من عبر غزو بدر الكبرى ودروسها
لا شك ان ذكرى غزوة بدر الكبرى تستحق العناية و الاهتمام الذي يليق بمكانتها في تاريخ الاسلام والمسلمين ولا بد في هذا المقام من التسليم ببديهية من البديهيات والتذكير بها ألا وهي طبيعة الدين الاسلامي التي تأبى العدوان وتدعو الى السلم جاعلة منه القاعدة أما الحرب والقتال فهو الاستثناء وهي في الاسلام لصد عدوان ودفاع عن النفس وهي وفق أخلاقيات فريدة من نوعها في تاريخ الشعوب والحضارات لا بد ان تكون في ساحة القتال ولا يمكن ان يقع التمثيل والتقتيل للضعاف من الاطفال والنساء والشيوخ وحتى الحيوان ولا سبيل فيها الى احراق حتى الاشجار ولا يجوز للمسلم ان يتعرض بالعدوان والترويع لمن نذروا أنفسهم في صوامع لعبادة الله اذ ينبغي تركهم وما نذروا أنفسهم اليه.
*وغزوة بدر الكبرى لم تشذ عن هذه الضوابط وهي في الاصل لم تكن لتقع لولا اصرار قريش وغرورها وعنادها فقد كادت أن تنجو قافلتهم التي خرجوا لنصرتها ولملاقاة المسلمين وقتالهم
والمسلمون من أنصار ومهاجرين خرجوا من المدينة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتراض هذه القافلة المحملة بعروض التجارة أخذا لبعض حقهم من قريش التي أخرجتهم من أموالهم وأرزاقهم حفاة عراة وبذلك لا يمكن ان يلومهم أحد على رد الفعل ازاء ما تسلط عليهم من عدوان وظلم من طرف قريش
*لقد اعتبرت قريش ان هذه المعركة لا بد ان تقع وانها فرصتها التي ستمكنها من إطفاء نور الاسلام الى الابد فلا بد لها من خوضها ولا بد لها من استنهاض كبار فرسانها لدفع هذه المعرة التي لحقت بقريش ألا وهي اعتراض المسلمين لقافلتهم لأجل جل ذلك أصرت على خوضها غير مدركة انها تسعى الى تخضيد شوكتها والحاق الهزيمة النكراء بصفوفها
*وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الشاكلة من التصرف مع اصحابه من مهاجرين وانصار فرغم رغبته في لقاء قريش ومنازلتها حتى يشعرها ان في بني عمها رماحا وان الموازين قد تغيرت وتبدلت ولكنه لا يمكن ان يبرم أمرا قبل التشاور مع أصحابه الذين لم يخرجوا لقتال وانما خرجوا لاعتراض قافلة تجارية، ولم يستعدوا للحرب الاستعداد الكامل والمطلوب
ولا يتسع المجال لايراد ما سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والانصار مما ينشرح له الصدر مما يدل على تجسيم الشورى الفعلية من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم وانضباط وفدائية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عبرت بعد ذلك أفعالهم عما عبرت عنه ألسنتهم ومشاعرهم
*وبعد ان اطمان الرسول صلى الله عليه وسلم على تراص صفوف جبهته شمر على ساعد التدبير والتفكير والاعداد وذلك بتكتم وتخف واستطلاع وذكاء وقد برهن على انه قائد حربي محنك ومسدد (وقد تمكن الرسول عليه الصلاة والسلام من معرفة جيش قريش وذلك من خلال ما ينحرون كل يوم)
*وتقدم الجيشان نحو بعضهما للمواجهة فكان جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتفع المعنويات لاعتقادهم انه على حق ولوعد المولى سبحانه وتعالى بنصرتهم ومجازاتهم لذلك مضوا الى ساحة المعركة غير متهيبين مقبلين غير مدبرين بينما طغت الابهة والخيلاء والغرور على جيش قريش ودب في صفوفه الاختلاف قبل نشوب المعركة
وقد اعطى الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج الامثل للتواضع والتجرد عندما تنازل عن رايه في موقع اختاره لنزول الجيش وانتقل الى موقع آخر اختاره أحد اصحابه عندما تبينت للرسول صلى الله عليه وسلم وجاهة وسداد راي صاحبه
*واذا كانت قريش في خوضها لهذه المعركة معتمدة على خيلائها وغرورها وكبريائها فان المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يعتمدون على الله منه يستمدون الحول والطول اليه يتضرعون ويستنصرون فهم العصابة التي ان هلكت فلن يعبد الله فوق الارض ابدا
*فكان الله بجانبهم يثبتهم ويسدد خطاهم وكان الرعب والخوف والارتباك الى جانب قريش وفي صفوف جيشها الذي تكبد على أيدي المؤمنين ومن عززهم من الملائكة هزيمة نكراء لم تقم لقريش بعدها قائمة وصدق الله العظيم حين قال "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة"