تعقيب على شهادة أمام هيئة الحقيقة و الكرامة: حول دور الشيخ الحبيب المستاوي في الخلاف اليوسفي البورقيبي
في إحدى الشهادات التي وقع الإدلاء بها أخيرا أمام هيئة الحقيقة و الكرامة فيما يتعلق بما عاشته البلاد التونيسية قبل حصولها على الاستقلال وعلى إثره من تداعيات كان أبرزها الخلاف بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وما انعكس عن ذلك من صراعات وانقسامات وصلت إلى صدامات دموية ذهب ضحيتها العديد من التونسيين وكان الجنوب الشرقي بالخصوص مسرحا لهذا الانقسام ولاسباب عديدة انحاز أبناء الجنوب في غالبيتهم إلى صف الزعيم صالح بن يوسف و أبى العديد منهم أن يتقبلوا ما انتهت إليه المفاوضات من إعطاء تونس استقلالا داخليا وتمسكوا بمواصلة الكفاح إلى أن يتحقق لتونس الاستقلال التام و الذي لم يلبث أن حصل بعد ذلك على يدي الزعيم الحبيب بورقيبة مرجحا بذلك الكفة لفائدته على حساب الزعيم صالح بن يوسف.
وفي الشهادة السالفة الذكر قال صاحبها إنه جيء للمقاومين بالشيخ الحبيب المستاوي والشيخ الحبيب النفطي لإقناعهم بمشروعية تمسكهم بمواصلة الكفاح.
والواقع أن الإقناع أو الاقتناع بمشروعية مواصلة المقاومة وعدم تسليم الأسلحة ما كان يحتاج للبحث له عن مشروعية دينية إذ هو موقف ذاتي لمن اختاروه و الشهادة التي وقع الإدلاء بها أمام هيئة الحقيقة والكرامة تحتاج إلى إكمال وذلك بالتذكير بالدور البارز الذي قام به الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله والذي يحفظه له أبناء الجنوب الشرقي من الأجيال التي عاشت تلك المحنة القاسية التي كادت أن تعصف بالبلاد لولا ألطاف الله وحنكة الزعيم الحبيب بورقيبة الذي استتب له الأمر فقد شد الرحال إلى الجنوب الشرقي و كان مصحوبا بكبار أغضاده في الدولة والحزب الذين كان في حسبانهم أن الزعيم الحبيب بورقيبة سينتقم من خصومه ولربما سيقع تنفيذ أحكام الإعدام في أولئك الموقوفين اليوسفيين وهم بالعشرات وهناك وفي لحظة تاريخية فارقة اندفع الشيخ الحبيب المستاوي -رحمه الله- وهو الذي انتمى إلى جناح الزعيم صالح بن يوسف والقى بين يدي الزعيم الحبيب بورقيبة قصيدا دعاه فيها إلى الصفح والعفو بدل الانتقام و العقاب.
قال الشيخ الحبيب المستاوي مخاطبا الزعيم الحبيب بورقيبة :
ألا فارحم بنيك و إن أساؤوا
يضاعف في المعاد لك الجزاء
وذا عمل تباركه السماء
فأنت اليوم تفعل ما تشاء
و حكمك نافذ من غير قيد
و يمضي الشيخ الحبيب مدافعا عن قومه وعشيرته
ضمائرهم من الطهر استمدت
عزائمهم من الأحجار قدت
وهاهم يعلنون عن المتاب
وقد رجعوا جميعا للصواب
بصدق لا بخوف من عقاب
فكن سمحا باجزال الثواب
لمن مدوا اكفا للعهود
ودين الله يأمر بالسماح
ونسيان السخائم والجراح
وأن سبيله درب النجاح
فقل إن شئت حي على الفلاح
ووجهنا إلى العمل المفيد
وكان تفاعل الزعيم الحبيب بورقيبة كبيرا حيث لم يلبث أن جاء جوابه وعلى الفور بقوله: حي على الفلاح و قال مجيبا من كان حوله ممن لم يكونوا يودون الصفح و العفو قال: لقد عفونا من أجل الشيخ.
وهكذا دخل بورقيبة الجنوب الشرقي دخول الفاتح المرحب به من طرف أولئك الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الإعدام وذووهم و نزلت هذه المبادرة الشجاعة و الحكيمة من الزعيم الحبيب بورقيبة بردا وسلاما على كل أبناء الجنوب الشرقي وهي منة ظلوا يحفظونها لابن الجهة الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله وأجزل مثوبته.