ندوة تطور العلوم الفقهية بمسقط:مجمع فقهي عماني يعمل بهدوء وجدية
شرفني سماحة الشيخ احمد حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان فدعاني لحضور فعاليات ندوة تطور العلوم الفقهية الحادية عشرة التي انعقدت في الفترة من الخامس عشر إلى الثامن عشر من شهر جمادى الأولى 1433 الموافق للسابع إلى العاشر من شهر أفريل 2012 وهي الدورة الأولى التي احضرها واتابع أشغالها والتي اتسمت بإحكام التنظيم بحيث اتصلت محاورها وتكاملت فيما بينها لتكون ثمرتها ونتيجتها سفرا كبيرا لا غنى للباحثين والدارسين عنه لاسيما في موضوع هو موضوع النظرية الفقهية والنظام الفقهي ولاشك أن الموضوع من الدقة والاختصاص ما يدعو إلى اجتماع عدد محترم من الباحثين والمختصين من مختلف المذاهب الفقهية: والتي منها المذهب الاباضي وهو المذهب السائد والمنتشر في البلد المحتضن للندوة وهو منتشر أيضا في عدة مناطق من العالم الإسلامي في زنجبار في شرق إفريقيا وفي جنوب الجزائر وفي جنوب تونس (جربة) وفي منطقة الجبل الغربي بليبيا وهذا المذهب الفقهي لا يكاد يختلف عن المذاهب الفقهية: المالكية والاحناف والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية والامامية وهي جميعها في إبداعات علمائها تمثل ثروة علمية ثرية جدا جديرة بالاستفادة منها في تقنين التشريعات في مختلف مناحي الحياة مثلما فعل “بونابرت” حيث أمر بترجمة كتب الفقه المالكي (مختصر خليل) في مجال المعاملان ليقتبس منه المشرع الفرنسي: السنا الأولى بهذا التفتح على هذه الثروة الفقهية الهائلة؟!. حسنا فعلت وزارة الاووقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان عمدما دعت ومنذ سنوات (والندوة الفقهية في سنتها الحادية عشرة) ثلة من علماء الأمة من مختلف المذاهب ليقدموا زبدة ما انتهوا إليه في أبحاثهم ودراساتهم واطروحاتهم ليضعوها على ذمة الأمة على امتدادها، فهذه الدورة ولاشك أن سابقاتها كذلك كشفت عن عبقرية وريادية علماء الفقه والأصول بحيث نجد لدى الكثير منهم إضافات يمكن أن تكون مرتكزات ومنطلقات من شانها أن تدفع إلى المضي قدما وبجسارة وجدية في مجال الاجتهاد، اجتهاد أهل الذكر الذين لا ينبغي لهم أن يظلوا يكرسون التقليد الذي لا يزيد الأمة إلا حرجا وضيقا: أفرادا ومجتمعات، والحال أن الله يقول في كتابه العزيز (ما جعل عليكم في الدين من حرج) فالضرر يزال ولا تكون رسالة الإسلام رحمة إلا إذا كانت داعية لتحقيق المصلحة حيثما وجدت. إن ندوة تطور العلوم الفقهية التي حضرت وتابعت كل أشغالها لبنة في صرح العمل العلمي الجاد والهادف وهي عمل هادئ خالص وليس من العيب أن تكون فيه الخصوصية المذهبية المركزة على عطاء علماء المذهب الاباضي تماما مثلما انه ليس من العيب أن تبرز مساهمات مذاهب أخرى إنها جميعها عيون عذبة تصب في ماء نهر كبير. لقد تعرفنا في هذه الندوة على أعمال ومؤلفات علماء أعلام من مختلف المذاهب وهذه الندوة التي توالى نسق انعقادها وتنظيمها بحضور علمي واعلامي ورسمي من جلسة الافتتاح إلى جلسة الاختتام لا تختلف في شيء عن دورات مجمع الفقه الدولي بجدة التي اتسمت بالجدية إلى درجة الصرامة والتي اثمرت هذه المعلمة المتمثلة في دورات المجمع وهي عشرات المجلدات المتضمنة للابحاث والقرارات والاجابة على الأسئلة الواردة من الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الخارج لاشك أن وراء هذا المجهود رجالات نسق بينهم وتابع أعمالهم فضيلة الشيخ محمد الخبيب ابن الخوجة الأمين العام السابق للمجمع رحمه الله وأجزل مثوبته والذي غادرنا قبل فترة إلى دار البقاء وكم كنا نود لو تمت المبادرة إلى إقامة ذكرى له تنشر بين الناس وبالخصوص أهل الذكر من طلبة العلم بعضا من عطائه ليتخذوا من عمله أسوة. لئن لم تتخذ ندوة تطور العلوم الفقهية اسم مجمع فقهي فهي في الحقيقة مجمع فقهي متواضع تواضع أهل عمان وعلماء عمان وهي مساهمة من عمان في خدمة هذا الجانب الهام والثري من جوانب الثقافة العربية الإسلامية وهو جانب يتسم بالواقعية والملازمة اللصيقة لحياة المسلمين أفرادا وجماعات حتى وان قال بعضهم في سياق آخر إن الحضارة الإسلامية هي حضارة فقه! ولئن الحضور والمتابعة لاشغال الندوة من أولها إلى آخرها لم يتح لي التعرف على مظاهر أخرى من النهضة العمانية فان ما تيسر الإطلاع عليه من إصدارات بالخصوص بضعة إعداد (أربعة) من مجلة التفاهم التي كانت تصدر تحت عنوان “التسامح” والزيارة لمركز السلطان قابوس للثقتفة الإسلامية (جامع السلطان قابوس الكبير) فان ذلك يعطي فكرة جيدة عن هذا البلد الشقيق وشعبه العريق.
