خطبة جمعية عن الهجرة النبوية ألقيت بجامع مقرين العليا
الحمد لله اللطيف الخبير مجيب دعوة المضطرين وراحم الضعفاء والمساكين سبحانه وتعالى الحكيم القدير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا نظير وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله البشير النذير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته ما دام فريق في الجنة وفريق في السعير أما بعد أيها المسلمون: ففي مثل هذا اليوم المبارك منذ (ألف وثلاثمائة وخمس وتسعين سنة) انطلق الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من أحبّ البلاد إليه مكة المكرمة إلى أحبّ البلاد إلى الله المدينة المنورة معززا ومؤزرا مؤيدا ومظفرا، مهاجرا في سبيل الله تاركا الأهل والآل بعد أن قضى سنوات طوال يدعو قومه إلى سبيل الرشاد متحملا في سبيل ذلك المشاق والأتعاب مكابدا الأهوال والصعاب مستهينا بالعقبات التي وضعها أعداء الله من المشركين والكافرين في وجهه ووجه أصحابه الكرام رضوان الله عليهم وظل صلى الله عليه وسلم متحملا لذلك صابرا ومصابرا ملقنا لأصحابه وأمته من بعدهم دروسا في التضحية والصبر ظل صلى الله عليه وسلم طيلة ثلاثة عشر سنة يدعو قومه وكل من يتصل به من القبائل والأقوام إلى توحيد الله ونصرة دينه ونبذ الأوثان والآلهة فما آمن إلا قليل، ولكنهم آمنوا به بحق وتحملوا في سبيل ايمانهم وعقيدتهم الأذى فما وهنوا وما استكانوا بل زادتهم ضربات السياط ايمانا على ايمان وضربوا أروع الأمثلة في الإيمان والصدق والشجاعة ورسموا أجمل اللوحات بلال وصهيب وعمار وغير هؤلاء ممن ملأ الإيمان قلوبهم وسما الاسلام بأنفسهم فكان بلال رضي الله عنه يرد على ضربات أعدائه بترديد كلمة أحد أحد ويمر الرسول صلى الله عليه وسلم بآل ياسر وهم يعذبون قائلا: صبرا آل ياسر موعدكم الجنة ويقول مسلم آخر وهو يقدم للصلب ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي كانوا قلة ولكنهم كانوا مؤمنين ايمانا صادقا، وليس من العيب أن يكونوا قلة وصدق الشاعر حين قال: تعيرنا أنّا قليل عددنا فقلت لهم إن الكرام قليل ظل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام يكابدون المشاق والأتعاب ويتحملون الأذى والعذاب في سبيل عقيدتهم. فبعد أن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة على القبائل والأقوام وكانوا في كل مرة يقابلون مبادراته بالإعراض والرفض. و حفظ لنا التاريخ أروع الأمثلة وأجملها ألم يسجل للرسول صلى الله عليه وسلم بمداد من الفخر ضراعته البليغة ومناجاة الصادقة التي توجه بها صلى الله عليه وسلم إلى مولاه بعد أن عرض الدعوة على أهل الطائف فقابلوه بالأذى والسخرية قال صلى الله عليه وسلم: اللهم لك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم قريب ملكته أمرتني إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي. لذلك وعندما بلغ اضطهاد الكفار للمؤمنين حده الأقصى أذن ربنا سبحانه وتعالى لرسوله الكريم وللمؤمنين معه بالهجرة عن الدار التي أذلوا فيها وقهروا وأسكتت فيها أصواتهم إلى أرض أخرى تعلو فيها نداءات الله أكبر بكل حرية أذن الله بالفتح والنصر فهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ليبني هناك مجتمع الاسلام الأول، مجتمع الإيمان والطهر، مجتمعا تعلوه رايات التوحيد وقد هيأ النبي صلى الله عليه وسلم كل الظروف وأعدّ العدّة وانتظر الإذن الإلهي بالهجرة، هجرة تباركها السماء وترعاها فلا يخاف العازم عليها من أي عدو، فكيف يخاف المؤمن المتوكل وصدق ربنا حين قال (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وان جندنا لهم غالبون) وكيف لا ينصرون وقد عذبوا وزلزلوا وكادوا ان يستيأسوا وعند ذلك جاء نصر الله، (حتى اذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) رافقه صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة التاريخية المظفرة الصدّيق رضي الله عنه، رافقه ثاني اثنين إذ هما في الغار، الصديق العظيم الذي وهب للاسلام ولرسول الاسلام حياته وماله وأهله فرجح ايمانه بايمان الأمة فكان حبيب الرسول وحبيب الله، بقي على العهد في حياة الرسول وبعد وفاته. لقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الرفقة فأذن له واختاره وكان رضي الله عنه تارة يمشي بجانب الرسول تارة عن يمينه وتارة عن شماله وطورا أمامه وطورا خلفه فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إني أخشى عليك الخطر ثم لما بلغ الركب الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرأ لك الغار. صديقية رائعة وايثار وفدائية منقطعة النظير وواصل الركب المبارك محفوفا برعاية الله وحفظه إلى المدينة حيث ينتظره أهل المدينة على أحرّ من الجمر، لقد سمعوا بخبر خروج الرسول صلى الله عليه وسلم فهم ينتظرونه، ولما أطل ركبه استقبلوه صغارا ونساء ورجالا مرددين: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع وهناك في المدينة أرست قافلة الاسلام وتركزت دعائمه وانطلقت جحافل الإيمان تخرج الناس من الظلمات إلى النور، من جور الأديان إلى عدل الاسلام. وفي المدينة آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وأخمد نيران الفتنة والنار المشتعلة بين قبيلتي الأوس والخزرج، هناك في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم نشأ مجتمع متآخ متناصر متماسك كالجسد الواحد تقاسموا القليل والكثير نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وأيدوه وانطلقوا يحملون رسالة الاسلام وقال على لسان الأنصار المقداد بن عمرو: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.. هذه عباد الله المسلمين أحداث الهجرة أوردناها باقتضاب وفيها من الدروس والعبر ما يضيق به المقام فمن الهجرة علينا أن نتعلم التضحية والفداء ونتعلم التغلب على الأهواء والصبر ونتعلم من هذه الذكرى العزيزة علينا هجرة المعاصي والموبقات ونقتدي برسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في جهاده من أجل إعلاء كلمة الله. فإلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والى روحه الطاهرة الزكية نتوجه بالتحية والإكبار في هذا اليوم فالسلام عليك أيها الرسول الكريم يوم ولدت ويوم انتقلت إلى الرفيق الأعلى ويوم تبعث حيا بلغت الرسالة وأديت الأمانة وجاهدت في الله حق جهاده رسول كريم ونبي عظيم لولاه لم تخرج الدنيا من العدم أترضى يا رسول الله أن تستباح حرمات أمتك وتنتهك مقدسات دينك ويهزم جندك وتستضعف أمتك؟ إننا يا رسول الله نعاهدك على الاستمرار في هذا النهج القويم والصراط المستقيم وهذا الدين الحنيف نهتدي يهدي القرآن ونقتدي بسنتك الطاهرة لقد كنت يا رسول الله وستظل للأمة نبراسا مضيئا ونورا مشعا نهتدي به في الظلمات إلى روحك الزكية الطاهرة تتوجه قلوب المسلمين في هذا اليوم المبارك ضارعة متوسلة بمقامك عند ربك أن يعزّ الله الإسلام والمسلمين وان يطهر قدس الأقداس من براثن الصهيونيين وإننا لندعو في هذا اليوم يوم هجرتك المباركة أن ييسر هجرتنا للمناكر والمعاصي والفسوق والفساد ففي هجرتك دروس وعبر وفي حياتك مواعظ وآيات لكل من يريد أن يعتبر سلام عليك يا رسول الله في عيد هجرتك السعيد وسلام على أصحابك الكرام الذين جاهدوا في الله حق جهاده فرضي عنهم ورضوا عنه هذا وخير ما يختم به الكلام كلام مولانا العزيز العلام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)الأنفال الآية30