المسلم الصالح لا بد أن يكون مواطنا صالحا

المسلم الصالح لا بد أن يكون مواطنا صالحا


سعادة الأوطان وازدهار الحياة فيها وبلوغها أقصى ما تؤمل من عز وخير ورفاه منوطة كلها بصلاح المواطنين فيها ومن ثم ليس المواطن الصالح إلا ذلك الذي يشعر بواجبه شعورا عميقا ويسعى جهد طاقته للقيام بذلك الواجب، وما المواطن الصالح إلا فرد يتضاءل اهتمامه بشخصه وحقوق نفسه أمام اهتمامه بوطنه وحقوق بلاده ولا يكفي للتحلي بهذا النعت الكريم مجرد قابلية الخير في الإنسان أو الإحساس النبيل والعواطف السامية بل لا بد من بروز تلك القابلية إلى الحيز الإيجابي والعمل التطبيقي ذلك أن ملكات الخير وقابليات الصلاح تكون أشياء عديمة الجدوى إذا لم تبرز أثارها ولم تجن ثمارها وتكون بالأحرى خيالات وأوهاما تلوكها السنة الحذاق والمهرة لقضاء مآرب او لتحقيق خطة وتزداد هذه الحقيقة تأكدا إذا سلمنا بالنظرية القائلة بأن ملكة الخير أصيلة في الإنسان وهي أعرق من قابلية الشر فيه وأن الطريق المستقيم هو الفطرة التي فطر الناس عليها وهذه النظرية هي التي أخذ بها الإسلام وهي التي قام على صحتها الدليل العقلي والدليل الواقعي وهي النظرية المتفائلة التي تمنح الثقة مسبقا للإنسان وتعلق عليه آمالا إذا ما أحيط بسياج منيع يذود عنه الطفيليات الغريبة عن طبعه السليم وعلى أساس هذه الحقائق يمكننا أن نقول أن العبرة الحقيقية ليست في مجرد الكلمات أو القابليات التي هي موجودة عند كل أحد ظاهرة في البعض ومستترة في البعض الآخر منظمة عند قوم ومبعثرة مشوشة عند آخرين إنما العبرة الحقيقية تكون في الآثر الخارجي للصلاح والنتائج الملموسة التي تتحقق في عالم الحس وفي دوام تلك النتائج واستمرارها لأنها إذا لم تبرز فهي في حكم المعدوم وإذا لم تدم ولم تخلد فهي إما  رمية دون رام أو ليست مقصودة لذاتها بل لغاية أخرى تخفى زمنا ثم لا بد أن يدركها الخاص والعام وقد تكون قدورا متوالدة عن قصد نبيل وغاية شريفة ثم تصاب بعاهة من العاهات فتموت بسرعة وتصبح كأن لم تكن شيئا مذكورا وهذا ما يفسره لنا ذلك الدعاء الذي يردده المتعمقون من أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل صباح ومساء (اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء) وماذا يساوي سلب النعم المادية إزاء سلب التوفيق ممن ذاق حلاوة التوفيق لا بل ممن تراءت عليه علائم التوفيق لأن من ذاق حلاوة التوفيق ومارس مميزات الصلاح تمنى بالدنيا وما فيها أن لا يخرج من فردوسه الروحي إلا إلى الفردوس الدائم، نعم لهذه الاعتبارات كلها كان يلقننا الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي (إنما الأعمال بخواتيمها)-أ فليست العبرة عندنا إلا باليوم الأخير وبالأثر النهائي الذي يأتي على كل ما سبقه ويستأثر بالحكم وحده وكم رأينا من أناس انطلقوا في مجالات الخير إلى أبعد الحدود ثم ما لبثوا ان نكصوا على الأعقاب فاصبحوا يتبرون ما علو  وبجانبهم أيها السادة نرى آخرين  بالعكس منهم تماما يسرفون على أنفسهم ويتمردون عن أوامر ربهم ثم هم بين عشية وضحاها ينقلبون إبرارا أخيارا ومؤمنين أطهارا أفليس هذا هو مصداق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ان احدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبين إلا ذراع فيسبق عليه القلم فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه القلم فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها رفعت الأقلام وجفت الصحف) نعم رفعت الأقلام وجفت الصحف وجرى القدر بما هو كائن فماذا إذا بعد رفع القلم وجفاف الصحف وجريان القدر لا شيء إلا نقاوة القلوب وطاهرة الأنفس ورسوخ الإيمان وصحة المعتقد هذه هي الحيثيات التي يبني عليها الحكم النهائي (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) حالات متقلبة متغيرة ومسرحيات تمثل في كيان الإنسان وتطورات عميقة وانقلابات جذرية وهبوط وطلوع وصلاح وفساد وسعادة أمور يشاهدها الباحث المتامل فيرى بعينه أن الإيمان يزيد وينقص حسبما أقر ذلك جمهور علماء الكلام فيتحسس المؤمن قلبه بيده أو يحكم أساليب الرقابة المتدفقة عن داخل أو خارج خوفا من أن يفلت من قبضته نفس أو يدخل إليه طارق غريب وهكذا يعيش دهره كاملا وهو لا يحلم بالراحة لأنه لا يدري ما يفاجئه به الغد ولا ما يخبئه له المستقبل حتى إذا ما حان وقت خروجه من الدنيا تنفس الصعداء وابتسم ابتسامة العروس وحق له أن يتنفس ويبتسم لأنه يستقبل نعيما خالدا وجزاءا وفاقا ويخلف آثرا حميدا وذكرا عطرا وحق له آنئذ أن يحمد الله تعالى على العافية والسلامة هذه هي معايير الصلاح الحقيقي عندنا وأنها لمعايير صحيحة مضبوطة وأنها لعلى غاية من الاتساع والشمول إذ لا تقف عند حدود المواطن بل تتجاوزه فتصل إلى المسلم وتصل إلى الإنسان من حيث هو إنسان وأن المتامل في الأفراد والأنواع من هذا وذاك ليرى أن بين الصلاحين صلاح المسلم وصلاح المواطن – عموما وخصوصا مطلقا إذ أن المسلم الصالح لا بد أن يكون مواطنا صالحا إذا أخذنا في مفهومه الصحيح كل هذه المعاني الأنفة الذكر والتي هي في الواقع جزء لا يتجزأ منه وشرط أساسي من شروطه فهو مسلم صالح بها ومواطن صالح بها وإنسان صالح أيضا وإذا ما انخرمت الشروط واختلت الأركان فقد جاءت الذبذبة والحيرة وأصبح هذا الإنسان عبارة عن مجموعة من الخلط والتناقض تتجاذبه الأغراض وتتشتت أمامه المسالك ويصاب بالتيه الذي عاقب الله به بني إسرائيل يوم أن بدأت بوادر التمرد تظهر عليهم ولعل الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- عنى هذا الأمر بالذات يوم أن قال: (دعوت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من سوى انفسهم) فقد جعل النقاط على الأحرف ورسم الخطوط العريضة للاهداف الواضحة فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها.

 



 

الشيخ الحبيب المستاوي

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.