الإسلام دين يواكب الحضارة والتقدم
يخيل إلى كثير من الباحثين المتعمقين أن الإسلام دين لاهوتي وحسب يدعم الصلة بين الخالق والمخلوق ويهملها بين المخلوق والمجتمع وإنه يهيء الناس إلى معاد أفضل ويزهدهم في الدنيا ويصورها لهم كجيفة قذرة يتعوذ الأتقياء الأبرار من نتنها ويناصبها العداء ولست بحاجة كثير من الأدلة وعظيم البراهين لتفنيد هذا الزعم إذ يكفي اطلاع بسيط على حياة صاحب الدعوة الأعظم صلى الله عليه وسلم ونظرة عجلى على مأثور أقواله وأفعاله. فهلم معي لنسير جميعا بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم فنشاهد رجلا أشعث أغبر قطع صلته بمتع الحياة واعتكف بكهف مظلم وانبرى يعبد الله في خشية وذهول حتى غارت عيناه من الإغراق في العبادة فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم يلتفت إليه قائلا يا هذا (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق إن المنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا أبقى) نعم وأيم الله إنها الحقيقة تشرق من بين ثنايا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلا رهبانية في الإسلام ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فلنسدد ولنقارب ودين الله يسر وخير الأمور الوسط وصاحب هذا الدين يشهد بعمقه ومتانته وبعد غوره ويطلب من الذين استولى عليهم الذعر حتى كاد أن يقتلهم قبل الأجل المحدود يطلب منهم أن يدخلوا إلى صميم الدين بلين ورفق ونعت المشددين بالذين تخلفوا عن العير وابتعدت عنهم القافلة قافلة الضاربين في مناكب الأرض فلا ينتبهون إلا وقد بعدت بهم الشقة فماذا عسى يفيدهم العدو والخبب وتلك القافلة لم تلبث مكانها بل هي دائبة السير تحث الخطايا صوب أهدافها ما أدرك واحدا منها إلا ولاح في الأفق شبح آخر وآخر إلى ما لا نهاية. يجري المتخلفون حتى تتقطع أعناق الإبل ويعروها الدبر والهزال ليدركوا السارين والمدلجين وانى لهم الإدراك فالأرض تطوي أمامهم بقدر ما تطوي أمام من سبقهم (إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى) تصوير أجمل من الجميل وتعبير أحلى من الشهد المذاب وأعذب عند المؤمنين من الماء النمير يرشد به هذا الذي ساقه اجتهاده البريء إلى ما يشبه الانتحار ويطلب منه أن يتقي الله في نفسه وأن يأخذ من هاته وتلك ويعلمه بأن إدراك النهاية من عمل الآخرة مستحيل فلنعمل لها بدون إغراق ولا شطط وهذا أقصى ما يطلبه الله من أبناء الأرض وما عمل النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه إلا خير مرشد ودليل فمن سيكون أشد خشية منه ومن هو أعرف بالله وبحقوقه منه. ومن هو الذي أغدق الله عليه الخير أكثر منه؟ وهو يقول له (ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث) ولقد أعطاه ربه ما امل ويؤمل فهو قرير العين جذلان الفؤاد وهو رغم طاقته الخارقة وقوته الغير عادية لم يصل إلى هذا الحد من العزوف عن الدنيا بل أعطاها قيمتها ليزهد بسلوكه وبقوله في الرهبانية وليدفع أمته إلى خوض معارك الحياة بأمل وثقة فتبني وتشيد وتزرع وتغرس ليحصد الجيل الحاضر وليأتي الأحفاد من بعده يجنون ما حان قطافه ووجب جنيه ولقد طلب منا أن يسارع أحدنا إذا كانت بيده فسيلة نخل يريد غرسها والساعة قد أذنت بالقيام ان يسارع بغرسها قبل الساعة فيكون بذلك له أجر عند الله قل لي بربك أخي القارئ أي مبدأ من مبادئ الاقتصاد والتعمير هو أحرص من هذا المبدأ على التعمير والاقتصاد؟ وهل هناك من دعوة إلى حملات التشجير هي أحر من هذه الدعوة؟ وأين هم أولئك الذين يصفون الإسلام بالجمود والرجعية ألم يستمعوا لمثل هذا أم على القلوب أقفالها؟ انه الدين التقدمي بحق الذي يواكب ركب الحضارة الزاحف إلى الأمام ويحدوه ليسير شوطا فسيحا وإنما يصفه بالجمود أحد رجلين اما عدو حقود تظهر له عين سخطه جميع الكمالات معائب ومساوئ أو جهول مغرور لا تنفذ بصيرته إلى اللب فيلتهى بالقشور و الخرافات ومن جهل شيئا عاداه لو كانوا غير هذين لكفاهم قول محمد صلى الله عليه وسلم (إن المنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى) فقد صور المنقطع عن الركب المتخلف عن السير من يدور حول نفسه فيتبعها ويتعبها بحمله على ظهره فهو حضى بالصاحب والمصحوب والراكب والمركوب والحال انه وأشباهه يحسبون أنهم يحسنون صنعا إن كانت هاته رجعية فأهلا ومرحبا بالرجعية وأهلا وسهلا بها اذا كانت تعني البعد عن التفسخ الخلقي والميوعة النفسية ومحو الكرامة وموت الغيرة واغتصاب الحقوق وقطع الأرحام وذهاب الحياء وما إلى هاته الصفات التي يأباها الطبع قبل أن يأباها الشرع وتنفر منها النفوس الأبية ولو كانت لائكية واذا كانت رجعيته في غير هذا فذلك بهتان مبين هل وقف الإسلام ضد العلم وهو الذي يفرض طلبه على كل مسلم ومسلمة ويطلب منا أن نذهب إليه ولو بالصين وان نتعلمه من المهد إلى اللحد نتعلمه ولو كان سحرا أو لغة أجنبية فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم؟ هل وقف ضد اعمال الفكر وهو الذي ملئت آياته بالتحريض على اعماله، أفلا تعقلون، لقوم يفقهون، لقوم يعقلون، لقوم يعلمون، هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يخشى الله من عباده العلماء وفي قراءة عشرية يرفع اسم الجلالة ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ما مؤداه اطلبوا الرزق من خبايا الأرض؟ وماذا في بطن الأرض غير الماء والمناجم والبترول؟ ألم يقل الله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبونها وزينة ويخلق ما لا تعلمون؟ أفليس الذي لا يعلمونه اذ ذاك ما يصلح للركوب والزينة هو الطائرات والسيارات والبواخر وجميع الوسائل العصرية التي برزت الآن؟ أو منذ ثلاثة عشر قرنا نادى الإسلام بهذا فهو تقدمي رغم أنف كل معاند ولا يضره تخلف أهله اليوم وان الدين لله وهو خالد ومحفوظ ومتجدد والعلم والأيام والمخترعات تشرحه دائما ولا تأتي على النهاية