معهد العالم العربي في باريس قلعة مشعة بالعطاء الحضاري للعالم العربي
قريبا من مسجد باريس وكنيسة نوتردام ينتصب في قلب العاصمة الفرنسية معلم ثقافي وحضاري يحمل إسم "معهد العالم العربي" إنه مبنى يؤوي مجموعة من المرافق التي يتكوّن منها هذا الصرح الذي مضت على افتتاحه بصفة رسمية من طــــــــرف الرئيــــــــــــس "فرنسوا ميتران" ما يزيد على خمسة وثلاثين سنة شهد فيها إقامة عديد التظاهرات والأنشطة الثقافية والعلمية كما احتضن مواسم عرضت فيها عديد البلدان العربية نماذج من إبداعاتها وآثارها ومساهماتها في شتى مجالات المعرفة التي شدّت اهتمام جمهور كبير من الفرنسيين المغرمين بالثقافة التي يولونها الاهتمام الكبير ويرصدون لها الأموال الطائلة ويشيدون في سبيل الرقي بها المسارح وقاعات العروض الثقافية والمتاحف المتنوّعة والمختصّة في كلّ مجالات الإبداع العلمي والثقافي والحضاري.
معهد العالم العربي في قلب العاصمة الفرنسية يندرج ضمن اهتمام الفرنسيين بالثقافة بمختلف مشاربها وهوياتها كما يندرج معهد العالم العربي في إطار مدّ جسور التواصل بين فرنسا والشعوب والبلدان العربية وهو تواصل فيه الكثير من الصفحات المضيئة مثلما أنه فيه صفحات أخرى من الصدام والعداء (الحروب الصليبيّة والاستعمار الفرنسي لبلدان شمال إفريقيا وبعض بلدان الشرق العربي سوريا ولبنان) ومع ذلك فإنّ فرنسا تمثّل التنوير والتقدم الحضاري والثقافي والعلمي الذي أثّر أيّما تأثير في العالم العربي على كلّ الأصعدة في السياسيين وفي النّخبة التي شدّت الرّحال ولا تزال إلى عاصمة النور باريس وعادت منها بما حقّق التفاعل الإيجابي بين الأصالة والمعاصرة ولا ضير في ذلك فالحياة وفي كلّ مجالاتها وميادينها أخذ وعطاء بقطع النّظر عن السلبيات التي تحفظ ولا يقاس عليها.
· ومعهد العالم العربي بباريس الذي نجحت الدول العربيّة -على قلّة نجاحاتها- تأسّس ليكرّس التفاعل الإيجابي في الميادين الثقافية والعلميّة والحضاريّة بين فرنسا العريقة في الحضارة والثقافة والعلوم والعالم العربي ذي الرصيد الثّري في هذه المجالات والذي شهد له بالتميز علماء ومفكرون ودارسون منصفون وموضوعيون فرنسيون ولا يقلّ ما أسدوه للثقافة العربيّة والإسلاميّة عما أسداه لها أبناؤها.
تمّ التجديد في الأشهر الأخيرة الماضية لولاية جديدة كمدير لمعهد العالم العربي لوزير التربية والثقافة الفرنسي السابق "جاك لانغ" وقد تميّزت إدارته للمعهد بتجاوز الصعوبات المادية التي مرّ بها هذا المعهد فقد وضع "جاك لانغ" خطّة محكمة طرق من أجل تجسيمها كلّ الأبواب حيث وجد التشجيع والمساندة لكي يستفاد على أوسع نطاق من هذا المعلم الذي يعدّ مكسبا قد لا يستطاع إنجازه اليوم في هذه المرحلة التي يمرّ بها العالم العربي أمّا والإنجاز لهذا المعلم قد وقعت المبادرة إليه والاتفاق عليه والإنفاق السخي عليه في سنوات الوفرة وسنوات الانسجام ولو النّسبي بين الدول العربيّة، فإنّ النهوض به ليؤدّي رسالته الحضاريّة والثقافيّة كجسر تواصل بين ضفتي المتوسط وبين فرنسا والعالم العربي أيسر بكثير من تأسيسه.
· المشرف على المعهد ليس بالغريب عن ميادين العلوم والثقافة والحضـــــــــــــــارة فهو أحد أعلامها ورجالاتها البارزين وقد أعدّ برامج ثريّة يأتي في طليعتها العناية باللغة العربيّة وتعليمها لغير الناطقين بها وأعدادهم متزايدة والطلب والرغبة لديهم شديدة من كل الفئات السياسيّة والإعلاميّة والثّقافية والشّبابية من طلبة الجامعات والمعاهد العليا.
· وفي برامج "جاك لانغ" كما صرّح بذلك في الآونة الأخيرة لوسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة إقامة مواسم ثقافية تمتدّ لفترة زمنيّة كافية لجعل الإستفادة منها تكون على أوسع نطاق كما أنّ المكتبة الثريّة التي أعيدت تهيأتها هي اليوم جاهزة لاستقبال روادها الذين يجدون فيها ما لا يجدونه في غيرها من مكتبات باريس على الأقل فيما يتعلّق بثقافة وحضارة وفنون المنطقة العربيّة المتميزة والممتدّة إلى أعماق التاريخ والمتسعة جغرافيا من المحيط إلى الخليج.
ذلك هو معهد العالم العربي تلك القلعة الشامخة في قلب باريس إنجاز حضاري -على قلة ما أنجز العرب في العصر الحديث في هذا المجال- يستحق من كل من تطأ قدماه عاصمة النور أن يزوره ويتجوّل في أجنحته فسيجد الكثير ممّا يزيده إعتزازا بالإنتماء إلى هذه الحضارة العربيّة التي بهرت الجميع بإنجازاتها في مختلف مجالات العلوم والمعارف يوم أن كانت العلوم والمعارف تنال ما تستحق من العناية والرّعاية الماديّة والمعنويّة.