الزوايا في الجزائر و دورها في ترسيخ إسلام الوسطية و الاعتدال و التسامح
درجت إدارة الشؤون الدينية في ولاية غليزان بالغرب الجزائري على أن تدعو إلى ندوة علمية دولية تعقد سنويا، يتولى افتتاحها الدكتور محمد عيسى وزير الأوقاف والشؤون الدينية بعرض علمي ضاف أمام الحضور الكبير المتمثل في إطارات الشؤون الدينية في ولاية غليزان وما جاورها وضيوف الندوة القادمين من البلدان المغاربية والعربية والإسلامية والمشرفين على تأطير الجالية المسلمة بأروبا (فرنسا بالخصوص) كانت كلمة الدكتور محمد عيسى خريطة طريق للعمل الديني الذي يؤطره أساتذة جامعيون من كل جامعات الجزائر وأئمة خطباء أكفاء وشيوخ زوايا وطرق صوفية من ذوي الحضور الفعلى والمكثف في المجال الديني إذ الجزائر تتوفر على مئات الزوايا العريقة في حفاظها على مقومات الهوية الوطنية الجزائرية التي قوامها: الإسلام والعربية والأمازيغية. وقد كانت هذه الزوايا ملاذ الشعب الجزائري أيام الاستعمار الفرنسي الذي امتد لمائة وثلاثين سنة و وضع مخطط اعتمد التفقير والتجهيل ثم التنصير وظن إبان احتفاله بمأوية احتلال الجزائر سنة 1930 أنه سيبلغ هدفه وغايته ولكن هيهات حارب المساجد ومنع باءها وحول يعضها إلى كنائس (على غرار كنيسة كتشاوة في الجزائر العاصمة والتي عادت لكي تكون مسجدا بعد استقلال الجزائر) وحارب التعليم العربي لكن أصالة الشعب الجزائري وعراقته وتجذره في هويته جعلته يصمد و يلوذ بالزوايا التي احتضنت كل فئاته فإذا بها تصبح قلاعا لترسيخ العقيدة السليمة القويمة والفقه الإسلامي المالكي من خلال أمهات كتبه ومدوناته (الموطأ – المدونة – الرسالة- متن ابن عاشر) واللغة العربية من خلال الألفية فضلا على القرآن الكريم يحفظ عن ظهر قلب من طرف مئات بل آلاف من طلاب الزوايا مثلما تحفظ تلك الأمهات الآنفة الذكر كان ذلك الدور العلمي للزوايا الجزائرية قامت به أحسن قيام في ظروف صعبة ولم تكتف بذلك بل أضافت إليه أدوار اجتماعية واقتصادية فكانت ملاذا ومقصدا لفئات كبيرة من أبناء الشعب الجزائري يجدون فيها ولديها الرعاية الشاملة في أجواء من التزكية القلبية الروحية تدفع بمتلقيها إلى الاجتهاد في التقرب إلى الله بكل ما يرضيه من القول والفعل كل ذلك يضاف إليه ما قامت به الزوايا في غالبيتها العظمى من دور في مساندة ودعم حركة التحرير الوطني إذ التحق أبناء وتلاميذ الزوايا بإخوانهم المجاهدين لتحرير الجزائر (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
وبعد الاستقلال وفي فترة العشرية والسوداء التي عاشتها الجزائر قامت الزوايا بما يملي عليها الواجب الديني والوطني بتفان وإخلاص للوطن والدين ويشهد للزوايا وللمناطق التي تؤويها أنها لم يخرج منها إرهابي واحد ممن سفكوا الدماء وازهقوا أرواح آلاف الجزائريين في فتنة عمياء وقفت فيها الجزائر وشعبها وقفة بطولية وكان نتيجتها الوئام والسلم الوطني و الاجتماعي والحمد لله على ذلك.
هذه المعاني حول دور الزوايا وإطارات المساجد والجوامع المنضووين تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وأساتذة مختلف الجامعات والكليات والمعاهد العليا الدينية هي التي بلورها وتطارح القول فيها تلك الصفوة المباركة من النخبة الجزائرية المعاصرة والموصولة بسندها العلمي والروحي.
كانت موضوع ندوة غليزان ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والسماحة و التعايش والسلام التي تدعو إليها أصول الإسلام في الكتاب العزيز والسنة النبوية و السيرة المحمدية العطرة وما دونه علماء الإسلام الأعلام لا سيما أبناء منطقة الغرب الإسلامي الذين تخرجوا من تلك القلاع الشامخة: الزيتونة بفروعها في تونس وفي الجزائر وجمعية العلماء وجامع القرويين وزوايا القرآن والتزكية الروحية التي لا يزال البعض منها يقوم بهذا الدور أفضل قيام (مثل زاوية الشيخ بالكبير في أدرار بالجنوب الغربي الجزائري).
و لقد تشرفت للمرة الثانية بأن أكون ضيفا على وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وولاية غليزان و حملت شرف إلقاء كلمة الضيوف في السنة الماضية وهذه السنة فكانت تحية مني من صميم القلب للمشاركين ومن وارئهم كل الشعب الجزائري الذي شترك معه في كل شيء املين لربوع الشمال إفريقية الممتدة من ليبيا مرورا بتونس والجزائر والمغرب وصولا إلى بلدان غربي إفريقيا وجنوب الصحراء أن يظل يجمعها عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك وما ذلك على الله بعزيز.
وكانت لي على هامش هذا الملتقى في مساجد غليزان والبليدة لقاءات عليمة برواد مساجد هذين الولايتين حيث أفدت بما وفقني الله إليه ولاقى والحمد لله قبولا وترحيبا.