صفحات من مسيرة الزيتونة الكلية والجامعة( الحلقة الثانية)
كان الارتياح كبيرا وكان الترحيب واسعا من مختلف فئات الشعب التونسي بإعادة الكلية الزيتونية الى سابق تسميتها واستقلالها ككلية في الجامعة التونسية الى جانب بقية الكليات .
لم يلبث هذا القرار ان ارتقى بالكلية لتصبح جامعة مستقلة بكلياتها الثلاثة( أصول الدين والشريعة والحضارة) وهو قرار باغت الجميع و كان امنية أجيال متعاقبة ظلت بكل وسيلة مشروعة تطالب بإصلاح الخطا التاريخي الذي ارتكب في حق الزيتونة هذه المؤسسة العريقة التي لا تذكر تونس الا مقترنة بالزيتونة( الجامع والجامعة بروافدها و هي فروع كانت منتشرة في اغلب المدن التونسية).
وكان الامل معقودا ان يعزز قرار إعادة جامعة الزيتونة بشعبة للعلوم الإسلامية على مستوى المرحلة الثانية من التعليم الثانوي ولو في بعض المعاهد تمكن حاملي شهادة البا كلوريا من تحصيل رصيد من العلوم الشرعية واللغة العربية. يبنى عليه التكوين الجامعي في الزيتونة .وللحقيقة التاريخية نذكر بان ا لوزير الأول محمد مزالي رحمه الله لما كان وزيرا للتربية احدث هذه الشعبة وصدرت نصوصها القانونية استجابة لمقترح تقدم به له اهل الذكرمن الأساتذة والمتفقدين وهيئة التدريس في الكلية الزيتونية. ولكن هذه الشعبة لم يكتب لها ان تدخل مرحلة التجسيم العملي الفعلي وذلك داخل ولاشك في اطار ما عاشته تونس طيلة العقود الماضية التي تلت حصول البلاد على الاستقلال من مد وجزر في مجال النظر الى قضية الهوية ومقوميها الأساسيين( الإسلام والعربية).
وقعت المطالبة با حداث الشعبة الإسلامية في التعليم الثانوي متضمنة لمقررات شعبة الاد اب يضاف اليها مقرر في العلوم الاسلامية تراعى فيه كل النواحي العلمية والبيداغوجية بعد إعادة جامعة الزيتونة ولكن هذا المطلب الموثق في تقرير مطول ضمن مجموعة من المقترحات في مختلف مناحي الملف الديني توليت اعداده بطلب من الرئيس السابق زين العابدين بن علي رحمه الله الذي أحال النظر فيه الى لجنة اسندت رئاستها الى الاستاذ الحبيب بوالاعراس رحمه الله وضمت في عضويتها فضلا عن نخبة من الشيوخ والأساتذة والمسؤولين في المجال الديني عددا من الإطارات العليا في الدولة والحزب لم يحظ هذا المقترح بالدعم والمساندة بما في ذلك اهل الذكر من الحاضرين بدعوى التعارض مع مبدا توحيد التعليم و هو محل تثمين الجميع.
عادت الزيتونة كجامعة وكانت محط الاما ل في ان يمتد بها السند العلمي الضاربة جذوره الى علي ابن زياد وسحنون وكان يمكن ان يتحقق ذلك الحلم خصوصا وفي تسعينات القرن الماضي كانت لاتزال ثلة من شيوخ الزيتونة وعلمائها الاعلام على قيد الحياة وفي اوج القدرة على العطا ءو كان يمكن الاستفادة منهم باية صيغة من الصيغ المرنة التي تتحقق منها الفائدة المرجوة ولكنها فرصة اضعناها و يا للاسف الشديد.
وسرعان مااخذ ت جامعةالزيتونة منعرجا جديدا تحت عنوان التحديث وتطوير المناهج وكان ذلك على حساب التكوين المتين في مجال الاختصاص وهو بالأساس العلوم الشرعية تدخلت فيه اطراف عديدة وتكونت لجان تولى رئاستها غير أساتذة الزيتونة وأصدرت سلسلة كتب في مختلف الاختصاصات الدينية أسندت
مهمة اعدادها الى .. و رصدت لها اعتمادات طائلة ثم لم تلبث هذه الكتب ان وقع الاستغناء عنها وكان ذلك في اطار تعصير الزيتونة في الشكل وفي المضمون( الرياضة والسباحة والفن المتعالي من ارجاء معاهد جامعة الزيتونة والمتسبب في الازعاج وعدم التركيز لتلاميذ صغار في مدرسة ابتدائية تقع بجوار جامعة الزيتونة وقد اشتكى من ذلك معلمو هذه المدرسة...) كل ذلك في اطار التعصير الذي عبر عنه ادق تعبير وزير التعليم العالي في تلك الفترة في مجلس النواب حين قال '' ساعصر الزيتونة''.
دخلت جامعة الزيتونة( القائمون عليها في تلك الفترة) في مزايدات سياسية انعكست سلبا على الزيتونة نالت المناهج حظها من التعصير بدعوى التطوير والنهوض بالتعليم الديني مما سمح للبعض ان يشكك في شهاداتها ويدعو الى سحب الاعتراف بها كجامعة إسلامية وقد وقع التنبيه الى ذلك والنصح لرئيس جامعة الزيتونة( والذي لم يعمر فيها طويلا) لمراجعة بعض ما الت اليه الأمور في الزيتونة وكان ذلك بحضور فضيلة الشيخ كمال الدين جعيط مفتي الجمهورية والسيد الهادي البكوش الوزير الأول السابق رحمهما الله على هامش الحضور في ندوة علمية فاستشاط رئيس الجامعة غضبا وغادر الندوة ليحبر تقريرا الى رئيس الجمهورية حرره مع من يشاطره هذا التمشي( التعصير بلا قيد ولاحد ولو على حساب الثوابت) ومن حسن الحظ ان ما نبه اليه رئيس الجامعة تضمنته مذكرة سبق ان وجهت الى رئيس الجمهورية الذي والحق يقال كان في اغلب الأحيان لاينسا ق وراء كل ما يرسل اليه من تقاريرو لاياخذه مسلما مما هو بعيد كل البعد عن الموضوعية والمراعاة للمصلحة العامة.
وفي اطار المزايدات التي عاشتها جامعة الزيتونة من تسييس مبالغ فيه وقع الاذن بتسجيل اطروحات في مواضيع هي الى اقسام التاريخ في كليات الاداب والعلوم الإنسانية اقرب منها الى اختصاص العلوم الإسلامية الذي كادت تفتكه اقسام الحضارة في الجامعات التونسية من جامعة الزيتونة .
وكاد بعض الطلبة من بلدان شقيقة ممن جاؤوا لاعداد اطروحات جامعية في الزيتونة ان يسفروا قبل مناقشتهم لاطروحاتهم بدعوى انتمائهم الى تيارات متطرفة كما لو ان الأجهزة المختصة في غفلة عن هذا الامر.
وحدث ولا حرج عن عرقلة مناقشة عديد الاطروحات التي اودعها أصحابها وظلوا في انتظار منا قشتها عديد السنوات و كذلك الحيلولة دون الترقيات المشروعة للكثير من أساتذة الجامعة وغير ذلك وغير ذلك من الممارسات التي حادت بجامعة الزيتونة عن القيام بالدور الذي ينتظره منها الجميع وهو دور اشتدت اليه الحاجة في العقود الماضية بسبب الغاء التعليم الزيتوني وتقليصه في مجرد كلية لم تستطع ان تملا الفراغ وتحقق لتونس ولشعبها التحصين الداخلي والاشعاع الخارجي.
تلك أيها القارئ اضاءة أخرى عن الزيتونة الكلية والجامعة الورقة السابقة والى ورقة قادمة ان شاء الله نتطرق فيها الى موضوع اصلاح برامج التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية