من وحي ذكرى المولد النبوي: سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منقذ البشرية
نلتقي في كل سنة بيوم من أيام ربيع الأول وعلى وجه التحديد باليوم الثاني عشر منه. ذلك اليوم الذي انبلج صبحه الضحوك عن مولود لا كالمواليد. واقتحم عتبة الحياة فيه رجل أعطى للإنسانية صبغتها الحق ومكنها من إبراز مميزاتها الأصلية الكامنة فيها والمحجبة بأنواع المغلفات وألوان الطفيليات فلا عجب إذن من أن يحرك هذا الحدث العظيم ما في الكون ومن في الكون وان تغمر المسرة وحش الفلاة، وطيور الجو، وأجناد الملائكة، ولا يبقى في غفلته إلا الإنسان المحتاج دائما إلى الصقل والتطهير، والذي يحجبه ضلاله عن كماله، وحاضره عن مآله. وإذا احتفلت الأمم بميلاد أبطالها ورجالها الذين حبسوا حياتهم عليها. وحققوا لها ما تطمح إليه من عز وسؤدد. فان الأمة الإسلامية تحتفل بميلاد محمد عليه الصلاة والسلام لا معنى انه بطل أو محرر أو زعيم لان هذه المعاني الأرضية تتضاءل أمام جلال الرسالة وجمال الوراثة وكمال الخلافة. لم يكن الرسول العربي ابن بئته ولا نتاج أمته، ولا حكر فترته، بل كان ابن الإنسانية وأباها، الذي جلى الغمم عنها وأجلاها، ومن هنا يصبح ميلاده صلى الله عليه وسلم ميلاد القرآن، وميلاد الأخوة البشرية والانصهار الإنساني. انه مولد العدالة والمساواة، مولد التكافل الصحيح والتكافؤ الصريح. ذلك التكافل الذي يجعل الفقير صاحب حق في أموال أخيه الغني ببذل عفوي وتشريك تلقائي يهمس به القرآن في آذان الموسرين همسا لطيفا فيقول (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). وذلك التكافؤ يجعل السيد العظيم لا يستنكف من إمرة العبد الأسود إذا رفعته مواهبه إلى مستوى القيادة والرئاسة (عليكم بالسمع والطاعة ولو تأمر عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة) (كلكم من آدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لابيض على اسود ولا اسود على ابيض إلا بالتقوى-إن أكرمكم عند الله اتقاكم). وإذا بقيت الإنسانية ترسف في قيود شقاوتها وتقاسي ما جلبته إليها أيديها الملوثة بدم الفضيلة والعدالة فما ذلك إلا لأنها لم تجب داعي الله ولم تلتفت إلى الهدي السماوي وتعالج به أدواءها. وتحل به مشكلاتها ولن تظفر بالدواء أو الحل في غيره. إن مولد محمد صلى الله عليه وسلم هو مولد هذه المعاني كلها فهو للإنسانية ومنها. وهو الجديد المتجدد، لأنه الحياة والسر والروح، فإذا استلهم منه الخطباء والشعراء، والمصلحون والحكماء، فهو الملهم بكل خير، وهو الممد بكل رشاد وسداد، وشتان بين الشامل والضيق، وبين المعنى والحس، وبين الروح الخالد، والجسم الفاني، وشتان بين الدستور الناسخ، والدساتير المعرضة للتحوير والتبديل. وأخيرا فكل ما في محمد وعن محمد عليه السلام هو الهي سماوي وهو جدير بالدرس والتعمق والاعتبار. فسلام على محمد يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذي آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) صدق الله العظيم.