في وداع الدكتور محمد الطاهر خلف الله رمز الكفاءة الطبية والخدمة الانسانية والشفافية الروحية
كتب محمد صلاح الدين المستاوي
في سن الرابعة والستين وفي اوج العطاء الطبي والعلمي رحل إلى دار البقاء احد خيرة اطباء تونس الدكتور محمد الطاهر خلف الله رئيس قسم الجراحة بمستشفى منجي سليم بالمرسى رحمه الله واسكنه فراديس جنانه. عرفت الدكتور محمد الطاهر خلف الله رحمه الله في سنوات التسعينيات من القرن الماضي وكان كله حيوية ونشاطا . جمعتني به سلسلة لقاءات كان ينظمها المركز الوطني للتحسيس بالتبرع بالاعضاء. كانوا ثلة من الاطارات الطبية الرفيعة المستوى في مختلف الاختصاصات من رؤساء الاقسام في مستشفياتنا الجامعية واساتذة كليات الطب في تونس والمنستير وصفاقس ومن الاطارات شبه الطبية اذكر منهم الاساتذ محمد قديش شفاه الله والاستاذ حسونة بن عياد رحمه الله والا ستاذ محسن عياد والاستاذة سعيدة عياد والاستاذ الحبيب ثامر والاستاذ الهادي بن معيز والاستاذ محمد شبيل وغيرهم ممن لاتحضرني اسماؤهم وكان من بينهم الدكتور محمد الطاهر خلف الله رحمه الله وكان يتدرج في سلم الرقي العلمي بجد واجتهاد.
كنا نلتقي في ندوات تحسيسية في الكليات وفي المبيتات الجامعية وفي دور الثقافة وعلى هاش المهرجانات الثقافية وكان الحضور كبيرا ومتنوعا يؤطره بورقات علمية هؤلاء الا ساتذة والذين منهم الفقيد محمد الطاهر خلف الله رحمه الله وكان يعقب هذه اللقاءات التطوعية اندفاع من الحاضرين بتسجيل اسمائهم في قوائم المتبرعين الذين تسهل مصالح وزارة الداخلية عملية تجديد بطاقات تعريفهم الوطنية التي ينص فيها على لفظ متبرع وقد بادر الرئيس السابق زين العابدين بن علي رحمه الله إلى التنصيص على ذلك في بطاقة تعريفه تحسيسا وتشجيعا للتونسيين على التبرع باعضائهم في قائم حياتهم .
كانت هذه اللقاءات التحسيسية يعرض فيها الاطباء المشاركون ما يحققونه من نجاحات في عمليات التبرع والزرع للاعضاء( الكلى والقلب والقرنية وغيرها.). وكانت مشاركتي متمثلة في بيان راي الشرع في التبرع بالاعضاء التي لاتتوقف عليها حياة المتبرع والتبرع بالاعضاء التي ستؤول إلى الدود والتراب بعد الوفاة ( و التحقق من الوفاة طبيا). واعتبار أن هذا التبرع هو احياء لنفس بشرية مشرفة على الهلاك يقول جل من قائل( ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا) وان ذلك بمثابة الصدقة الجارية التي يلحق اجرها لصاحبها بعد وفاته.
واشهد انني استفدت ايما استفادة من هذه النخبة من اطبائنا وازددت اعتزازا بهذه البلاد( تونس الولادة) فهم تاج فخار على رؤوس التونسيين والتونسيات وهم خير برهان على سلامة اختيارات دولة الاستقلال المتمثلة في الوحدة الوطنية( الوحدة القومية) وتعميم التعليم والصحة ومجانيتهما وهي اختيارات هاهي بعد عقود لاتزال تؤتي ثمارها واخرها هذا النجاح الذي تحقق لبلادنا في مواجهة جائحة الكورونا.
الدكتور محمد الطاهر خلف الله رحمه الله رئيس قسم الجراحة بمستشفى المنجي سليم بالمرسى هو احد هؤلاء الصفوة من اطبائنا وكفاءتنا التي حققت نجاحات باهرة في الحقل الطبي فقد وضع رحمه الله اسس نشاط زرع الكبد من خلال عمليات الزرع الدقيقة والتي كللت بالنجاح.
ومضت السنوات فإذا بي التقي في المغارة الشاذلية مساء يوم الجمعة بالدكتور محمد الطاهر خلف الله رحمه الله فقد حريصا على حضور حلقة القران الكريم التي تقام كل يوم جمعة( والتي يقرا فيها كل اسبوع6احزاب) لايغيب على هذه الحلقة التي تختتم باداء صلاة العشاء وينتظم كل 10 اسابيع ختم لايغيب الدكتور محمد الطاهر خلف الله رحمه الله عن هذه الحلقة القرانية المباركة وهذه الروضة من رياض الجنة يتابع القراءة ويشارك فيها من خلال المصحف الذي بين يديه وكنت اراه مستغرقا متفاعلا مع ايات الكتاب العزيز يضيف إلى ذلك ما يردده من اذكار واوراد وضراعات الإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه. كنت القاه على ىاثر الصلاة نتصافح ونتذاكر في بعض مانتذكره ثم نتوادع إلى الاسبوع القادم وكنا نمني النفس بجلسة اطول وهو ما لفم يتيسر وياللاسف الشديد فقد عاجلته المنية وماكنا نحسب لذلك حساب ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
كنت اراه في ملبسه التقليدي( اما برنسا أو كدرونا )بين اخوانه واحبابه من رواد المغارة الشاذلية .كان كاحدهم تواضعا وخلقا رضيا وبسمة لاتغادر محياه. لايتاخر عن التعبير عن استعداده لتقديم المساعدة لكل راغب وطالب للمساعدة الطبية .والرجل في اعلى الهرم الطبي في اختصاصه الدقيق( الجراحة العامة) ممارسة وتدريسا لطلبته في كلية الطب وقد تخرج على يديه العشرات من الاطباء والطبيبات.
لقد جمع الله للدكتور محمد الطاهر خلف الله رحمه الله بين المستوى العلمي الطبي في ادق اختصاصاته والتفاني في الممارسة الطبية الانسانية والاجتهاد في الاستفادة من اخر المستجدات فيها والتي منها زراعة الاعضاء وبين الخلق الرضي والتواضع الجم الذي لم يزده إلا رفعة وبين الشفافية الروحية الصوفية من خلال المشرب الشاذلي الذي وافق في نفسه هوى فارتوى منه ولاقى عليه ربه على عجل يصدق فيه قوله جل من قائل( وعجلت اليك ربي لترضى) .
رحم الله الدكتورمحمد الطاهر خلف الله رحمة واسعة واجزل مثوبته واسكنه فراديس جنانه ورزق اهله(زوجته الدكتورة نرجس بن عمارةرئيسة قسم الطب الباطني بمستشفى شارل نيكول وابنيه كريم واسماء) جميل الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.