الرحلة في طلب العلم
الحمد لله الّذي هدى ووفّق، ووعد وصدّق، فقال عزّ من قائل : "فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوال إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون -122- التّوبة
والصّلاة والسّلام على أكرم النّبيئين، ومُعلّم الخلق أجمعين :من عترته ثمّ صحابته إلى يوم الدّين.
* صاحب الفضيلة والفضل،وراعي هذا الحفل، الأستاذ الأجلّ : الشّيخ محمّد صلاح الدّين المستاوي (يحفظه الله) : رئيس مؤسّسة الحبيب المستاوي.
* أصحاب السّماحة : من الشّيوخ والعُلماء والأساتذة الأعزّاء، يتصدّرهم العلاّمة : فضيلة الشّيخ الدّكتور : أبو لُبابة الطّاهر حَسَيْن (القابسي)، رئيس جامعة تونس (سابقا)، حفظه الله دوما وحيّاه
* الطلبة الأخيار : الوافدون إلى هذه الدّيار.
أمّا بعد : فأقول : ومن الله تعالى الرّضا والقبول :
فإنّي قد رغبت في أن أتحدّث إليكم هنا،وبمعيّة هؤلاء الطّلبة الوافدين إلى بلادنا (تونس) الخضراء، من أندونيسيا في موضوع ظريف وشريف ينطبق ويصدُقُ عليهم ألا وهو : الرّحلة في طلب العلم.
من المعلوم، أيّها العموم، سواء عند السابقين، أو اللاّحقين، أو المحقّقين، أنّه كلّما كان "طلب العلم" وتُرافقه الرّحلة فيه، كلّما كان نفعه أكثر، والفائدة منه أغزر، والتّفوّق فيه أكبر، إن شاء الله.
وأنا، ما قرأت في سِيَرِ العُلماء الأجلاّء، أو الأعلام الفطاحل، إلاّ وأجد لهم "رحلة": قصيرة كانت أو طويلة، في سبيل الحصول على المعارف.
وأوّل مصدر نبّأنا الله عن ذلك، هو في كتابه الكريم : وتحديدا، في سورة الكهف الكريمة، وهو خبر النّبيّ موسى عليه السّلام، مع الوليّ الصّالح : الخضر Z، إذ كان موسى يطمح أن يكون أعلم النّاس في زمانه، فأرشده الله إلى أن يرحل إلى الخضر، ويأخذ عنه علما لدُنيا، وفعلا ائتمر موسى بأمر ربّه، فسافر إليه، ولكن كانت تلك الرّحلة عقيمة، بسبب نفاد صبر موسى في تلقّيه العلم عن الخضر، وهذا مهمّ أيضا لكلّ طالب علم، فقال الله بصريح العبارة :"هذا فِرَاقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا-78-
أيها الطلبة الأعزّاء : إنّ "الرّحلة في طلب العلم والمعرفة" : سُنّة الأوّلين والآخرين من الصّحابة والتّابعين، فَمَنْ بعدهم77إلى يوم الدّين، فكان منهم : أولوا العلم والفضل لا: كالحُفّاظ البررة، والفُقَهاء الخِيَرة، وأئمّة العلم المشهورين (العَشَرة)، وكذلك "النّخبة" في تاريخ هذه الأمّة من عباد الله الصّالحين، وبهذا نعلم جميعا أنّ "الرّحلة" في مقصدها الشّريف، لم تنقطع منذ شرّعت،ولن تنقطع إلى الأبد إن شاء الله بحوله وقوّته.
أيها الطلبة الأعزّاء : إنّ الرّحلة في طلب العلم، والحصول على المعارف، هي في الحقيقة "السّند العلميّ" أينَما حلّ الإسلام، والدّعاة إليه : من العلماء والصُّلَحاء، أينما كانوا : شرقا وغربا، ولَطالماحرص عليها، من أجل التّوثيق، والتّنويع في المصادر والمشارب : الأفذاذ، والجهابذة، في كلّ عصر ومصر، بأجيال متعاقبة حتّى اليوم.
أيها الطلبة الأعزّاء : ها أنتم -والحمد لله- تقتدون بالأسلاف،وتسيرون في ركابهم، فقد قطعتم البرّوالبحر، ثمّ امتطيتم صهوة الجوّ، تُحيون سنّة العلم والعلماء، أعني بذلك : سُنّة الرّحلة في طلب العلم، ولقاء العلماء، ألا فأبشروا بما وعدكم به نبيّكم محمد T، وهو الصادق المصدوق، إذ يقول :"مَن سَلَكَ طريقا يلتمس به عِلما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة". -رواه البخاري- حتّى وصلتم إلى ديارنا (تونس) بلد الصّحابة والتّابعين، رضي الله عنهم (وعن بقية الفاتحين الأوّلين،وأنتم بهذا "التّنقّل" و"التّحمّل".
وختاما، فإنّي أحبّ أن أقول لكم : أيّها الطّلبة الأعزّاء ! أنتم هنا، لستم غُرباء، وما دفعكم إلى أن تقصدوا هذه الدّيار الميمونة الّتي فيها جامع الزّيتونة، إلاّ حبّ العلم، واستطلاع المعرفة فيه، والتّزوّد من ثقافته : العربيّة / الإسلامية، ولا تَنْسَوا أيضا ما حباكم به الأستاذ القدير، صاحب المكارم والتّقدير، والفضائل العلميّة، والنّسائم الرّوحيّة : الشّيخ الجليل، ريحانة الوالدالنّبيل (رحمه الله وطيّب ثراه) : سيّدي محمد صلاح الدين بن الحبيب المستاوي : رئيس مؤسّسة الحبيب المستاوي.
فقد بذل مشكورا من جهده المادّيّ والمعنويّ، ورعايته لكم مع إخوة له : الأنسَ –بعد الوحشة- والعلم والتّربية –بعد الفراغ- والإكرام ثمّ التّكريم، الّذي تحظون به في مثل هذا اليوم، بتوزيعه عليكم "شهادة الكفاءة" في التّلقّي والتّحصيل، من خلال انخراطكم وحضوركم في هذه الدّورة العلميّة، التي لا شكّ قد (استفدتم منها استفادة مُثْلَى على أيدي أساتذة جامعيّين أبرار (بارك الله فيهم وأثابهم)، وهذا هوالعلم النافع، الّذي أشار إليه به على رسوله، فقال له : (وقل ربّ زدني علما)، فما أحوجنا نحن إلى ذلك،وها هو T يُنبّهنا كذلكمن غفلة الجهل، كَما روى الحافظ ابن عبد البرّ بالسّند المتصل إلى السيّدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال رسول الله T :"إذا أتى عليّ يوم، لا أزداد فيه علما، يُقرّبني من الله، فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم".
فجزى الله عنّا وعنكم الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي خير الجزاء، فإنّ هذا لَهُوَعين الوفاء: أثابه الله... ومتّعه بالصّحّة التّامّة، والعافية الدّائمة، إن شاء الله.
أخوكم ومحبّكم : صالح العود عفا الله عنه.