في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : مفهوما وممارسة وحكما وحكمة

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : مفهوما وممارسة وحكما وحكمة


الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعار الأمة الإسلامية وصفتها التي اختصت بها عن سائر الأمم وهي سبب تفضيلها وتمييزها وعلو شأنها يقول جل من قائل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران والمعروف هو الخير وهو ما أمر الشرع الحنيف المسلم بأن يقوم به وما أقره عليه والمنكر هو الشر وهو ما امر الشرع الحنيف المسلم باجتنابه والانتهاء عنه والمعروف عام شامل لكل خير في الدنيا والآخرة في الجسم والروح للفرد وللمجتمع والمنكر عام شامل لكل شر في الدنيا والآخرة في الجسم والروح للفرد والمجتمع وتحديد المعروف والمنكر وبيان الحد الفاصل بينهما لم يتركه الله تبارك وتعالى للانسان يجتهد فيه كما يشاء له لأنه لو ترك الأمر كذلك لاختلطت على الناس السبل وتشعبت ولتعارضت المصالح فيها الأهواء والشهوات ولأصبح المعروف عند هذا منكرا عند الآخر والمنكر عند ذاك معروفا عند هذا، عقول الناس وامزجتهم وأهواؤهم وشهواتهم شتى ومتفاوتة في المستويات ولأجل ذلك ومراعاة لكل ذلك وسعيا لمصلحة الانسان تولى الشرع الحنيف تبيين المعالم والحدود وتوضيح المتشابه والدقيق فيصبح المعروف ما رآه الشرع الحنيف معروفا والمنكر ما رآه الشرع الحنيف منكرا وإذا ما تجرد الانسان واستقام تفكيره ووضحت رؤيته وسلمت سريرته لوجد هواه منسجما ومتطابقا تمام التطابق مع ما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) إن القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة يزخران بعشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تعالج مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطرقت هذه النصوص المنزلة الموحى بها من عند الله سبحانه وتعالى إلى هذا الموضوع من كل جوانبه مبينة النتائج الايجابية التي تنجر للفرد والمجتمع والأمة من الالتزام بما أمر الله سبحانه وتعالى والأضرار التي تلحق المسلمين اذا هم تنكبوا الجادة وانحرفوا عن الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة والقرآن الكريم وهو يتعرض إلى هذه القضية يبحثها من جميع أبعادها ويذكر المسلم بمصير من خالف أمر الله وسمح لنفسه وهواه بأن يخبط خبط عشواء وياتي ما حرم الله دون خشية أو خوف يقول جل من قائل (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون) آل عمران إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الاسلامي هو فرض كفاية اذا قام به بعض سقط عن البقية لكن هذا البعض اذا تقاعس وترك هذه المهمة أصبح المعروف بين المسلمين غريبا وصار المنكر منتشرا ومزدهرا فإن الوزر يتحمله كل المسلمين بدون استثناء وشعورا من المسلمين بقيمة هذا الأمر وأخذا بأسباب التمكين في الأرض والرضوان من الله سبحانه وتعالى وعملا بما تأمر به الآية الكريمة (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) فالأمة هنا هي الجماعة من الأفراد الذين يتفرغون لتذكير الناس ونصحهم وإرشادهم إلى الخير والمصلحة ونهيهم وتحذيرهم من الشر والفساد وعواقبهما وقد أنشأ المسلمون جهازا قارا ومختصا لمحاربة المنكرات بكل مظاهرها ألا وهو جهاز الحسبة التي هي خطة دينية ذات اتصال وثيق بالقضاء عرفها العلماء بتعاريف عدة منها إن • الحسبة هي الأمر بالمعروف اذا ظهر تركه والنهي عن المنكر اذا ظهر فعله وقد مارس هذه الخطة في المجتمع الاسلامي منذ ان استقر في المدينة المنورة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجول في الشوارع والأسواق ويمر أمام الدكاكين ويتفقد البضائع المعروضة للناس فكان يقر الناس على المعروف قولا وفعلا وسلوكا لأن أمر المسلمين وخيرهم واحد وشرهم واحد انهم الجسد الواحد الذي يتداعى كل أعضائه بالسهر والحمى اذا ما أصيب عضو فيه إن المجتمع الاسلامي هو مجتمع التكافل والترابط والتحابب والتوادد والتناصح وليس من المسلمين من لم يهتم بأمور المسلمين وليس بمسلم من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه اهتمام الاسلام بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو نوع من الوقاية والاحتياط والوقاية دوما خير من العلاج ولأن الوقاية تتحقق بها في أغلب الأحيان السلامة ولكن العلاج قد لا يحقق المأمول لأن الأوان قد فات والداء قد استشرى وعم ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرسم لأمته بكل ما يأتيه من تصرفات منهج الصلاح والفلاح العاجل والآجل وهو عليه الصلاة والسلام عندما يمر ذات يوم أمام تاجر عرض بضاعته للبيع لا يتوانى عن إدخال يده في الكيس حتى اذا وجد أسفله يختلف عن أعلاه ووجد في الأسفل بللا سأل صاحب البضاعة عن سبب هذا الاختلاف فاعتذر بقوله أصابته مطر يا رسول الله فما كان من الرسول عليه الصلاة والسلام إلا إن قال له (هلا وضعته من فوق حتى يراه الناس من غشن فليس منا) وأصبح هذا الصنيع مثلا وهذا القول حجة على كل مفسد وسار بعد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون فكانوا يتفقدون الأسواق والشوارع ويراقبون الأقوال والأفعال ويسلطون شديد العقاب على الذين يخالفون الشرع فيأتون المنكرات ويرتكبون الموبقات وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصحب معه أعوانا يأمرهم بإتلاف المغشوش والفاسد ويعاقب المخالف على مرأى ومسمع من الناس، وكان الخلفاء الراشدون وولاتهم يتخذون الأعوان للحفاظ على نظافة وسلامة المجتمع من كل الرذائل والخبائث والمفاسد والأضرار وتذكر بعض الروايات ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلف امرأة من الأنصار بالحسبة على المدينة وأسواقها والإشراف على الآداب الاجتماعية والتصرفات الفردية لأعضاء المجتمع الإسلامي وقد قامت هذه الأنصارية بدورها أحسن قيام وبرهنت ان الاسلام لا ينقص من شأن المرأة ولا يمتهنها ولا يحتقرها ولا يتوانى خلفاء الاسلام ان يسندوا للمرأة وظائف والمهمات التي تليق بها وتستطيع ان تفيد المجتمع الاسلامي وتطورت وظيفة المحتسب في المجتمع الاسلامي وتعددت تدخلاته وتوسعت مجالات عمله وأصبح جهازا عتيدا يتفقد كل المصالح الاجتماعية فلا يخرج عن مجال عمله أي نشاط فتجد المحتسب أو أعوانه يراقبون الأطباء والصيادلة والمؤدبين والمعلمين والجزارين والطباخين والخبازين ويمرون بالشوارع ويدفعون كل منكر أو ضرر حتى ان كان حملا ثقيلا يحمله انسان على دابته أو ما يمكن ان يتسبب في ضرر آجل كأن يحمل بعض الربابنة سفنهم أكثر من حمولتها وكان المحتسبون في المدينة وبغداد والبصرة ودمشق والقاهرة وتونس والقيروان وتلمسان وفاس وقرطبة وغرناطة يمارسون هذه المهمات على أحسن وجه ويستعملون كل طريقة يصلون بها إلى نشر المعروف بين الناس ومحاربة المنكر بكل مظاهره متخذين الأعوان ومستعملين كل طرق التنكر التي تجعل مرتكبي المنكر لا يهربون ويفلتون من قبضتهم ولكن المجتمع الاسلامي وكل أفراده مدعوون إلى ممارسة هذه المهمة كل في حدود امكانياته لأنها شعارهم المميز لهم عن غيرهم وهو الذي ندبهم الله لفعله يقول جل من قائل (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض وللولي مطلق الحرية في فعل كل ما يراه صالحا بالنسبة لمن ولي عليه، إن المؤمن هو مرآة أخيه المؤمن وهو لا يحب لأخيه المؤمن الضرر أو الشر أو غضب الله ونقمته وسوء عاقبته ولذلك فإذا رآه على منكر وجب عليه أن ينهاه ويرشده وينصحه ويداوم على ذلك مستعملا كل الطرق والأساليب والمهم ان يصل إلى غايته و مبتغاه الا وهي إنقاذ أخيه المسلم من براثن الشر والفساد تلك هي الأخوة الصادقة فلا أخوة صادقة إلا بالنصح والإرشاد والتوجيه والاهتمام بأمر المسلم إن شعار المسلم ينبغي أن يظل دائما النصيحة لأنها علامة التدين الصادق ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة ) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله برهان وعلى أن نقول بالحق بينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم إن المسلم مدعو أولا أن يحارب المنكرات في نفسه ثم اهله وهو مسؤول عليهم بين يدي الله يقول جل من قائل (يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) التحريم ويقول (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) طه إن المسلمين إذا تمالؤوا على فعل المنكرات وترك المعروف حل بهم ما حل بمن سبقهم من الأمم قال جل من قائل (لُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) المائدة وإذا ما أراد المسلمون النجاة والفلاح واذا ما كانوا من الذين يعتبرون ويأخذون الدروس والمواعظ فما عليهم إلا أن يجتنبوا أسباب التباب واللعن من الله واستحقاق شديد العقاب. ويزيد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر تأكيدا عندما يبين مراتب النهي عن المنكر حين يقول (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم فبقلبه وهو أضعف الإيمان) رواه مسلم وهذا الحديث الشريف يجعل كل المسلمين يتحملون قسطا من هذه المهمة العظيمة فرب الأسرة أو المعلم أو المسؤول مهما كان قطاعه وميدانه يتحمل مسؤولية النهي عن المنكر باليد والعلماء العارفون هم من يميزون بين المنكر والمعروف ويقدرون على الإبلاغ والإفصاح فمسؤوليتهم أن يغيروا المنكر بألسنتهم، ومن لا يقدر على تغيير المنكر لا باليد ولا باللسان فلا أقل من أن يغيره بقلبه فليقل في سريرته على الأقل: لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إن هذا منكر ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء إنه التعبير عن الألم والتوجع والحسرة والخوف والخشية مما يرتكبه المنحرفون من منكرات والرهبة من أن يحل بالمسلمين غضب الله الذي إذا نزل لا يفرق بين المحسن والمسيء يقول جل من قائل (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب ) الأنفال ما أرحم الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان فيما مضى من الزمن لا يتوانى عن الزلزلة والقصف والخسف والمسخ إذا تمالأ الناس على ارتكاب منكر من المنكرات ولكن امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حفظت إلى اليوم من مثل هذا العقاب الشديد وكثير من الناس في سبيل التهرب من هذا الواجب الملقى عليهم وهذه المسؤولية التي سيتحملونها ويسألون عنها يوم القيامة يستعملون مبررات واهية وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول ( يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده ) رواه أبو داود والترمذي وهكذا رد الصديق كل الحجج الواهية وحمل كل مسلم بوعيد من الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤولية تقصيره إنها مسؤولية جماعية ومهما ادعى مرتكب المنكر من حرية فردية فهو مخطئ وكلامه مردود عليه، وهو إن أتى المنكر سرا فأمره الى الله تعالى أما اذا أتاه علنا على قارعة الطريق فقد اعتدى على كل أفراد المجتمع ولقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع بأجمل تشبيه حيث قال في الحديث الذي يرويه النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكانوا اذا سقوا من الماء مروا على فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا أهلكوا جميعا وإن أخذوا على يديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخاري ومسلم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.