مراجعة برامج التربية الإسلامية: (جزء عم) من القرآن الكريم مقرر إلزامي في التعليم الأساسي

مراجعة برامج التربية الإسلامية: (جزء عم) من القرآن الكريم مقرر إلزامي في التعليم الأساسي


اجتمع السيد وزير التربية والعلوم يوم السبت (12 ديسمبر 1992) بأعضاء اللجنة القطاعية المكلفة بمراجعة برامج التربية الإسلامية. وذلك بعد أن انتهت هذه اللجنة من وضع برامج المرحلة الأولى من التعليم الأساسي في هذه المادة. وهو عمل عكف على إعداده مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمتفقدين وأساتذة التعليم الثانوي والمعلمين بالتعليم الابتدائي. وقد استغرق هذا المجهود المشكور فترة من الزمن ليست بالقصيرة واتسمت المشاركات والمناقشات التي دارت بين الأعضاء بكثير من الجدية والموضوعية والحماس في بعض الأحيان وكان ما تم الانتهاء إليه من برامج محل اتفاق كما تم الاعتماد على هذه البرامج في إعداد الكراسات والكتب المدرسية من طرف المؤلفين. وقد اقتصر عمل اللجنة القطاعية على إعداد البرامج والمقررات ولم يتجاوزها إلى النظر في التآليف والكتب المدرسية وذلك نظرا لضيق الوقت وضرورة المسارعة بالانجاز باعتبار أن هذه البرامج قد دخلت بعد حيز التنفيذ وهو ما يمكن تلافيه في المستقبل إن لم يكن بالنسبة لكل أعضاء اللجنة فعلى الأقل بالنسبة للبعض منهم وذلك إحكاما للتنسيق بين المقرر والمؤلف الموضوع للتلميذ وللمربي وتلافيا لكل ما يمكن أن يحدث من إخلال وقد وعد الوزير في لقائه بأعضاء اللجنة القطاعية للتربية الإسلامية بإمكانية تحقيق ذلك مستقبلا. وقد بدأ السيد الوزير لقاءه بأعضاء اللجنة بالتعبير عن الشكر الجزيل على المجهود المبذول وروح الشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية التي تحلى بها أعضاء اللجنة حتى انتهى عملها إلى انجاز هذا السفر المحتوي على برامج التربية الإسلامية بالنسبة للمرحلة الأولى من التعليم الأساسي. وقد بدت في هذا العمل ملامح رؤية عميقة لديننا الإسلامي الحنيف دين السماحة والوسطية والاعتدال والتيسير، دين النبذ للفرقة والفتنة والإرهاب. وقد حاول أعضاء اللجنة كل ما في مستطاعهم من اجل أن تغرس هذه البرامج القيم السمحة لديننا لدى ناشئتنا بإقامة الحجج والبراهين على ذلك من الفطرة السليمة والتفكير القويم النصوص القرآنية والسنية الصحيحة الواضحة الجلية. كما حاول أعضاء اللجنة في هذا السفر الذي احتوى على البرامج المقررة في مادة التربية الإسلامية أن يحكموا الربط بين الإسلام دين القيم والمثل السامية والواقع الاجتماعي المعيش حتى لا تبقى تعاليم الإسلام مجرد نصوص نظرية بعيدة عن حياة الفرد والمجتمع. وقد عبر وزير التربية والعلوم بالإشارة الذكية والعبارة الصريحة عن مباركة الوزارة والمجموعة الوطنية لهذا التوجه مذكرا بأن الهدف من الإصلاح التربوي ككل وإعادة النظر في برامج التربية الإسلامية هو الوصول إلى تكوين أطفال وشبان يكونون مؤمنين مسلمين أتقياء تحصلوا على الزاد الكافي حتى لا يكونوا في حاجة إلى طلب استيضاحات حول شؤون دينهم وأضاف الوزير قوله: “إن دورنا هو أن نضمن أن يكون المنقطع عن المدرسة بحكم انتهاء الدراسة في المدرسة الأساسية قد تحصل على الحد الأدنى الذي لا بد منه ليكون مؤمنا صالحا”. وقد جرّت هذه الغاية التي تريد الوزارة والمجموعة الوطنية بلوغها بواسطة البرامج السيد الوزير إلى إبداء مقترحات عملية لأعضاء اللجنة دعاهم إلى النظر فيها ومن ثم إقرارها في البرامج المقررة. * فمن رأي السيد الوزير وبعد الإطلاع على العمل المنجز كمقرر إلزامي في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي (السنوات الست الأولى) جزء عم منن القرآن الكريم يوزع من السنة الأولى إلى السنة السادسة بحيث لا يتجاوز التلميذ هذه المرحلة إلا وقد حفظ هذا المقدار من القرآن الكريم. وهو المقدار الأدنى والضروري لأداء التلميذ للصلوات الخمس مضافا إليها بعض الصلوات النافلة (كالتراويح مثلا في رمضان) بدون إن يحتاج إلى التكرار. وذلك فضلا عما يقع الدعم به من آيات قرآنية بالنسبة لبقية برنامج التربية الإسلامية. * أما المقترح الثاني الذي عرضه الوزير على أعضاء اللجنة فيتمثل في ضرورة أن تحتوي البرامج على المعلوم من الدين بالضرورة في مجال العقيدة والعبادات وكذلك بعض المعاملات والمعرفة بالمحرمات كالخمر ولحم الخنزير. * وهكذا لا ينتهي التلميذ من المدرسة الأساسية إلى وقد تزود بالأساسي من أمور دينه التي يحتاج إليها في حياته العملية حتى إذا واصل بعد ذلك الدراسة في المرحلة الثانية أمكنه أن يقتحم مجال التفكير الإسلامي الذي يقارع الحجة بالحجة وينتصر للاجتهاد في القضايا المستحدثة التي لا يمكن اليوم أن نتجاهلها في برامجنا التربوية. * ولقد أثلجت مقترحات الوزير صدور أعضاء اللجنة الذين طالما تحاوروا في قاعات الاجتماعات بمقر الوزارة حول مسالة احتواء برامج التربية الإسلامية على الزاد المعرفي الديني الضروري والأساسي دون أن يكون ذلك على حساب ملكة التفكير والاستنتاج، وهي معادلة صعبة لم تتمكن اللجنة من تجاوزها إلا بتدخل من الوزير الذي جاء ساعيا بنفسه إليها مقدما ما هو مقتنع به وما أكده له من استشارهم من أهل الذكر والممارسة للعملية التربوية. * وهكذا تلتقي إرادة الخير لأجيالنا الصاعدة والرغبة الصادقة في تحصينها وتكوينها تكوينا دينيا سليما وصحيحا لدى الوزارة ممثلة في شخص وزيرها ومن معه من مستشارين وإداريين ولدى أغلبية أعضاء اللجنة القطاعية لمراجعة برامج التربية الإسلامية ولدى القاعدة العريضة للمربين في الابتدائي والثانوي والمرشدين والمتفقدين وكذلك الغالبية العظمى من شرائح المجموعة الوطنية. * وإنها لبشرى زفها الوزير ليس فقط لأعضاء اللجنة القطاعية بل لكل أفراد الشعب التونسي، هذه البشرى المتمثلة في إقرار هذا المقدار الأدنى والضروري من القرآن الكريم في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي ولا يخفى على احد ما في ذلك من الأثر الطيب والايجابي على تكوين أجيالنا الصاعدة وربطهم بالقرآن الكريم الذي تستقيم به العقيدة ويستقيم به الذوق وتستقيم به الأخلاق والسلوك. ولسنا في حاجة إلى التذكير هنا الفراغ الكبير الذي كان في هذا المجال والذي بلغ درجة السطحية والضحالة بحيث انك لا تجد في الفصل الواحد في نهاية المرحلة الثانوية من يحفظ ثلاث سور أو أربعا متوالية الترتيب. * أما الجهل بكيفية القيام باركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج فحدث عن البحر ولا حرج!! ونحن لا ندعي انه بما قرر من إصلاحات سيصبح تلاميذنا في المدرسة الأساسية علماء أعلاما في الفقه والشريعة ولكن ما يمكننا التأكد منه من الآن فصاعدا انه لن يتخرج من المدرسة الأساسية ممن يجهل المعلوم من الدين بالضرورة وما عليه بعد ذلك إلا أن يستزيد فالسبل آمنة والفرص متاحة. * لقد كانت جلسة يوم السبت 12 ديسمبر 1992 مع الوزير تاريخية بأتم معنى الكلمة وجاءت في الوقت المناسب وفي الظرف الذي لا ضغوط فيه ولا إملاء ولا تهريج ولا متاجرة بالشعارات والقيم والمثل والمقدس، إنها جلسة الحوار الحر والبناء الموضوعي الذي لا هدف من ورائه إلا إرضاء الله والضمير والعمل لمصلحة الوطن. * ولأجل ذلك تقبل الوزير كل ما ابدي من ملاحظات ومقترحات بصدر رحب واستعداد واضح لإدخال ما يمكن إدخاله حيز التنفيذ من ذلك ما لفت إليه احد الأعضاء أنظار الوزير من ضرورة التحري عند التأليف في اختيار النصوص الصحيحة الثابتة الورود بعيدا عن الإسرائيليات والخرافات وبعيدا أيضا عن النصوص المبتورة المأخوذة لمؤلفين غير موثوق بسلامة توجهاتهم. * كما تم لفت نظر الوزير إلى ضرورة التحري الكبير في ضبط النص القرآني الذي سيلقن ويحفظ للتلميذ فلا بد فيه من الدقة وهذا ما جعل الوزير يعرض فكرة طبع الجزء المقرر تحفيظه من القرآن الكريم لكامل المرحلة الأولى من التعليم الأساسي في كتاب مستقل يكون جزءا من المصحف ويحتفظ به التلميذ طيلة المرحلة الأولى من التعليم الأساسي وبذلك نتجنب التحريف والخطأ الذي لا يجوز في القرآن الكريم. ولم تمنع خصوصية الاجتماع وتمحضه للبرامج أن يقع التطرق أمام الوزير إلى موضوع الضوارب والساعات المخصصة لمادة التربية الإسلامية وهنا أيضا كان السيد الوزير واضحا وصريحا حيث أجاب بأن هذه المسألة تم التطرق إليها في كل اللجان والمواد التي يتم مراجعتها معلنا أن المسألة ينبغي أن ينظر إليها في هذا الإطار الشامل المراعي لاستعداد التلميذ وإحداث التوازن بين المواد بحيث لا ترتفع ضوارب مواد وتتدنى ضوارب مواد أخرى وقد أخذت الوزارة بمبدأ التقريب في ما اعتمد من توزيع للساعات والضوارب. وما يمكن الانتهاء إليه في هذه العجالة هو أن العمل الذي قامت به لجنة مراجعة برامج التربية الإسلامية هو عمل كبير في حجمه عظيم في أثره وانه جهد مشكور ومحمود انصرفت إلى القيام به بإخلاص وصبر وتفان حتى انتهى إلى ما انتهى إليه، وانه أيضا ككل عمل بشري يحتاج دوما إلى المراجعة والتنقيح وهذا ما ستتكفل بالقيام به هذه اللجنة التي وقع تجديد في أعضائها بحيث التحق بها بعض أهل الذكر والاختصاص واحتفظ بالعضوية من برهنوا على الاستعداد للبذل والعطاء. (جريدة الحرية الجمعة 18 ديسمبر 1992)



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.