مشكلة الامة الاسلامية اليوم في الادعياء من العلماء والدعاة
كتب محمد صلاح الدين المستاوي
حضرت في سبعينيات القرن الماضي احتفالا أقيم في منى بمناسبة انتهاء اداء مناسك الحج لتكريم العلماء والشيوخ والوعاظ الذين تولوا ارشاد الحجيج بما القوه من دروس ومحاضرات وبما شاركوا به فيما عقد من لقاءات وجهوا فيها حجيج بيت الله الحرام القادمين من مختلف البلدان وبينوا لهم كيفية اداء المناسك وهدي دينهم ومقاصده في مختلف مجالات الحياة كان الحاضرون في الحفل من كبار علماء الامة الذين شهدوا موسم ذلك العام.
ويكاد لم يبق منهم اليوم احد على قيد الحياة فقد انتقلوا إلى جوار ربهم رحمهم الله واسكنهم فراديس جنانه ولايتسع المجال لذكرهم تداول عدد منهم على القاء الكلمات واستخلاص العبر والدروس وتشخيص احوال الامة التي لم تترد في تلك الفترة التي مضى عليها الان ما يقارب نصف قرن من عمر الزمان إلى ما الت إليه اليوم مما لانحتاج إلى ذكر ماسيه البادية والتي تدمي القلب وتدمع من هول ما تشاهده العين من سفك للدماء وازهاق لانفس بشرية القاتل والمقتول كل منهما ( مسلم).
احوال واهوال تجعل القائل يقول في تعجب مشروع اهؤلاء المسلمون ابدا تكذبني الظنون لا أزال أذكر كلمتين القاهما عالمان جليلان هما فضيلة الشيخ ابوالحسن علي الندوي من الهند وفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي من مصر رحمهما الله ارتجل الرجلان كلمتين بليغتين نابعتين من الاعماق شدتا اهتمام الحاضرين وهزتهم شخصتا داء المسلمين الحقيقي والفعلي وتوجهتا بالنقد دون جلد للذات إلى العلماء والدعاة حيث قارنا بين ادعياء العلم وبين العلماء الحقيقيين.
كل منهما باسلوبه المتميز وكل منهما من فرسان اللغة العربية وكل منهما من اهل الذوق واصحاب الأحوال مع الله ومن لم يكن كذلك فكلامه شقشقة لاتتجاوز الاذان كانت كلمات الشيخين الندوي والشعراوي رحمهما الله يصدق عليهما قول سلطان العلماء عزالدين بن عبد السلام رحمه الله وهو خارج من مجلس الامام ابي الحسن الشاذلي رضي الله عنه (اسمعوا هذا الكلام القريب العهد من الله) وكلام العلماء العارفين والدعاة المخلصين لا تشتم منه عجبا ولاغرورا انه كلام اتقياء سمتهم التواضع ينسبون ما يجري على السنتهم إلى توفيق الله (وماتوفيقي الا بالله)( اتقوا الله ويعلمكم الله) ( يؤتي الحكمة من يشاء) علم الشيخين الندوي والشعراوي رحمها الله واخرين امثالهم.
ولكنهم ويا للاسف قلة وان استند إلى علم كسبي تفانوا في تحصيله حتى تبحروا فيه وهو ما يشترك معهم فيه الكثير من العلماء الذين عاصروهم والذين جاؤوا من بعدهم الا ان ما يتميز به الشيخان الندوي والشعراوي رحمهما الله ومن هم على مسلكيهما الرشيد القويم هو ماوهبهما الله من بصيرة فعلمهم إلى جانب انه كسبي فانه علم وهبي لاتجده في الكتب وقد سال بعضهم الشيخ الشعراوي ياسيدي مانسمعه منك لانجده في الكتب من اين تاتي بما تقوله فما كان منه جوابا على السائل الا اخرج من جيبه سبحته قائلا من هذه.
وهو بذلك يدلل على قوة صلته بربه من خلال ذكره ذكرا كثيرا عملا بقوله جل من قائل (اذكروا الله ذكرا كثيرا) وقوله(اذكروني اذكركم) ذكر مقال لايلبث إن يصبح ذكر حال. كلام العلماء العاملين المخلصين والمخلصين (بفتح اللام) له نورانية هي ثمرة مجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وفاقد الشئ لايعطيه والشيء الذي يفقده ادعياء العلم وان كان مايحفظه بعضهم عن ظهر قلب كمه كبير في كثير من الاحيان هو قوة الصلة الحقيقية الفعلية بالله والتي اهم تجلياتها الزهد في الدنيا والترفع عن كل ما يتنافس فيه الناس ويتهالكون عليه.
لا أزال أذكر بعض ماخاطب به الشيخ ابوالحسن الندوي رحمه الله الحضور عندما قال اتدرون ايها السادة العلماء لماذا نعظ ونرشد الناس ولانجد منهم الامتثال والاتباع لما ندعوهم إليه وتولى الاجابة لان الناس نظروا إلينا نحن معاشر العلماء والدعاة إلى سيرتنا فوجدونا امام الدنيا وزخرفها وفتنتها أكثر تهالكا عليها منهم وجدونا اضعف منهم امام انفسنا فكيف نكبر في اعينهم ناتي ونفعل عكس مانقول والانسان مجبول على تقدير من يتفوق عليه في تحكمه في نفسه وهواه إن علماء الامة من السلف الصالح من امثال الحسن البصري ومالك بن انس واحمد بن حنبل وغيرهم رضي الله عنهم ما انقادت لهم الامة وما اتبعت ما امروها به الا لما راتهم عليه من زهد في الدنيا وورع واخلاص وخشية لله وابتغاء للاجر والثواب منه سبحانه وتعالى.
وبقيت من بعدهم سيرهم العطرة مثالا ونموذجا للعلماء الربانيين وما علينا إذا اردنا مرضاة الله واذا اردنا من الامة ان تتبع ما ند عوها إليه الا نسلك هذا السيبل ونتخذهم قدوة واسوة ابوالحسن الندوي رحمه الله من كبار علماء الزهاد في العصر الحديث هورئيس جامعة ندوة العلماء في الهند وصاحب المؤلفات الكثيرة بلغا ت الهند وباللغة الانجليزية وباللغة العربية التي يعتبر من علمائها المتمكنين منها كتابة وارتجالا وهو عضو في عديد الهيئات العلمية في العالمين العربي والاسلامي من مؤلفاته كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين وكتاب الاركان الاربعة وكتاب رجال الفكر والدعوة وكتاب وربانية لارهبانية وهو من ترجم إلى اللغة العربية روائع الشاعرالكبير محمد اقبال وغير ذلك من عشرات الكتب القيمة والهامة.
أذكر له رحمه الله انه وهو عضو في المجلس التاسيسي لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة عند انعقاد دورات المجلس ( وقد حضرت دورة تلك السنة التي اروي وقائع حفلها) كان رحمه الله يرفض رفضا باتا ان يحضر اية جلسة تعقد بعد الظهر ليتفرغ للصلاة والطواف والجوار لبيت الله الكعبة المشرفة كما كان يرفض سكنى النزل الفخمة البعيدة عن الحرم ويابى الا ان يسكن في اقامة متواضعة مع اخوانه من الجالية الهندية المجاورين للحرم اكرمه الله تبارك وتعالى فالتحقت روحه الطاهرة ببارئها ضحى يوم جمعة وهويقرأ سورة الكهف رحمه الله واسكنه فراديس جنانه وسيرة الشيخ محمد متولى الشعراوي رحمه الله التي انكشفت بعض اسرارها وانوارها بعد رحيله إلى دار البقاء لاتختلف عن سير ة الشيخ الندوي زهدا وورعا وبذلا وعطاء وكراماته كثيرة.
وكان يابى ذيوعها مؤثرا ان تبقى سرا بينه وبين ربه الذي اخلص في التقرب إليه فاكرمه الله بمن هداهم الله إليه على يديهم من مختلف الفئات لاسيما تلك الفئات التي قنطها لامن رحمة الله ادعياء العلم ممن يحكمون بالظاهر ويتمسكون بحرفية نصوص لايعقلونها ولايفقهونها والفقه في الدين الوارد في الحديث (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ليس المقصود به العلم بالحلال والحرام فقط وإنما يعني ذلك ويعني ماهو اعمق واشمل من ذلك من فهم صحيح عميق وقد وردت في معنى ذلك عديد النصوص في الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة والسيرة المحمدية العطرة ان ادعياء المتعالمين الطاووسيين الذين يمشون في الأرض مرحا وخيلاء يصدق عليه قول القائل شكوت إلى وكيع سؤ فهمي فارشدني الى الترك المعاصي وقال لي علم الله نو ر ونور الله لايهدى لعاص وما درى هؤلاء ان من المعاصي التي ياتونها ( سواد قلب وحقدا وضغينة وحسدا وغرورا وغيره .مما يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم مهلك يردي في نار جهنم لاينفع معه علم ظاهر ولاعمل غير خالص لوجه الله.
إن العلماء الذين يرضي الله عنهم ويرفع ذكرهم وتنتفع بهم الامة في قائم حياتهم وبعد رحيلهم إلى دار البقاء هم العلماء الربانيون ممن اقبلوا على ربهم بتزكية انفسهم (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) ثم انبروا بعد ذلك يؤدون رسالتهم في وراثة الانبياء الذين لم يتركوا ذهبا ولافضة هذا الصنف من العلماءهم من تحتاج اليهم الامة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به وليس علماء السوء الذين تختلف اقوالهم عن افعالهم والذين يامرون الناس بالبر وينسون انفسهم ولايحبون للامة وابنائها وفلذات اكبادها ما يحبونه لانفسهم وابنائهم ولايحتاج الأمر في هذا المجال إلى تقديم الامثلة فما سمعناه وما رايناه من هؤلاء ما يغني على التمثيل.
ولكن والحمد لله فان الخير باق في الامة إلى ان يرث الأرض ومن عليها كما جاء في الحديث الشريف في حلقة قادمة إن شاء الله نواصل حديثنا عن صنف من العلماء الربانيين المعاصرين ممن اكتشفوا ثراء الاسلام (الروحي بالخصوص) وجمال سيرة رسوله عليه الصلاة والسلام الكثير منهم ممن اعتنقوا الاسلام جذبهم إلىه تراث علمي ثري لاعلام من امثال الامام الغزالي وابن عربي وجلال الدين الرومي والسهروردي والحارث المحاسبي والامير عبد القادر واقبال وغيرهمومن سار على نهجهم من شيوخ التربية والسلوك الحقيقيين