خطبة عيد الإضحى ألقاها بجامع مقرين العليا فضيلة الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ما تزاحم المتزاحمون لرمي الجمرات وتباشروا بما تحقق لهم من نيل الأوطار وحط الأوزار، الله أكبر ما تردد في ذلك الوادي اسم الملك الديان وما قال قائل الله أكبر رجما للشيطان وإرضاء للرحمان، الله أكبر ما ذبحت الذبائح بمنى وما اهتز مشتاق لإدراك الغاية وتحقيق المنى، الله أكبر ما حلقت الشعور ايذانا بالتحلل بعد الاحرام وما طاف الطائفون حول بيت الله الحرام، الله أكبر من كل كبير وعظيم سبحانه وتعالى (إنه هو البر الرحيم) له الحمد في الأولى والآخرة وله الشكر على نعمه الخفية والظاهرة أحمده سبحانه وتعالى حمد من لا يشك ولا يرتاب وباسمه العظيم أفتتح كل خطاب وأشهد أنه الرب الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد وأشهد أن سيدنا محمدا رسوله و عبده بعثه للعالمين كافة لتنفذ كلمته ويتحقق وعده صلاة الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته ومن كان على دربهم من السائرين. أما بعد أيها المسلمون، فلقد اعتدنا ان نحتفل بهذا اليوم منذ فجر الاسلام لأنه يوم الفداء والإكمال والإتمام فيه أرسيت أصول الدين على قواعدها المتينة وقضي على الوثنية في جميع مظاهرها المشينة وطهرت القلوب من أدران الجاهلية وأحقادها الدفينة وأصبح المسلمون بنعمة ربهم إخوانا ومن مسه الشر منهم يكونون له أنصارا وأعوانا فالمسلمون كما قال محمد صلى الله عليه وسلم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم فلا غرو اذا ان يحاربوا من حاربهم وان يوالوا من والاهم ولقد ارتفع كعب المسلمين أيها الأخوة يوم ان فهموا من دينهم هذه المعاني الدقيقة والتزموا في عباداتهم ومعاملاتهم بتوخي الحقيقة وجعلوا كتاب الله وسنة رسوله رائدهم في جميع المهام فتعلموا كل علم واستعملوا مواهبهم وابتعدوا عن الأوهام وبذلك فقط تحقق لهم ما يطمحون إليه من بعيد المرام. ثم لم يلبثوا أن تفرقوا واستبدلت كل فئة منهم بالاسلام نسبا ولقد صدق عليهم قول من قال وهي والأحداث تشتد بها تعشق اللهو وتهوى الطربا لا تبالي لعب القوم بها أم بها طرف الليالي لعبا هكذا كنا وهكذا أصبحنا فهل إلى مرد من سبيل أم أدلهم الخطب واستفحل الداء ونام عن القافلة الدليل إن المؤمن بالاسلام لا يمكن ان يكون من القانطين (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) وانه (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) ولكن إلى متى إلى متى يدوم الهجوع وقلوب المخلصين توشك ان تضيق عنها الضلوع وقد أضناهم الحزن وقرحت جفونهم الدموع. لقد اغتصبت من أرض الاسلام أولى القبلتين ولا يرجعها وايم الله البكاء ولا التوجع ولا الأنين لن يرجعها التهديد والوعيد ولن يطهرها البارود ولا الحديد اذ السلاح في يد الجبان البليد بليد. إنما الإيمان ووحدة الصف هما سبيل الانتصار بدونهما والله لن نزيل عن جباهنا وصمة العار وسنبقى على الدوام من اندحار إلى اندحار ومن انكسار إلى انكسار فهلا رجعنا إلى الحق وهو أحق أن يتبع ولا يفلح من زاغ عنه وبدل وابتدع. أيها الأخوة المسلمون إن كل شيء في ديننا يدعو إلى الوحدة والتكاتف وكم هي الشواهد التي تحرض على المحبة والتراحم والتعاطف ولكن أنى تظفر بالوحدة ما دامت الأخوة الإسلامية أو العربية مجرد شعارات وأكذوبة واغلب المسلمين بين يدي مطامعهم وأهوائهم ألعوبة إن الوحدة لم تتحقق بالأمس إلا بعد الارتباط بالدين وبعد التمسك بحبله المتين ولا بد أن يكون ذلك سرا وإعلانا (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) هذه أيها المسلمون قوتنا وتلك هي وسائل عزتنا وما هذا العيد وغيره من الأعياد إلا فرص للاتعاض والتدبر ومناسبات للتعمق والتفكر فان نحن أخذنا العبرة من الماضي والحاضر وجنبنا أنفسنا وأمتنا المزالق والمخاطر فلسوف نفتك من الحياة ما انتزعته من مفاخر ونعيد لأمتنا وللانسانية أمسنا الزاهر وان نحن بقينا على ما بيننا وبين ديننا من ابتعاد فسلام على القوة وسلام على الاتحاد. فتنبهوا عباد الله إلى منافعكم وأعزوا إسلامكم وقد قال سبحانه وتعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم
