تعريف بتفسير مسموع ومقروء: (التيسير في أحاديث التفسير) للعلامة المغربي الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله
لا يزال عطاء الجناح الغربي للعالمين العربي والاسلامي في المجالات العلمية والفكرية ممتد السند في مساهمة متميزة تتسم بالعمق والموضوعية والجدة مما يجعلها تحتل مكانتها ضمن عطاءات علماء الامة الاعلام الذين خلد التاريخ ذكرهم بما تركوه من مؤلفات في شتى مناحي الثقافة العربية الاسلامية
واذا ما اكتفينا بمجال واحد هو التفسير فلا بد أن يستوقفنا تفسير العلامة سماحة الشيخ الامام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله وقد سبق في مناسبات مضت أن عرضنا لمناحي الابداع والتميز والتحرير والتنوير في هذا التفسير الذي شهد له أهل الذكر من العلماء الاعلام بانه تفسير القرن الرابع عشر هجري الاول بلا منازع
*والتفسير الآخر الذي أردت أن ألفت اليه الانتباه وأنوه بقيمته وأهميته هو من نوع آخر ألفه العلامة المغربي الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله الشخصية الوطنية والعلمية المرموقة الذي تحمل أرفع المسؤوليات (وزارة الثقافة والاوقاف والشؤون الاسلامية ورئاسة المجلس العلمي في الرباط وسلا والخطيب بمسجد حسان (حيث ضريح الملكين محمد الخامس والحسن الثاني رحمهما الله)
هذا التفسير نشرته دار الغرب الاسلامي في ست مجلدات يحمل عنوان التيسير في أحاديث التفسير وهو في الأصل أحاديث إذاعية أعدها الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله بعد أن كانت له مع تفسير القرآن الكريم دروسا عامة كانت محل متابعة واسعة في كبريات مساجد أهم المدن المغربية الى أن اقترحت عليه الاذاعة المغربية بان يعد لها حصصا في التفسير تكون مسبوقة بتلاوة ربع حزب من القرآن الكريم على رواية ورش بالطريقة المغربية يقدم الشيخ محمد المكي الناصري تفسيرا لها بأسلوب ميسر مبسط ولكنه في الآن نفسه عميق يتوقف عند مناحي الاعجاز في الايات القرآنية التي هو بصدد تفسيرها مستنبطا منها دررا ومستخرجا منها حكما وافهاما فيها الجدة وفيها الوفاء لما تضمنه الكتاب العزيز من قيم السماحة والوسطية والرحمة والدفع الى الأخذ بأسباب العزة والتمكين للمسلمين والتحذير من كل ما عسى ان يقعوا فيه من دعة وتكاسل وتواكل واختلاف وتنازع وتعصب وتزمت وكل هذه المعاني تبدو جلية يلح عليها الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله باعتباره أحد رجالات الاصلاح وأحد زعماء الحركة الوطنية في المغرب وقد ناله شرف تحمل المسؤوليات الرفيعة في التعليم والادارة وفي التوجيه والارشاد وفي التسيير والتدبير للشأن الديني لسنوات طوال
ولندع الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله يتحدث عن المنهج الذي توخاه في تفسيره للقرآن حيث يقول ( وحتى لا يتشعب القول في هذه الاحاديث ولا تخرج عن الغرض الذي من أجله وقع التفكير في املائها لم أجعل منها معرضا للمصطلحات العلمية ولا مرجعا للخلافات المذهبية ولا معتركا للجدل والفضول وكثرة القيل والقال والتوسع الزائد عن الحاجة المؤدي الى الاملال ولم أشحنها بذكر القواعد العلمية...اذ الغاية الاولى والأخيرة من هذه الاحاديث هي المساهمة العملية واليومية في التثقيف الديني الذي هو حق لكل مسلم ومسلمة... أما الأسلوب الذي اخترته فهو أسلوب مبسط وسط يفهمه الامي ويرتاح اليه المتعلم بحيث لا ينزل حتى يبتذل عند الخاصة ولا يعلو حتى يصعب على العامة بل هو بين بين... وهذا النوع المتميز بالسهولة واليسر من أساليب البيان يتجاوب كل التجاوب مع توجيهات القرآن فقد قال تعالى في سورة القمر المكية (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)... وبديهي أن تيسير القرآن الذي يؤدي للتذكر والتدبر لا يقف عند حد تيسير تلاوته وحفظه وإنما يشمل ويضع في الدرجة الاولى تيسير فهمه وعلمه والعمل به مصداقا لقوله تعالى في تفسير الاية (فهل من مدكر) وقوله تعالى في آية أخرى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وما دام الاسلوب الذي وقع عليه الاختيار لتحقيق هذا الغرض النبيل مستمدا ومستوحى من نص التنزيل القائل (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ففي امكان قراء هذه الأحاديث أن يطلقوا عليها بناء على ما بسطناه من مختلف الاعتبارات اسم (النهج القويم في تفسير الذكر الحكيم) انظر ص9 و10 من المجلد الاول
بقي أن نقول أن تفسير التيسير في أحاديث التفسير المطبوع في ست مجلدات هو مسجل بصوت صاحبه الشيخ محمد المكي الناصري الجهوري المتفاعل مع خطه قلمه مما فتح الله به عليه وصاغه بالاسلوب الذي استعرض ملامحه في تقديمه لتفسيره، انه تفسير مسموع ومكتوب والمسموع تتولى اذاعة محمد السادس للقرآن الكريم والقناة الفضائية السادسة بثه وتعميم الافادة منه يوميا بالكيفية الانفة الذكر: تلاوة ربع الحزب من القرآن على رواية ورش (وهي الرواية السائدة في المغرب وبلدان غرب افريقيا) ثم تفسير المعاني الواردة في ذلك الربع من طرف الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله فينتفع بذلك على أوسع نطاق
وهذه التجربة المغربية في الاستفادة من الرصيد الذي تتضمنه خزينة الاذاعة المغربية من البرامج الدينية والثقافية جديرة بالتنويه وفيها إحياء لذكرى العلماء الاعلام بواسطة أعمالهم العلمية وعدم حرمان الاجيال المتعاقبة التي لم تعايشهم من الانتفاع بأعمالهم
هذه التجربة جديرة بالاقتباس والنسج على منوالها من طرف الاذاعة الوطنية ففي خزينتها أعمال علمية وفكرية ودينية في شتى المجالات والميادين بما فيها التفسير لكتاب الله العزيز جديرة بإعادة البث فقد أعد الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله لمدى عشر سنوات للاذاعة الوطنية حصة أسبوعية في تفسير القرآن الكريم كانت تذاع مساء كل يوم جمعة نشرت ولا تزال مجلة جوهر الاسلام البعض منها في انتظار ان يتم جمع ذلك في اصدار مستقل ان شاء الله على غرار ما فعلت دار الغرب الاسلامي مع تفسير الشيخ المكي الناصري رحمه الله