القرآن مأدبة الله
عن عبد الله يعنى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبيء صلى الله عليه وسلم قال [إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا على مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله المتين والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيع فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد أتلوه فإن الله ياجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكت ألف حرف ولام حرف وميم حرف]
هذا الحديث من بين عشرات الأحاديث النبوية المبينة لفضائل القرآن الكريم وهو حديث جامع
وقد أكرم الله تبارك وتعالى امة محمد صلى الله عليه وسلم في الثلث الأخير من شهر رمضان المعظم بأن جعل فيها ليلة القدر التي هي الليلة الهدية من الله إلى امة محمد صلى الله عليه وسلم إكراما له واستجابة لدعائه (أمتي أمتي) فقد وعده الله بان جعل هذه الليلة المباركة (ليلة القدر) خيرا من ألف شهر ففيها تتنزل الملائكة والروح، إنها ليلة السلام من رب السلام إلى المؤمنين الذين هم أهل السلام.
والأحاديث المتعلقة بالقرآن الكريم وفضله وما يجب في حقه وما أعده الله تبارك وتعالى لمن يتعلمه ويحفظ آياته ويقيم أحكامه ويتأدب بآدابه كثيرة جدا وهي في أبواب مستقلة من كتب السنة النبوية بمختلف مراتبها ودرجاتها، نورد فيما يلي البعض من الأحاديث المختصرة من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "(خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم وقوله عليه الصلاة والسلام: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة) رواه احمد، وقوله عليه الصلاة والسلام، يقول الرب تبارك وتعالى (من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) رواه الترمذي وقوله عليه السلام (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) وفي رواية (والذي يقرأه وهو يشتد عليه له أجران) رواه البخاري ومسلم واللفظ له هو أبو داود الترمذي والنسائي وابن ماجة. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال (قلت يا رسول الله أوصني قال: عليك بتقوى الله فانه رأس الأمر كله قلت يا رسول الله زدني قال: عليك بتلاوة القرآن، فانه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء) رواه ابن حبان، وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والقرآن شافع مشفع من جعله إمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) رواه ابن حبان وعن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرؤوا القرآن، فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم، وعن سهل بن معاوية عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا) رواه أبو داود والحاكم.
والحديث الذي انطلقت منه حديث جامع تضمن اغلب المعاني الواردة في الأحاديث التي ذكرتها آنفا وأعود الآن إلى بيان أهم ما جاء في هذا الحديث من المعاني.
اقبلوا على مأدبة الله:
"إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا على مأدبته ما استطعتم..."
يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته أن تقبل ما استطاعت على مأدبة الله التي هي القرآن الكريم، وفي هذه المأدبة كل خير مفيد فإذا كانت المآدب الغنية بأصناف الطعام والشراب المختلفة الألوان والمذاقات تستهوي الجياع فيتداعون إليها ويقبلون عليها بشراهة ونهم فإن لذة هذه الأطعمة والأشربة تنتهي بمجرد تجاوز المأكول والمشروب الحلق ونهايتها معلومة ومصيرها لا يخفى على احد. أما مأدبة الله التي هي القرآن الكريم فهي مأدبة من نوع آخر إن حلاوة ما فيها معنوية وهي دائمة بدوام الإقبال على هذه المائدة وهو إقبال لا تنجر عنه تخمة ولا بطنة، انه إقبال ينجر عنه تفقه بالقرآن وتعلم لما فيه من كنوز.
القرآن حبل الله المتين:
"إن هذا القرآن حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" يواصل الرسول صلى الله عليه وسلم بيان خصائص القرآن الكريم فيقول انه حبل الله المتين وكيف لا يكون القرآن حبلا متينا لا ينقطع ولا يسقط من يتمسك به ويشد بطرفه؟ فالقرآن الكريم هو الوحي المنزل من الله على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين ولا من خلفه لقد قال الله تبارك وتعالى في حقه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) القرآن الكريم نور مبين، انه نور من الله ساطع وهو نور يبين السبيل القويم، فسالك منهجه في نور لا ظلام معه إن القرآن نور البصر والبصيرة جعله الله تبارك وتعالى سراجا منيرا وهداية من الضلالة والغواية ومهما تلاطمت أمواج النحل والملل واختلفت وتضاربت المذاهب فإن المهتدي بالقرآن الكريم يجعل الله له نورا يقيه المهالك.
القرآن شفاء نافع
القرآن الكرم هو الشفاء النافع وكيف لا يكون القرآن الكريم شفاء والله يقول في حقه (وينزل من القرآن ما فيه شفاء) انه شفاء لما في الصدور وهو شفاء مادي ومعنوي فالقرآن أرقى أنواع الذكر والله تبارك وتعالى يقول (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وكيف لا يكون مفعول القرآن كذلك على أنفس المؤمنين وهو الذي تتصدع الجبال لو انزل عليها.
"والقرآن الكريم عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" يضيف الرسول صلى الله عليه وسلم فيبين بأن من يتمسك بالقرآن بما فيه من هداية إلى الإيمان والعقيدة السليمة الصحيحة ويتقرب إلى الله بما فرض الله فيه من عبادات ويحل حلاله ويحرم حرامه ويقيم حدوده من يتمسك بالقرآن الكريم يكون في عصمة من الزيغ والضلالة ومن يتبع القرآن الكريم فيجعله إمامه في هذه الحياة الدنيا يكون في عصمة ضمنها الله تبارك وتعالى للمتمسك بالقرآن الكريم.
إن القرآن الكريم لا يزيغ ولا يعوج فيحتاج إلى تقويم وإصلاح لأنه بطبعه مقوم صالح دائما ما دامت السماوات والأراضون.
القرآن معجزة خالدة
"لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد" يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن الكريم الذي هو المعجزة الخالدة التي خص الله بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيه من العجائب ما لا ينتهي ولا ينقضي ما دامت الحياة مصداقا لقول الله تبارك وتعالى (سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) ففي كل عصر يجد الناس في القرآن سبقا وإعجازا تكشفه العلوم التي يتوصل إلى التبحر فيها المختصون. انه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم ككل هو المعجزة الخالدة الباقية الدائمة تتحدى العقول البشرية وتدعوها إلى الإتيان بمثل هذا القرآن، بمثل سورة من سوره، بمثل عشر آيات من آياته البليغة الباهرة وهو تحد للإنس والجن، انه تحد متواصل فكل أصحاب الإبداعات والبراعات يتحداهم القرآن ويثبت السبق عليهم في ميادين اختصاصهم وتبحرهم، والعصر الذي نحن فيه هو عصر الإعجاز العلمي المثبت لنبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والمثبت أيضا أن القرآن الكريم يستحيل أن يكون كلام بشر مهما كانت عبقرية هذا البشر.
لقد نطق بهذه الشهادة أهل الذكر في مختلف الاختصاصات من مسلمين وغير المسلمين وضمنوا هذه الشهادات في أبحاث علمية عميقة قدموها لأكاديميات مختصة وندوات مشهودة عقدت في البلاد الإسلامية وخارجها وتكونت لأجل تواصل تبادل المعلومات في مجالها هيئات مختصة سميت هيئات الإعجاز العلمي للقرآن والسنة وأصدرت في السنوات الأخيرة سلسلة من الكتيبات بلغات عدة عرفت بهذا الجانب من جوانب الإعجاز الذي يتناسب مع العصر الذي نحن فيه والذي شهد قفزات علمية هائلة ونستطيع أن نقول بكل يقين أنه لا خشية منها على القرآن الكريم فإذا أصبحت النظريات العلمية حقائق علمية ثابتة فإنها ولا شك ستتطابق مع ما أشار إليه القرآن الموحى به من الله العليم الخبير والذي بلغه من لا ينطق عن الهوى الصادق الأمين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا تنقضي عجائب القرآن:
"إن القرآن الكريم لا يخلق على كثرة الرد" فكل كلام إذا أعدت قراءته أكثر من مرة مهما كانت بلاغته وفصاحته إلا وشعرت بالملل والرتابة إلا القرآن الكريم فإنه جديد متجدد لكل قراءة حلاوتها وطراوتها وروعتها وجمالها في كل مرة يتبين للقارئ معاني جديدة لم تطرأ على باله ولم تدر بخلده في القراءة التي سبقت وما ذلك إلا لمعجزة جعلها الله تبارك وتعالى للنص القرآني بلغته العربية ولذلك فإن الترجمات القرآنية بمختلف اللغات لا تأخذ حكم القرآن ولا يمكن أن يجد فيها القارئ ما يجده في القرآن بنصه العربي ولأجل ذلك تعددت التفاسير للقرآن الكريم منذ أن نزل والى اليوم والى (أن يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين) لكل عصر تفاسيره شريطة أن لا تتعارض هذه التفاسير مع المحكم الذي لا يقبل أكثر من معنى واحد سواء كان ذلك في العقائد أو العبادات أو الأحكام.
(اتلوه فإن الله يِِؤجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات...)
ويختم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ببيان ما أعده الله من عظيم الأجر وجزيل الثواب لمن يقرأ القرآن ويرتله عملا بقوله جل ما قائل (ورتل القرآن ترتيلا) وتحصيلا للثواب الذي جعله الله لمن يجعل القرآن مؤنسا ولصيقا في كل أوقاته لا سيما في الأوقات التي تنام فيها العيون في الثلث الأخير من الليل وعند الفجر (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) فقارئ القرآن بتدبر وتمعن وخشوع وحضور له الأجر العظيم الحرف بعشر حسنات (لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) انه الكرم الإلهي والرحمة الربانية والأجر والثواب الذي لا حد له يعده الله لأهل القرآن وقرائه سواء كان ذلك عن فهم أو غير فهم ويزداد الأجر والثواب في هذا الشهر المبارك رمضان شهر القيام والأختام للقرآن في المنازل والمساجد والجوامع هذه الأختام التي ترتفع على إثرها الأيدي إلى الله بخالص الدعوات الخاشعة والصادقة كي يتقبل من عباده الصائمين والقائمين التالين للقرآن الكريم فإنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.