مفاهيم إسلامية:أهمية اللغة والدين في نحت الشخصية والذاتية
لم يعد خفيا على احد أن التعليم ببلادنا قد تسرب إليه الخلل والارتجال كما تسرب إلى الميادين الاقتصادية وغيرها مما يحتم الواجب والإخلاص تلافيه بالإصلاح الجذري السريع، وليس من الشطط أو التعصب أن نقول إنه أول ما تجب العناية به والحيطة فيه هو موضوع التربية والتعليم لان مسألة إعداد الأجيال الصاعدة أعظم مسألة وأشقها وعليها لا على أي شيء سواها سيكون وجه البلاد غدا ومصيرها بعد سنين قليلة فكل تهاون بهذا الموضوع الحساس أو ارتجال فيه يعرض ما حققناه من انجازات وأمجاد إلى الضياع. لا يخفى على احد أن لأمتنا التونسية العربية المسلمة تراثا خالدا نسج عليه العنكبوت وتسرب إليه الإهمال والضياع وزهد فيه كثير ممن جهلوا قدره، وفتنوا عنه بما لا يقوم مقامه ولا يسد فراغه مما هو صالح إذا أضيف وفاسد إذا افرد اجل لامتنا لغتها العربية التي كانت وما تزال لغة علم وحضارة تهضم كل ما يقدم إليها وتسيغه وما يزال المتقدمون اليوم يترجمون عنها ما برع فيه أجدادنا الكرام من طب وفلسفة وجراحة وفلك وغيرها من العلوم فماذا يرجى من شاب إذا كان يجهل لغة أمته ويحتقرها ويقدم عليها غيرها في المخاطبات العادية فضلا عن الخطابة والكتابة والمطالعة وبجانب هذه اللغة الخالدة الواسعة العذبة لنا فلسفة بزت جميع الفلسفات في ثبوت أصولها وصحة نظرياتها ومطابقتها للواقع السليم للإنسان السليم الكريم هذه الفلسفة هي فلسفة الإسلام الذي هو دين الحياتين والذي جعله مشرعه الأعظم سبحانه وتعالى عصارة العصارة وخاتمة الوحي السماوي والمحيط بكل ما يتطلبه البشر مهما كان تطور البشر أفيليق بالشاب المسلم الذي نريده خلفا صالحا ووارثا أمينا أن يعلم جميع الفلسفات الأرضية المتباينة والمتناسخة ويجهل فلسفته الرصينة الأصيلة؟ ماذا نرتجي منه بعد أن نعلم (إن من جهل شيئا عاداه) لا نرتجي منه ولا نطمع بغير ما شاهدناه بأعيننا ولمسناه بأيدينا من فساد وإفساد كاد أن يجر البلاد إلى الهاوية على يد من شرع مبدأ التحرر والإباحية وإطلاق الغرائز وخلط الذكران بالإناث في سن المراهقة والشباب والجنون. فلو سئل أهل الذكر في الميادين التربوية والتعليمية لعبروا عما انتاب الأمة في صميمها ومستقبل أجيالها وما لا يشعر معه المخلصون المؤمنون بالسلامة والسعادة الشخصين لان موضوع هاولاء يسمو عن الخصوصيات ويتجاوز مراحل الزمن فهو متصل بالتاريخ والجدود وبالأبناء والأحفاد أكثر من اتصاله بالأحياء، إنها لغصص يتجرعها الواعي ولا يكاد يسيغها إذ من هو المتحجر القاسي الذي لا ينكر دما عندما يشاهد ولده يعيش بجانبه وتحت ظله ولا يفكر إلا بعقل أجنبي ولا يتكلم إلا بلسان أجنبي، ولا يعرف عن دينه إلا ما يقدمه له بعض المستشرقين المغرضين من تهم زائفة وخرافات ما انزل الله بها من سلطان، أي عاطفة تبقى بين أب أصيل يؤمن بأمته ويتحمس لدينه وبين ابن مائغ جاحد عاق؟ وكم هم الآباء الذين لهم سلطان قوي على أبنائهم وقدرة على توجيههم والاختيار لهم؟ وما هي نسبة الأبناء الذين يريد لهم الحظ السعيد أن يتأثروا بأستاذ مؤمن أو بكاتب نزيه أو بقريب موفق؟ لنفرض أن كل هذا موجود فلماذا نترك مصير أجيالنا للصدف؟ مع العلم الذي يشترك فيه جميع الناس بان من لا دين له لا وطنية له ومن لم يؤمن بربه ولم يراع حقه فلا يمكن أن يؤمن بشيء إلا بذاته من خلال متعها، أفهل يبيح الإخلاص للوطن وللأمة وللدولة أن ننجب لوطننا وامتنا ودولتنا من يسعى في خرابها والتنكر لها والسخرية منها؟ إن هذا لهو الجنون والانتحار، فلنخرج عقولنا من أقفاصها ولننظر بكل تجرد إلى الأفذاذ من العلماء الذين ابتكروا للإنسانية ما اوجب لهم الخلود ولها الصعود فهل نجد الأغلبية الساحقة منهم إن لم نقل جميعهم من غير المؤمنين المتشبثين بأديانهم؟ ولننظر إلى غزاة القمر والى شعبهم وحكومتهم فهل نلمس حقيقة اكبر من حقيقة الإيمان بالله وبكتابهم المقدس الذي يرتلونه فوق سطح القمر وهل كانت تحية رواد أبولوا 13 غير ترتيلات وتسبيحات وتامين والى أي شيء يرمز يوم الحمد والشكر الذي جعله الرئيس الأمريكي يوما قوميا ببلاده؟ ألا فلنعلم أننا بغير ديننا ولغتنا لن تكون إلا لقطاء ونفايات ولا يرجى الخير ممن لم يجد دينه فيه خيرا.