صفحات من التاريخ الزيتونة كلية وجامعة
ال امر الكلية الزيتونية للشريعة واصول الدين في صائفة سنة1987 كي تصبح مجرد قسم للدراسات الإسلامية في كليةالاداب بالجامعة التونسية وقد اتخذ هذا القرار ضمن سلسلة إجراءات أخرى من ضمنها الحاق الإدارة العامة للشؤون الدينية بوزارة الداخلية في توجه واضح لتحجيم المؤسسة الدينية في اطار رؤية ضيقة لمحاصرة التطرف والإرهاب.
وافقد قرار جعل الكلية الزيتونية( وريثة جامعة الزيتونة اعرق جامعة إسلامية في العالم )مجرد قسم في كلية كل امل في ان تبقى هذه المؤسسة العلمية المفخرة تؤدي ولو جزئيا دورها العلمي والديني المتميز التي ظلت تؤديه لما يزيد عن الف عام والمتمثل في تخريج العلماء الاعلام الذين كانوا ولا يزالون يرفعون راس تونس عاليا في المحافل والمنتديات.
لقد نزل هذا القرار غير الصائب كالصاعقة على كل العقلاء من التونسيين ممن يعرفون للزيتونة فضلها على الدين وتونس وابنائها وحتى اشقائها الذ ين نهلوا من معينها الصافي النقي والذي لم يتضارب في يوم من الأيام بين المكونين الأساسيين للهوية ( الوطن والدين).
وقد شهدت الكلية الزيتونية قبل اتخاذ هذا القرار غير الصائب تجاذبات وصراعات بين هيئة التدريس فيها مما انعكس سلبا على مردودها العلمي والديني لا داعي الى استعراضه او من المحق فيه وقد كان للجميع ان يلتقوا على كلمة سواء هي الحفاظ على مؤسستهم العلمية والدينية العريقة
ولانني احد أبناء الكلية الزيتونية واحد خريجيها التحقت بها مختارا وانا حامل شهادة الباكلوريا اداب ( وذلك قبل العمل بقانون التوجيه الجامعي) فقد نزل هذا القرار( الحاق الكلية الزيتونية بكلية الاداب وجعلها مجرد قسم للدراسات الإسلامية) علي كالصاعقة لم استسغه ه ولم ار له مبرر ا مقنعا وكنت في تلك الفترة اكتب مقالا أسبوعيا كل يوم جمعة بجريدة الصباح فقد عبرت عن هذا الشعور في مقال مطول يحمل عنوان( دور الكلية الزيتونية في التحصين الداخلي والاشعاع الخارجي) استعرضت فيه مسيرة الزيتونة جامعة وكلية وما يمكن ان تقوم به وتسديه لتونس وللشعب من دور إيجابي هما في امس الحاجة اليه واختتمت مقالي بالتعبير عن الامل والرجاء في ان يكون جعل الكلية الزيتونية مجرد قسم للدراسات الإسلامية اجراء ظرفي اقتضته طاقة الاستيعاب على ان تعود الكلية الزيتونية الى سابق استقلالها.
نشر ذلك المقال المدافع عن الكلية الزيتونية في ذلك الظرف الدقيق الذي كانت تمر به البلاد ومر بسلام وباركه كل الزيتونيين الابرار ( الا من كانوا في صراع مع الإدارة المشرفة على الكلية) ويشهد الله انني ما كتبته وفي ذهني أي حساب سوى البر والإخلاص والتعلق بالزيتونة وهو ما ظللت وساظل ملتزما به ما حييت ( والمقال موثق الى جانب مقالات أخرى كتبتها طيلة العقود الماضية اسال الله ان ييسر جمعها في سفر يؤرخ لمرحلة من مراحل مسيرة الزيتونة وما اعتراها من مد وجزر) .
ولايمكن لمقال في مثل هذا الموضوع يكتب وينشر في ذلك الظرف الدقيق ان لايلفت الأنظار ويقرا بالمجهر( وفي حديث دار بيني وبين السيد محمد الصياح رحمه الله في مناسبة علمية عن قرار الحاق الكلية الزيتونية بكلية الاداب وهو من كان آنذاك وزيرا للتربية والتعليم العالي قال لي رحمه الله لقد وضع مقالك على مكتبي يوم نشره وقال كلاما اخر في هذا السياق).
وبعد السابع من نوفمبر وفي اطار سلسلة من القرارات التي اتخذت في المجال الديني في اطار المصالحة مع الهوية العربية الإسلامية وقعت العودة بالكلية الزيتونية الى سابق تسميتها واستقلالها ولم تلبث ان أصبحت جامعة بكليات ثلاثة( أصول الدين والشريعة والحضارة الإسلامية) وهو قرار نزل بردا وسلاما وباركه كل الشعب وبدون استثناء الا من ظلوا يناصبون الزيتونة العداء المجاني والكراهية الدفينة التي تنكر للزيتونة أي فضل. هؤلاء عبروا صراحة عن امتعاضهم ورفضهم لهذا القرار و عدوه ارتدادا عما اعتبروه مكسبا وهو انهاء التعليم الزيتوني( جامعة وروافد كانت موجودة ابان احراز البلاد على الاستقلال في اغلب مدن البلاد وحتى في الجارة الجزائر) . هؤلاء لم يتقبلوا بقاء الزيتونة ككليةفما بالك ان تعود من جديد كجامعة. لقد ثارت ثائرتهم وعبر احدهم ذات مرة في اجتماع مشهود عن مخاوفه من مخاطر الزو تنة وقالها بلغة فرنسية Le danger de la zeitounisationوقال اخر من نفس التوجه ها نحن في مواجهة جديدة للمتعصبين .
وقال اخر ان الزيتونة والمجلس الإسلامي ووزارة الشؤون الدينية ماهي الا محاكم تفتيش تنتصب في البلاد. الى غير ذلك من المواقف المتطرفة التي يجد فيها التطرف في الجهة المقابلة المسوغ لما ياتيه من مواقف وتصرفات يرفضها رفضا كليا العلم الشرعي الصحيح المتين كما مثله احسن تمثيل خريجو الزيتونة في عهودها الزاهرة مثلما يرفضون مواقف المتغربين الرافضين لكل تصالح مع مقومات الهوية التونسية من لغة(العربية) وإسلام هو الرحمة كلها والخير كله والصلاح كله. نكتفي في هذه الورقة بهذا القدر مما اوحت به الي الورقة السابقة التي حييت بها الا ستاذ الفاضل الدكتور ابولبابة حسين رئيس جامعة الزيتونة( سابقا)