار في النار بالأحقاب أي الأزمنة يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد لأن ما لا نهاية له لا يقال فيه هو باق أحقابا وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم ذلك من الآية وهم أفهم الأمة لمعاني القرآن الكريم واية سورة الأنعام (قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم) الاية128 واية سورة هود عليه السلام (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد) الاية 107 وقال سبحانه في حق خلود اهل الجنة في الجنة خلودا ابديا لا انقطاع له بعد ذكر الآية 107 من سورة هود عليه السلام فالاستثناءان في الايتين مختلفين والدليل على ان الاستثنائين مختلفين هو ان الاستثناء الاول قال الله تعالى فيه (الا ماء شاء ربك ان ربك فعال لما يريد) فلم يقيد هذا الاستثناء بما يدل على الديمومة غير المنقطعة بخلاف الاستثناء الثاني الذي قيده الله تعالى بالديمومة غير المنقطعة فعلم من الاية الثانية ان الله تعالى لم يقيد هذا العطاء الذي امتن به على اهل الجنة في الجنة فهو غير مقطوع عنهم ابدا بدليل قوله جل ذكره (عطاء غير مجذوذ) اي عطاء غير مقطوع لأن كلمة مجذوذ لغة تعني غير مقطوع وهذا الفهم ان عذاب اهل النار في النار هو عذاب غير ابدي لا بد ان ينتهي فيما اراده الله تعالى من الأزمان والاباد وان نعيم اهل الجنة في الجنة ابدي لا ينقطع ابدا بدليل قوله جل ذكره (عطاء غير مجذوذ) اي مقطوع وبهذا الفرق بين نعيم اهل الجنة في الجنة وعذاب اهل النار في النار فهم الصحابة رضي الله عنهم حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو لبث اهل النار في النار عدد رمل (عالج) لكان لهم يوم يخرجون فيه) وقال ابن مسعود ري الله عنه (ليأتين على جهنم زمان تخفق ابوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة رضي الله عنهما (انه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرءا الاية الكريمة 107 من سورة هود عليه السلام (فأما الذين شقوا ففي النار) الاية وقال ابن عباس في رواية عنه في الاية استثناء (الا ما شاء ربك) اي (ان الله تعالى يامر النار أن تأكلهم) هذا ايها السائل الكريم ما يمكن ان يجاب به عن سؤالك وهو ان النار ستفنى وان الجنة ابدية لا تفنى ولا ينقطع نعيمها بدليل قوله جل ذكره في حق الجنة (عطاء غير محذوذ) اي غير مقطوع والحديث في هذا الباب يطول ولكنني اختصرته لك فأجبتك بما تحصل لك به الفائدة. والله اعلم.