مع القرآن الكريم في بيان أحوال المنافقين

مع القرآن الكريم في بيان أحوال المنافقين


إن المتدبر لكلام رب العالمين الدارس بتفحص وتمعن لآيات القرآن الكريم يجدها قد أحاطت بكل صنوف النشاط البشري ويشتد عجب المسلم عندما يلاحظ الشمول والإحاطة بحالات النفس البشرية والتشخيص الصادق والعجيب للعلل والأمراض فالآيات القرآنية تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة سنوات بعثته لتقيم بنيان المجتمع الإسلامي على أساس سليم وتزيح من هذا المجتمع الأمراض والأوصاب وقد قسم القرآن الكريم جموع الناس إلى مؤمنين صادقين وكافرين معلنين لكفرهم متجاهرين بإلحادهم مناوئين للدعوة الإسلامية وفئة ثالثة اخطر من فئة لضالة خطيرة هي فئة المنافقين والعياذ بالله. لقد فضحهم القرآن وصور حقيقتهم وعرف الناس بهم وحذر المسلمين من مصيرهم وما ينتظرهم من عذاب شديد ومقام في الدرك الأسفل من النار. فهؤلاء المنافقون يخادعون الله والرسول والذين آمنوا يبطنون الكفر ويعلنون الإيمان يتظاهرون بالإسلام لعلو كلمته وانتشار دعوته وانتصار دولته حتى يعصموا من الرسول والمؤمنين دماءهم وأموالهم. عاشوا في المجتمع الإسلامي وكانوا قلة لان القرآن كلن لهم بالمرصاد، وعلم الله تبارك وتعالى أسماءهم لنبيه الكريم لم تمر فرصة دون أن يغتنموها للنيل من الإسلام والكيد له في السر والعلانية. ولكن الله أتم نوره، واخمد فتنتهم ووقى المسلمين شرهم، وما لبثوا أن تكاثروا وخصوصا بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وانقطاع الوحي فلا سبيل إلى فضحهم ولا يملك المسلمون القدرة على رفض إسلامهم المزعوم وأيمانهم المكذوب. وليس للمسلمين من سبيل إلا ترديد كلام رب العالمين وإعلانه جهرة ليسمعه الذين في قلوبهم مرض لعلهم يتدبرون، أو يعودون إلى الجادة فهم المعنيون. * قال الحسن البصري (كان فيما مضى المنافقون يعدون أما الآن فان غير المنافقين لقلتهم هم الذين يعدون). والنفاق هو إسرار الإنسان عكس ما يعلن. والمنافق يخادع الناس ولكنه يخطئ عندما يظن انه يستطيع أن يخادع ربه فالله سبحانه وتعالى عليم بما تخفي الصدور ولا تخدعه المظاهر والقشور. بين الله لنبيه وللمؤمنين صفات المنافقين وصور حقيقتهم اصدق تصوير وعبر عنها ابلغ تعبير فقال جل من قائل: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله. والله يعلم انك لرسوله والله يعلم أن المنافقين لكاذبون). لقد جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة إذ النفاق كان غير موجود في مكة ذلك انه لم يسلم في تلك الفترة إلا من صدق إيمانه واقتناعه وظهر للعيان استعداده لتحمل الأذى والاضطهاد في سبيل عقيدته فكيف يقبل المنافقون على الدخول في الإسلام والحال أن من دخل الإسلام في مكة عرض نفسه ومكاسبه للإتلاف وباع الدنيا وزخارفها ليقبض مقابل ذلك رضا الله وجنانه. ظهر النفاق في المدينة ونما وترعرع لان الإسلام انتصر والمسلمون أصبحوا أقوياء والذي يدخل في الإسلام يعظم شأنه وتكثر ومكاسبه. (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله) يقولون بألسنتهم أن محمدا رسول الله ولكن قلوبهم لا تضمر إلا الكراهية والحقد والبغضاء والكفر بما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والمنافقون دهاة يتخذون لكل حالة لبوسها.. رأوا مستقبل الإسلام وعلو كلمته فجاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعلنون ظاهرا إسلامهم قولا فقط: (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل). إن شهادتهم بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لن تزيد مرتبته علوا فهو عند ربه مكين أمين اختصه بالرسالة والتبليغ فسواء جاء المنافقون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أم اعرضوا فلن يصروا إلا أنفسهم ولن يخسروا إلا هم ولذلك قال تعالى لنبيه (والله يعلم انك لرسوله) ويكفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العلم من الله. يكفي رضاه ونصره وتأييده. ومن كان الله ناصره فلا يخاف بخسا ولا ظلما. الم يقل جل من قائل: “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا”؟. وبعد ذلك عقب الله على المنافقين بحكمه الصارم وشهادته الصادقة بان المنافقين يفترون ويتصنعون ويعلنون خلاف ما يبطنون فمن يا يخادعون؟ والى متى يستمرون في غوايتهم وضلالهم وحماقتهم؟ (والله يشهد أن المنافقين لكاذبون)، ولا يكفيهم كذبهم وافتراؤهم وبهتانهم الصارخ بل إنهم يتمادون في ضلالهم ومحاولة نفي التهمة التي شعروا أنها تلازمهم فلا يستنكف المنافق ولا يرى في الأقسام والأيمان الكاذبة غضاضة في سبيل أن يبرئ نفسه وينفي كل تهمة توجه إليه. (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) إن أيمانهم المغلظة الكاذبة يمكن أن تكون له جنة ووقاية من عذاب الدنيا وإقامة الحدود عليهم وتشريدهم ولكنها لا سبيل إلى أن تنقذهم من عذاب الله الشديد يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم، ولا يكتفي المنافقون بأنفسهم بل يحاولون نشر أمراضهم الفتاكة في جسم المجتمع الإسلامي المندفع في نشر رسالة الإسلام وإقامة أحكامه وهم يصدون عن سبيل الله. إنهم يعرضون أنفسهم للهلاك والدمار فكم اهلك الله قبلهم من أمم وأقوام صاروا أثرا بعد عين ولم يقترفوا من الذنوب إلا أنهم صدوا عن سبيل الله؟ ومن اظلم ممن صد عن سبيل الله وأراد أن يطفئ نوره ويمنع من ذكر اسمه وإعلاء كلمته ونصرة رسله عليهم السلام لذلك قال جل من قائل: (ألا ساء ما كانوا يعملون) إن المنافقين مذبذبون فهم لا يستقرون على حال، فالمنافقون آمنوا ولكنهم لم يستقروا على إيمانهم لان الإيمان يستوجب الالتزام والانضباط والمراقبة الدائمة لله والإعراض عن الدنيا وزخارفها فقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم فما لبث المنافقون أن كفروا وعادوا إلى سالف جاهليتهم وغيهم فطباعهم تأبى الخير وأنفسهم ترفض الهداية والإيمان. فلما كفروا بعد ما كانوا مؤمنين (فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون) ولو كانوا يفقهون ويتدبرون ولو كانوا يعقلون ولا يعبثون لآثروا الباقي على الزائل، والجوهر على العرض واللب على القشور فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا يمرون عن آيات ربهم وما يدور حولهم وفي أنفسهم ولا يتدبرون ختم الله على قلوبهم. ويصور الله بعد ذلك حالاتهم فيقول (وإذا رايتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون). فسمت المنافقين جميل ومناظرهم جلابة وقد تكون وجوههم جميلة من اثر النعيم، صحيحة أبدانهم قويمة أجسامهم وإذا نطق الواحد فانه ينطق بالكلمات المعسولة والحجج البالغة والنظر السديد القويم فلا لحن في قوله ولا خطأ يكاد من يسمعهم أن يقع في حيرة. هل تصدر الخبائث عن هؤلاء الناس؟! لقد صلحت مظاهرهم وأسودت قلوبهم وأبصرت أعينهم وعمت بصائرهم، نطقت ألسنتهم وأقرت بالحق وكذبت قلوبهم وزاغت عن الرشاد، ما اصدق تشبيه القرآن لهم بالخشب المسندة. ولكن المنافقين في جزع وخوف دائم من العواقب الوخيمة والفضيحة التي يتعرضون لها إذا انزل الله على رسوله قرآنا يفضح سرائرهم ويكشف بواطنهم فإنهم كلما نزل على رسول الله وحي فيه تهديد ووعيد وفيه زجر وتخويف يحسبونه عليهم ويحسبون كل صيحة عليهم، ما أخسهم وما أخس أعمالهم أعدى أعداء التوحيد وأعدى أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بالهلاك فقال وهو اصدق القائلين: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون). صدق الله العظيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.