مفاهيم إسلامية:خاصية الشمولية في الأخلاق الإسلامية

مفاهيم إسلامية:خاصية الشمولية في الأخلاق الإسلامية


تعد الأخلاق من أهم المواضيع الجديرة بتكرار تعميق الوعي بها بكل الوسائل والطرق باعتبارها حجر الزاوية في كل بناء يراد إتمامه وكل عمل يرجى كما له. ولولا أن للأخلاق منزلة متميزة لما اعتبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لب الدين وجوهره وذلك في حديث شريف يكثر بين الناس تداوله وقليلا ما يتوقف عنده بما يكفي للاستهداء به والانطلاق منه واتخاذه مقياسا للحكم لأي عمل وعلى أي عمل. هذا الحديث الشريف هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) والحديث على قلة كلماته وعلى قصره وإيجازه مليء بالمعاني والعبر والدروس التي لا ينبغي على مسلم أن يتجاهلها أو يهون من شأنها. ولا غرابة في الأمر فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ابلغ من نطق بالضاد، فقد أوتى جوامع الكلم فضلا عن انه لا ينطق عن الهوى. * رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وحجة: ولإقامة الحجة على الناس أجمعين جعل الله تبارك وتعالى نبيه سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قدوة ونموذجا للخلق الكريم العظيم فقد مدحه ربه في كتابه العزيز فقال في شأنه (وإنك لعلى خلق عظيم) والخلق العظيم درجة لم يصلها قبل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولا بعده أحد من خلق الله. لقد أدب الله نبيه سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام بأفضل الأخلاق وأحسنها وأتمها وأكملها. وأمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بأن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وان يجعلوه أسوة حيث قال جل من قائل (ولكم في رسول الله أسوة حسنة). ولقد جعل الله تبارك وتعالى أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة حب الله حيث قال جل من قائل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حافلة بالكمال والجمال. وهي سيرة عطرة رسم معالمها القرآن الكريم في أوامره ونواهيه السنة الطاهرة من أقوال وأفعال وإقرارات. ولعل ابلغ ما قيل في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة الخالدة التي جرت على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت (كان خلقه القرآن) نعم لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض وتلك لعمري معجزة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وميزته على كل خلق الله. لقد تطابق لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر مع الباطن والقول بالفعل والشعار بالممارسة وهو مع ذلك بشر سوي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. ليس مرادنا أن نمحض الحديث في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبسط فيه القول من مختلف الجوانب والمظاهر ولكن أردنا بهذا المدخل المختصر أن نذكر بما نراه جديرا بالتذكير بمناسبة وبغير مناسبة ألا وهو إعطاء الإسلام لمسالة الأخلاق والمعاملة المكانة الأولى وجعلها حجر الزاوية في ما يقدمه المسلم ويرجو أن ينال عليه من ربه الجزاء الأوفى والأوفر والمتمثل في الرضوان والتقبل للأعمال. يذهب البعض عند الحديث عن الأخلاق إلى حصرها في التصرفات ذات الصبغة المظهرية الشكلية علما وان الإسلام يمقت المظاهر والشكليات ولا يسمح بالحكم بها على تصرفات الناس قبولا وردا لان هذه المظاهر والشكليات هي في الأغلب مغالطة ولا يخفى على احد محاربة الإسلام للنفاق حيث اعلم الله عباده بما أعده للمنافقين من عذاب شديد فهم في الدرك الأسفل من النار ما ذلك إلا لإضمارهم الكفر وإظهارهم للإيمان مغالطة وبهتانا وهذا إن انطلى على المخلوق فلا سبيل إلى إن ينطلي على الخالق السميع العليم البصير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. كما أن البعض يذهب إلى حد المقارنة بين أخلاق المسلمين “الحميدة”-بين ظفرين- وأخلاق غيرهم المنحطة!! المتحللة!! المتفسخة!! وهذا في نظرنا تبسيط وتسطيح لنظرية الأخلاق في الإسلام إنها نظرية تتسم بالشمول والإحاطة ليس فقط للقول والفعل بل تتجاوز هذين المجالين الهامين إلى المشاعر الباطنية التي لا سبيل إلى أن ينفذ إليها ليستأصلها أي تشريع بشري ولكن المولى سبحانه وتعالى يعتبرها هي الإسلام وهي المنطلق فالأعمال في الإسلام يحكم عليها بما يسبقها من نوايا ولأجل ذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وقال (يبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله) والمعنى استنبط الفقهاء والأصوليون عديد القواعد منها (الأمور بمقاصدها). * شمولية الأخلاق الإسلامية: إن أحاديث نبوية عديدة ونصوصا شرعية لا يمكن الإتيان عليها وحصرها تقف دليلا وبرهانا على سلامة ما نريد تركيزه من أن نظرية الأخلاق الإسلامية تتسم بالشمول المحيط الذي لا يمكن أن يخرج من إطاره وحدوده أي تصرف من تصرفات المسلم من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة) ومن ذلك أيضا الأثر الذي يجعل من المعاملة الحسنة عنوانا للإسلام الصحيح الكامل المتقبل من الله سبحانه وتعالى. وبهذه النظرة العميقة الشاملة والمحيطة بكل تصرفات الأفراد والمجتمع نستطيع الحكم على أوضاعنا وأوضاع غيرنا من المجتمعات البشرية وعندئذ تكون أحكامنا قريبة من الواقع ومنصفة تعطي لكل ذي حق حقه. إننا جميعا وفي مجالسنا الخاصة عندما نجري مقارنة ولو بسيطة بين تصرفاتنا: أفرادا ومجتمعات إسلامية وبين تصرفات أفراد ومجتمعات غير إسلامية، إننا في الغالب نتأسف البون الشاسع والفرق الكبير بيننا وبينهم إذ نجد لديهم انضباطا والتزاما واحتراما للغير وللملك العام حتى لكأنهم هم الذين استوعبوا هدى الإسلام في الانضباط والاستقامة والتعايش والإنصاف، انك تراهم يأتون ذلك عن طواعية وتلقائية لا ينتظرون على ذلك جزاء ولا شكورا وإنما هي المدنية والتحضر، وهي الخلق الكريم تشهد على ذلك ظواهرهم ونحن إنما امرنا كبشر أن نحكم بالظاهر والله وحده يتولى السرائر. لا نريد أن نفاضل بين المسلم وغير المسلم إذ ليس موضوع حديثنا ولا نريد بالشهادة لهؤلاء الذين هم ويا للأسف غير مسلمين إن نقول بان ذلك منهم يكفي وانه سيكون لهم ثواب عليه في الآخرة، فليس في الآخرة لمن لا يؤمن بها نصيب. ولكن في هذه الدنيا التي ليست دار جزاء من التزم بضوابط معينة لابد وان يجني ثمرة انضباطه. والآخرون أي غير المسلمين من أوروبيين وآسياويين وأمريكيين تشهد لهم اليوم أعمالهم وتصرفاتهم وانجازاتهم ونجاحاتهم الدنيوية. والمسلمون ودينهم يفرض عليهم أن يكونوا منصفين ومعترفين بالقصور والتقصير والذي والحمد لله لا يعود إلى موروثهم ومبادئهم ودينهم الحنيف وإنما يعود القصور إلى تصرفاتهم وسلوكياتهم التي لا يقرهم عليها ربهم ولا يرضاها لهم. يكفي أن ننظر إلى شوارعنا وأماكننا العامة من محلات وأسواق وساحات خضراء ومنتزهات وإدارات ومستشفيات ومحطات ووسائل نقل وغير ذلك إن مقارنة بين تصرفنا فيها وتعاملنا فيما بيننا فيها وبين تصرفات ومعاملات غيرنا في مثل تلك الأماكن العامة عندهم هذه المقارنة تظهر البون الشاسع والفرق الكبير ونتيجة هذه المقارنة هي ولا شك لفائدتهم. إن الأمر الأكيد أن أولئك القوم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بمعجزات وتدخلات خارجية غير عادية إنهم اصطلحوا على مجموعة من الضوابط ألزموا بها أنفسهم على مختلف فئاتهم وأعمارهم حتى أصبحت تكاد تكون جبلة فيهم. لقد عرف القوم أن النفس ترتاض وتنقاد وتلتزم وتتعود على الايجابي كما تتعود على السلبي فاختاروا الايجابي وجنوا ثمرة هذا الاختيار في عاجل حياتهم الدنيا. وليس ذلك بالمستحيل ولا هو فوق الطاقة بالنسبة لغيرهم بل لعل غيرهم من المسلمين خصوصا يجدون على سلوك هذا المسلك القويم جزاءين جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة. والناظر في هدي الإسلام من عقائد وعبادات ومعاملات يلاحظ فيها البعد الاجتماعي جليا حيث تسعى إلى جعل المسلم يتجنب المفاسد والأضرار ويأتي المصالح والنفع وقد عبر الفقهاء عن التطابق بين المصلحة والشرع الحنيف فقالوا (حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله) كما أن المسلم يعتقد جازما أن ما يأتيه من عبادات وقربات يدرأ عنه المفسدة ويجلب له المصلحة وقد ورد في الحديث القدسي (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) ومهما استزدنا من الطاعات ومهما قصرنا في آداء الواجبات ومهما أتينا من المنكرات فإن الله تبارك وتعالى لا تنفعه طاعاتنا ولا تضره معاصينا. * حسن المعاملة علامة التدين الصحيح: وإنما يعلم مدى صلاح عمل المسلم بالنظر إلى ما تتركه عقيدته وعباداته في معاملاته مع الناس من أثر فإذا نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر وإذا تجاوز صيامه الإمساك عن شهوتي البطن والفرج إلى الإمساك عن كل ما يغضب الله من قول أو فعل، إذا كان المسلم كذلك نستطيع أن نحكم له بصلاح عمله أما إذا أدى ما فرض الله عليه حتى إذا انتهى منه سعي في الأرض فسادا واهلك الحرث والنسل وظلم واعتدى وخرب ودمر آنئذ نردد مع الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له) وقوله (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش). إن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى إحياء أركان الدين وبث روح ايجابية فعالة ومؤثرة في العقائد والعبادات حتى تؤثر في السلوكيات فتجعلها سمحة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرأ سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى) وليقس على البيع والشراء كل مظاهر السلوك والمعاملة. إن المسلم مطالب بّأن يرتقي بسلوكه وتصرفاته إلى هذه الدرجة العالية المرضية لله ورسوله المحققة لسعادة الدنيا والآخرة، إن المسلم اليوم مدعو إلى الاستقامة والإحسان ولقد كتب الله الإحسان في كل شيء ألم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب منه الوصية بقوله في إيجاز بليغ (قل آمنت بالله ثم استقم)؟ لقد بشر الله تبارك وتعالى من فعل ذلك بالفوز في الدنيا والآخرة. لقد اعتبر الإسلام الاستقامة الكاملة ظاهرا وباطنا قولا وفعلا ميدانا فسيحا للجهاد قال جل من قائل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) انه جهاد اكبر ألم يثقل رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو العائد من الغزو (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)؟. إن بين الجهادين الأصغر والأكبر تلازم شديد ولابد منهما معا بل إن الجهاد الأصغر (الانتصار على الأعداء في ساحات القتال) لا يتحقق إلا بالانتصار على النفس الأمارة والشيطان اللعين.

الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.