فرنسا تبحث عمن يساعدها على النهوض بالخطاب الديني
تجري في هذه الأيام السلطات الفرنسية في أرفع مستوياتها اتصالات مع أطراف عديدة رسمية وغير رسمية في البلدان العربية والاسلامية طلبا للمساعدة على النهوض بالخطاب الديني في المساجد والمصليات التي تعد بالمئات ويرتادها عشرات الآلاف في مختلف المدن الكبرى والصغرى على امتداد التراب الفرنسي ورغم ان غالبية ما يلقى على المنابر في الجمع والأعياد وسائر الأيام من خطب ودروس تغلب عليه الوسطية والاعتدال إلا ان بعضا ما يروج بوسائط متعددة وفي حلقات ضيقة تتوسع وتنتشر شيئا فشيئا يغلب عليه التشدد والتعصب والتطرف وتغذي ذلك جهات أعلنت جهارا حربها وعدوانها لبلدان إقامة المسلمين المهاجرين، وفرنسا تحتضن العدد الأكبر من المهاجرين، إنهم بالملايين من أصول شمال افريقية مغاربية وافريقية وآسيوية وهم اليوم أجيال ثلاثة: الجد والابن وحفيده وتكاد تكون صلة الأحفاد ببلدان الأصول منقطعة، فهم فرنسيون في مقتبل العمر وفي أوج العطاء، لا شيء يفرق بينهم وبين مواطنيهم من أصول فرنسية في المظهر واللغة وكل شيء، هؤلاء ومن اهتدوا إلى الإسلام من مئات الشبان الفرنسيين في السنوات الأخيرة هؤلاء وأولئك هم من ظهرت بين صفوفهم نزعات التطرف والتزمت وهم من أصبحوا يمثلون خطرا على الهيئة الاجتماعية بمختلف نظمها وقوانينها، فقد انخرط الكثير منهم في الحركات التي تتبنى العنف منهجا وأسلوبا وكانت تجلياتها الأخيرة في الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة الفرنسية. إ ن حاجة فرنسا ماسة الى خطاب اسلامي يتسم بالوسطية والاعتدال والتسامح وقبول الآخر، خطاب التعايش والانسجام، خطاب المواطنة واحترام القوانين الجاري بها العمل، خطاب الاندماج الايجابي الذي فيه الحفاظ على الخصوصية الإسلامية في جوانبها العقدية والتعبدية • ولعل الذي يقدر أكثر من سواه على تقديم الخطاب الديني الذي تحتاج إليه فرنسا هم أولئك الفرنسيون المسلمون الذين يعيشون بين ظهراني الفرنسيين، في باريس وليون ومرسيليا وأفينون وسترازبورغ وليل وقرونوبل وتولوز، إنهم أهل مكة، وأهل مكة أدرى بشعابها، إنهم مجموعة من الأساتذة من أصول فرنسية اهتدوا إلى الاسلام بعد بحث علمي ورحلة شاقة وكان الجاذب لهم الى الاسلام روحانيته القوية وسماحته وتوازن تعاليمه وأخلاقياته الرفيعة الداعية إلى الأخوة والرحمة والرفق والسلام والوئام والتسامح. لقد كرعوا من معين الاسلام العذب متمثلا في كتاب الله العزيز القرآن الكريم وسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة سلف الأمة الصالح والعلماء الربانيين الكبار من أمثال الإمام الغزالي وأبي طالب المكي والسراج الطوسي ومحي الدين بن عربي والقشيري والجنيدي والجيلاني والشاذلي وأبي مدين وزروق والرومي والأمير عبد القادر والشيخ العلاوي وغيرهم كثير جدا • إن هؤلاء المسلمين الفرنسيين مؤهلون للقيام بهذا الدور في فرنسا: دور التبصير والتنوير والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وتحصين الشباب المسلم ضد كل الأفهام الخاطئة المنحرفة، فهم من ينبغي أن يستعان بهم من طرف السلطات الفرنسية في الخطب الجمعية والدروس الدينية والمحاضرات العلمية والحصص التي تبثها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة لقد ظل هؤلاء المسلمين الفرنسيين مهمشين من طرف الجمعيات والهيئات الدينية ومن طرف السلطات القائمة والحاجة اليوم في فرنسا ماسة إليهم بما اكتسبوه من تجربة وبما حصلوه من معارف وعلوم وبما عُرفوا به من سمت حميد وتجرد وإخلاص يُضاف إلى ذلك كله انهم فرنسيو الأصل واللغة والثقافة وهم الأعرف بعقلية من يعايشونهم من الفرنسيين والمقيمين والفرص القليلة التي أتيحت لهم للمشاركة في تقديم المادة الدينية بينت جدارتهم وأهليتهم فتقديمهم للقيام بهذا الدور اليوم متعين والاستفادة منهم استوجبها الظرف الدقيق الذي تمر به فرنسا • إن لهؤلاء آثار علمية ومؤلفات قيمة: ترجمة لمعاني القرآن الكريم، وتفسيرا له وترجمة لكتب السنة والسيرة وتعريفا بها وتقديما، وشرحا لأمهات كتب الثقافة الإسلامية العميقة المكرسة لخصائص الإسلام الوسطية المعتدلة والمتسامحة السمحة والروحية المشرقة. أذكر من هؤلاء الأساتذة: بنو و قريل وتوبون و جوفروا وباربو وقلوتون وقيدادورى ولدوز وبيري و شوليفتز وآداس ومعهم الأساتذة خالد بن تونس ومنير القادري وطارق بن قاراي ونجم الدين خلف الله وصالح العود وأبروا وغيرهم كثير جدا من الأسماء التي تهيّأ لي في السنوات الأخيرة أن أتعرف عليهم وأن أتعاون معهم فوجدتهم على كفاءة عالية وإخلاص كبير فلعل هؤلاء وغيرهم هم من يحل مشكلة الخطاب الديني في فرنسا