نظرات فقهية واجتهادات ورعية من الفقيه الشيخ محمد الحامد –رحمه الله المتوفى سنة 1389هـ/ 1969م
كنا قدمنا فيما مضى (بعضا) منها، وهذه تكملتها، وهي فيما يطال المجتمع، وما يقترفه بعض الموظفين في الإدارات الخصوصية أو العمومية، من اعتداء مادي أو معنوي، وسلب حقوق لا يجوز تجاوزها من هذا الطرف أو ذاك.
فمن ذلك، أن الشيخ الحامد –رحمه الله- سئل أكثر من مرة بهذا الخصوص، وهي تحديدا كما وردت إليه:
1- ما حكم الاحتيال أو السرقة من أموال الدولة؟
2- ما مدى جواز أو حرمة استعمال بعض مرافق الدولة للنفع الشخصي، مثلا: الموظف الذي يشغل الهاتف ويستعمله لقضاء شؤونه الخاصة دون مبرر؟
3- ما حل الانتفاع ببعض (المواد) النفعية التي في الشركة أو المصنع، دو استئذان من صاحب الشأن فيها، أو المعني بها؟
4- وأخيرا: ما حكم التهاون بـ (استيفاء) دوام العمل كاملا غير منقوص، من قبل موظف في إدارة، أو عامل في مصنع أو مؤسسة أو متجر، ونحوه؟
وإليك الجواب الواضح، الذي أفاض به قلم الشيخ في تلك (المسائل: الشائعة والذائعة) في مجتمع الناس اليوم، نقلا عن كتابه (ردود على أباطيل وتمحيصات لحقائق دينية / ج1 ص74)، تحت عنوان كبير، الاعتداء على مال الأمة.
قال رحمه الله وجعل الجنة مثوانا ومثواه:
1- س/ هل تجوز السرقة من مال الدولة؟
ج/ لا تجوز هذه السرقة لأن الأموال التي في خزائنها ينفق منها على المصالح العامة التي ينتفع بها المسلون وهم الكثرة الغالبة في البلاد كما ينتفع بها المواطنون الآخرون من غير المسلمين، والإسلام يأمرنا بتوفيتهم حقوقهم كاملة غير منقوصة وأن يعيشوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وخصوصياتهم.
السارق إن كان من الموظفين المكلفين برعاية هذه الأموال وحفظها كان ذنبه أكبر وإثمه أكثر وإنه لمن الخائنين، فإن حفظ الأمانة من واجبات الإسلام ولا تحل الخيانة مطلقا والحديث النبوي الشريف يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) رواه البخاري في التاريخ، وأبو داوود والترمذي والحاكم.
وإذا كان ذلك كذلك كان هذا السارق مجرما ومجترحا للسيء من العمل وعلى من علم به أن يكشف عن حاله ويرفع أمره للمراجع الإيجابية كي تكف يده الخائنة عن العمل وتلحق به من الجزاء والنكال ما يليق بإثمه وجرمه، والستر عليه يعتبر في الإسلام مشاركة له و معصية، يستحق بها الساتر العقاب كما يستحقه السارق: روى أبو داوود عن سمرة بن جندب –رضي الله عنه- قال: أما بعد، فكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (من يكتم غالا فإنه مثله)، والغلول هو السرقة من المغنم قبل قسمته، ومثله في المعنى: مال الخزينة العامة.
2- س/ هل يبرر هذه السرقة احتجاج بعض الموظفين بضآلة راتبه وأنه يريد أن يعيش كما يعيش الناس، مع العلم بأنه يكذب في قوله لأن راتبه يكفيه لو اتقى الله ولم يسرق.
ج/ هذا الاحتجاج مردود عليه من حيث أن الرواتب فيها كفاية لأربابها في غالب الأحوال، وبفرض أن بعض الموظفين لا تكفيهم رواتبهم ففي إمكانهم استرحام الدولة لمنحهم زيادة تناسبهم ليرتفقوا بها وأن الموظف له كفايته في بيت المال. وإن لم تجبهم فيسلكوا سبيل العمل الحر الذي يكون المرء به أمير نفسه (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين). ومهما نظر المرء إلى من هو دونه في الرزق والعيش، كان جديرا بألا يزدري نعمة الله عليه.
3- س/ هل يجوز في الشرع استعمال الموظف الخطوط الهاتفية الداخلية أو الخارجية في مكالمات خاصة دون دفع الأجرة المقدرة لهذه الكلمات؟
ج/ لا يجوز هذا فإنه أكل لمال مصلحة الهاتف بالباطل وعلى الموظفين فيها حراسة هذه الخطوط من هذا الاستراق وهذا العبث. وعلى كل موظف أن يعلم أنه مؤتمن على ما في يده من آلات وأمتعة وليس يسوغ له استخدامها في أموره الخاصة كاستعمال السيارات المرصدة لمصالح الدوائر الرسمية في شأنه الخاص وكتكليف اذن الدائرة بخدمة بيته وأولاده، من فعل ذلك فقد اعتدى حدوده وبغى وطغى.
4- س/ هل يحل أخذ أسلاك وأخشاب ونحوهما من أدوات بعض المؤسسات؟
ج/ لا يجوز مطلقا وهو داخل في عموم ما ذكرنا من التحريم.
س/ هل تجوز السرقة من الدوام الرسمي فقد تصل سرقة بعض الموظفين إلى ثلث الدوام أو أكثر، وقد لا يحضر مطلقا ثم يسجل حضوره في سجل الدوام.
ج/ وهذا حرام فإن الراتب الذي يتقاضاه مقابل العمل الذي يعمله ومهما أخل بعمله كان آخذا للمال بغير مقابل فالنسبتان متقابلتان تمام التقابل. اهـ.
ذلك ما أفاض به الشيخ الحامد –رحمه الله- من وفاض علمه، وهو بلا شك حكم الشرع الحنيف في تلك القضايا الاجتماعية التي يخوض فيها الناس، ويرتعون دون معرفة، وبلا فقه ولا ورع.
والله ولي التوفيق، ومنه الوصول إلى التحقيق.