من معاني العيد وعبره وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: الفرحة والترويح والتواصل
ها نحن نودع شهر رمضان المعظم ونستقبل ايام العيد بما ينبغي من الفرحة والسرور على ما وفقنا الله اليه من طاعة وامتثال وتقرب الى المولى سبحانه وتعالى بكل صنوف العمل الصالح، حق للامة ان تزهو وحق لها ان تروح على الانفس بكل ما اباحه الله تبارك وتعالى من زينة الحياة الدنيا وصدق الله العظيم حين يقول (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) فالاسلام هو دين الواقعية والفطرة وهو دين التلاؤم مع التوق المشروع للانفس الانسانية للترويح، انه دين ينفي عن اتباعه الحرج (ما جعل عليكم في الدين من حرج) انه دين يدعو اتباعه الى الاخذ بنصيبهم من الحياة الدنيا (وابتغ في ما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك)، ان الاسلام يحرم على المؤمنين به الرهبانية (فلا رهبانية في الاسلام) ولا يدعوهم الى الموت قبل الموت. بل لا بد للمسلم ان يحيا حياة عادية خالية من المركبات والعقد يعطي لكل ذي حق حقه (ان لربك عليك حقا ولاهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه) وخير الناس في دين الاسلام هو من لا تكون دنياه على حساب آخرته ولا آخرته على حساب دنياه بل ياخذ من كل منهما بطرف. والله تبارك وتعالى اذا انعم على عبده بنعم فانه يحب ان يرى اثرها عليه في كل شؤونه ملبسا وماكلا ومسكنا ومركبا وسائر احواله وتصرفاته وهذا التمتع بنعم الله من شانه ان يجعل شكر العبد لربه شكر حال ومقال وهو لا شك ابلغ واحب الى الله سبحانه وتعالى لكل هذه الاعتبارات وغيرها دعا الاسلام المسلمين الى الاحتفال بالعيد وجعل للمسلمين عيدين هما عيد الفطر وعيد الاضحى وهما ياتيان بعد اداء المسلمين لعبادتين عظيمتي الشان هما عبادة الصيام وعبادة الحج الى بيت الله الحرام. ان العيدين فرصة يتيحهما الاسلام للمسلمين لابداء الفرحة والحبور والسرور بما وفقهم الله اليه من طاعة فقد قال عليه الصلاة والسلام (للصائم فرحتان حين يفطر “سواء كان ذلك كل يوم او يوم العيد” وعندما يلاقي ربه فانه يفرح بصومه لان الصوم لا يعلم مقدار الجزاء عليه الا الله سبحانه وتعالى (كل عمل ابن آدم له الا الصوم فهو لي وانا اجزي به)) فصوم الصائم يبقى دون كل العبادات والطاعات على كماله لا ينقص منه ويتحمل المولى عن عبده ما عليه من تبعات نحو غيره على ان يبقى الصوم على كماله كما ان للصائمين بابا هو باب الريان يدخلون منه الى الجنة ولا يدخل منه سواهم وقد اقر رسول الله صلى الله عليه وسلم اولئك اللاتي يضربن على الدف ويتراقصن وينشدن فقد دخل عليهن ابو بكر رضي الله عنه وهن على تلك الحال وقال : امزامير الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهن فانهن في يوم عيد) وبذلك يعلم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم اليهود والنصارى ان في دين محمد سعة ومرحا. وهذه السعة والمرح هي عين الواقعية وهي عين الاستجابة لتطلعات النفس البشرية التي هي مزيج من الرغبات والاهواء التي لا بد من مراعاتها في اطار من الشرع اذا اردنا لهذا الانسان ان يكون سويا طبيعيا كما ان العيد فرصة لتقوية اللحمة بين افراد المجتمع بداية بذوي الارحام الذين جعل الله لهم على بعضهم حقوقا واوكل ملكا ينادي (اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني) وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يصلون ارحامهم بطول العمر حيث قال عليه الصلاة والسلام (صلة الرحم تزيد في العمر) بمعنى تبارك في العمر بحيث يحقق واصل رحمه ما لا يحققه سواه وهذا ملحوظ ومجرب في حياة الناس. وقد قال عليه الصلاة والسلام (ليس الواصل بمكافئ) أي يجب على المسلم ان يصل ذوي ارحامه مهما كانت معاملاتهم له أي حتى وان اساؤوا اليه اذ لا يزال لمن يصل من قطعه من ذوي ارحامه سندا وعونا من الله عليهم وكانما يسفهم المل كما قال عليه الصلاة والسلام. فالعيد فرصة لصلة الارحام: زيارة وضيافة وهدية وملاطفة ومجاملة وعونا ومساعدة تكون صدقة وصلة كما ان العيد فرصة لاشاعة المزيد من الحب والوئام والتآخي والتحابب بين كل المؤمنين الذين يباهي المولى بصنيعهم وهم يسعون يوم العيد لأداء صلاة العيد جماعات الملائكة المقربين وكلما كان من يلتقي بهم المسلم من اخوانه اكثر كلما كان الاجر والثواب اعظم ولذلك يندب للمسلم ان يعود الى بيته من غير الطريق الذي سلكه في الذهاب الى المسجد ومن مظاهر حرص الاسلام على جعل الفرحة تعم اكثر عدد ممكن من المسلمين فرض عليهم اخراج زكاة الفطر والتي ينبغي على من وجب عليه اداؤها ان يخرجها قبل سعيه الى صلاة العيد: يخرجها عن كل من تجب عليه نفقتهم حتى من يولد ليلة العيد ويعطيها لمن هم في حاجة اليها ولا يخفى ما في هذا الهدي الاسلامي في زكاة الفطر من مغاز وفوائد وحكم واسرار منها ازالة كل مظاهر الفاقة والحاجة والحرمان وحتى لا يبقى في ايام العيد بين المسلمين من يعاني فاقة او حاجة فتعم الفرحة الجميع بدون استثناء ويتحقق كفاف شامل هو ولا شك مما يجسم فعليا ما دعا اليه الاسلام من ضرورة ان يكون المؤمنون في تواددهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تجسيم معاني الرحمة الشاملة بما كان يفعله كل يوم عيد، فقد كان يخرج الى الساحات ويقف عند حلق الاطفال الذين يمرحون ويلعبون ولا يتاخر عليه الصلاة والسلام عن احتضان وضم يتيم من هؤلاء الاطفال مذهبا عنه الهم والحزن والكآبة قائلا له: الا يرضيك ان اكون لك ابا وان تكون فاطمة لك اختا فيسر حينئذ ذلك اليتيم وهذا هدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه للامة حتى تقتدي به في التعامل مع هذه الفئة من الاطفال وهو هدي عملي يضاف الى ما لا يزال يذكر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه) وقوله (انا وكافل اليتيم كهذين في الجنة) اشارة الى اصبعيه علامة القرب كما بشر عليه الصلاة والسلام من يمسح على راس يتيم حنوا وعطفا عليه بان له من الاجر والثواب على عدد الشعرات التي مرت بها يد الماسح وفي خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الساحات يوم العيد وفي تفقده لحالات هؤلاء الحزانى وفاقدي السند اكثر من مغزى، انها دعوة لتعميم الفرحة وجعلها تشمل اكثر عدد ممكن من الناس وبالخصوص اولئك المحتاجين اكثر من سواهم الى المواساة والمؤازرة وهذه الفئات لا تخلو كل المجتمعات من وجودها ولكن بتفاوت فقط وانما يقاس التماسك الاجتماعي والتآزر والتضامن بمدى التراحم بين الافراد. وسعيد هو المجتمع الذي يهتدي الى تقوية عرى الترابط والتراحم بين افراده وايجاد القنوات واتاحة الفرص للمزيد من تجسيم قيم التآزر والتضامن التي دعانا اليها ديننا الاسلامي الحنيف وجسمها في حيز الواقع نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام