تفسير سورة الفاتحة للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله
قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( الحمد لله رب العالمين الرحمان الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا صراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من شر المغضوب عليهم ولا الضالين )
صدق الله العظيم .
تعرضنا أخي القارئ في العدد الماضي و الذي قبله إلى شيء من أسرار و معاني سورة الفاتحة و نوالي في هذا العدد معك بقية الحديث : لقد انتهى حديثنا الماضي عند حد قوله تعالى ( الرحمان الرحيم ) فيكون حديثنا اليوم بداية من قوله تعالى ( ملك يوم الدين ) و الملك والمليك كلها ألفاظ مشتركة في المدلول الذي هو الحكم و التصرف و قد قرئت الآية بقراءتين تثبت كل واحدة منهما عن النبي صلى الله عليه و سلم و عن الشيخين أبي يكر و عمر رضي الله عنهما القراءة الأولى ( ملك ) بدون زيادة ألف و لها مرجعيتها الكثيرة التي منها أن مدلولها أعم و أبلغ في معنى الملكية لان كل ملك لابد أن يكون مالكا لعموم ما له ملك عليه وليس كل مالك ملكا لأن مالك الدكان و الضيعة و الدابة لا يقال فيه أنه ملك و لان أمر الملك نافذ على كل ما يملكه المالكون أما القراءة الثانية في ( مالك يوم الدين ) بالألف ومن مرجعياتها الكثيرة أيضا أن المالك يكون مالكا للناس و غيرهم فتصرفه أبلغ و أعظم لأنه يبني ويهدم و لا يوصف في فعله هذا بأنه ظالم ومستبد بخلاف الملك فانه يحكم العباد فقط و كل تصرف منه يخضع لقوانين العدل و الظلم فالأنسب بمقام الرب تعالى الذي يستحيل عليه الظلم أن يكون مالكا لا ملكا :
و اختار القاضي أبو بكر ابن العربي ما ذهب إليه أبو حاتم من تفصيل لطيف و جميل فقد قال ان ( مالكا ) أبلغ في مدح الخالق من ( ملك و ملك ) أبلغ في مدح المخلوقين من ( مالك ) لان المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك .. أما الخالق تعالى فانه إذا وصف بالمالك تحقق فيه الوصفان معا فهو ملك لكل ما و من كان مالكا له من أكوانه و مخلوقاته و مما تتعين إضافته هنا ما رواه أصحاب الصحاح من أحاديث ثابتة تؤكد كلها النهي القوي و التهديد الصارم عن كل تسمية بما انفرد به الله من النعوت و الأسماء مثل ( مالك الملك أو ملك الملوك أو ملك يوم الدين ) أما ملك أو مالك مجردين مما يضاف إليهما فهو جائز و قد ذكره الله في كتابه العزيز و سمي به بعض خلقه ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا )
و قال صلى الله عليه و سلم ( ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون سبج هذا البحر ( أي وسطه و قلبه ) ملوكا على الأسرة ) فالنهي والتهديد متوجهان إذا إلى ما يضاف إلى مالك و مالك من النعوت لا يستحقها غير الله فقد روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عن جميعهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( يقبض الله الأرض يوم القيامة و يطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ) وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال ( إن خنع اسم عند الله ( أي أذل و أحقر ) رجل يسمى ملك ألا مالك إلا الله ) و قال صلى الله عليه وسلم : ( أغيظ رجل على الله و أخبثه : رجل كان يسمى ملك الأملاك .. لا ملك إلا الله سبحانه .
واصل اليوم أن يطلق على الوقت الذي يمتد من طلوع الفجر الى غروب الشمس فأستعير هنا الى ذالك الوقت الذي يبتدىء بالقيامة وينتهى بأستقرار اهال النار فى النار و اهل الجنة فى الجنة وقد يطلق اليوم على اللحظة والساعة مثل قوله جل من قائل ( اليوم اكملت لكم دينكم) اما الدين فى قوله (ملك يوم الدين) فهو الجزاء والحساب يدل قوله تعالى فى آ ية اخرى ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق )أي جزاءهم العادل ووصف يوم القيامة بيوم الجزاء كثير في التنزيل فلا حاجة الى استقصائه وتتبعه .