سيرة الحافظ شمس الدين الذهبي الرائد في تأليف "المختصرات" وغيرها (1/2)
وأحسن من يحدثنا عن هذا السفر الخالد لتاريخنا الاسلامي المجيد، الأستاذ عبد المنعم الهاشمي في كتابه القيم (من أعلام السلف/ص 142)نقلا عن مقدمة (تاريخ الاعلام للمحقق الدكتور عمر عبد السلام تدمري): "تاريخ الاسلام، يعد من أقوى كتب التاريخ والسير، فقد تفوق "تاريخ الاسلام" على "سير أعلام النبلاء" بالكمية الهائلة التي يحتوي عليها من التراجم، فضلا عن انه يتميز بذكر الاحداث الحولية.
وتراجم تاريخ الاسلام لا تقتصر على المشاهير والاعلام، وانما تضم رجالا غير مشاهير، بل ان البعض منهم يعتبرون من المجاهيل. وفي كتابه "سير أعلام النبلاء" لم يترجم الذهبي للخلفاء الراشدين الاربعة، رضوان الله عليهم، الا انه في "تاريخ الاسلام" أفرد لهم جزءا خاصا من تاريخ الاسلام ولو قارنا بين "تاريخ الاسلام" للذهبي، وكتابي "تاريخ بغداد" و "تاريخ دمشق" وغيرهما من كتب الرجال، نجد ان الذهبي يتفرد في "تاريخ الاسلام" لأعلام لا نجد لهم ذكرا عند غيره، مما يدل على انه، أي الذهبي يقف على أسانيد ورسائل لم يسبقه اليها الخطيب البغدادي، ولا ابن عساكر الدمشقي رغم تقدم عصرهم.
ويتميز الذهبي على الخطيب البغدادي وابن عساكر بإشارته الى روايات الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين في كتب الصحاح. وقد عرض الذهبي في "تاريخ الاسلام" للاخبار والوقائع والاحداث التي أسهم فيها صاحب الترجمة، قبل أن يؤرخ وفاة المترجم له، أو يكتب سيرته الذاتية، ولذلك فقد قدم في "تاريخ الاسلام" المغازي على السيرة النبوية، ثم رتب كتابه بالمغازي أولا، والسيرة النبوية الجزء الثاني، والخلفاء الجزء الثالث...وهكذا.
وقد انتهى الذهبي من تاليف كتابه (تاريخ الاسلام) في (عام 714 هـ = 1314م) ا هـ أما كتابه الرائع والذائع (تذكرة الحفاظ)، فإنه يعد من مؤلفاته الهامة، وهو مرتب ترتيبا جيدا على "الطبقات"، وقد أنهاها الى احدى وعشرين طبقة، والكتاب كله يقع في (أحد عشر) مجلدا، وقد بلغت تراجمه (1176) ترجمة، آخرها ترجمة شيخه: الامام الحافظ يوسف المزي، المتوفي سنة (742 هـ= 1341 م) وقد حصر الكتاب والباحثون سيرة الحافظ الذهبي هذا، أن مؤلفاته وصلت الى (214) كتابا مرموقا، شملت مختلف الموضوعات الشرعية والعلمية والتاريخية ونحوها (كالقراءات، والحديث واصوله، والعقيدة، والفقه، والزهد، والتراجم والتخاريج، والجرح والتعديل) وهكذا ...
والخلاصة في هذا المقال أن أقول ومن الله الرضا والقبول: ان هذه الشخصية اللامعة، يكفيه فخرا وبرا، ان شيخه الأجل، هو شيخ الاسلام، الامام أحمد بن تيمية رحمه الله، وأن تلميذه المبجل، هو الحافظ الكبير المفسر: عماد الدين ابن كثير رحمه الله واليك شهادة أحد تلاميذه الأبرار، وهو الامام الكبير الحافظ تاج الدين السُبكي، إذ حلاه بهذه الكلمات المفعمة بالإجلال والتقدير، فقال (إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل)
اما الامام ابن كثير- تلميذه النجيب- فقد وصفه بقوله :
(الشيخ الحافظ الكبير، مؤرخ الاسلام، وشيخ المحدثين وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه) فرحمه الله رحمة الابرار وأسكنه جنات تجري من تحتها الانهار