مبررات إقتراح توزر ونفطة عاصمة للثقافة الاسلامية
مبررات إقتراح توزر ونفطة عاصمة للثقافة الاسلامية بقلم الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي كنت قبل مدّة تقدمت بمقترح حملت "جريدة الصريح" تبليغه إلى المعنيين بالأمر وتمثل ذلك المقترح في ترشيح مدينتي توزر ونفطة من بلاد الجريد لتكونا مع بعضهما عاصمة للثقافة الاسلامية بعد أن اختيرت قبل سنوات القيروان كعاصمة للثقافة الاسلامية مثلما اختيرت من طرف الألكسو صفاقس عاصمة للثقافة العربية وكانت أمالنا في كلّ من التظاهرتين أكبر بكثير مما حققتاه ولم تكن أسباب ذلك عائدة إلى غيرنا ومن خارجنا وياللأسف الشديد !! فنحن شعب لا ينال المبدعون والمجتهدون من أبنائه ما هم جديرون به من احتضان ورعاية وتشريك في كل ما من شأنه أن يشع ببلادنا ويحقق لها الريادة التي هي مؤهلة لها.
• اعود إلى تقديم مقترح ترشيح مدينتي توزر ونفطة من طرف الهياكل الحكومية المعنية (وزارة الثقافة ووزارة الخارجية) لتكونا في أقرب فرصة عاصمة للثقافة الاسلامية وأنا على يقين بأن هذا المقترح سينال ليس فقط القبول بل الحماس والترحيب به وإدخاله حيز التنفيذ في أقرب فرصة وذلك نظرا لما لتونس من مكانة متميزة في هذا الجناح الغربي للعالم الاسلامي وما لحواضرها ومعالمها العلميّة والدينية وما لعلمائها في شتى مجالات الثقافة العربية الاسلامية من مكانة متميزة وآثار لا تزال ماثلة بادية للعيان ملموسة على كل الأصعدة جعلتها ذات خصوصية مثرية لمسيرة الأمة العربية الاسلامية والشهادات في ذلك أكثر من أن نحصيها أو نأتي عليها، ونريد لهذا الرصيد الذي لا تتوفر عليه عديد البلدان العربية والاسلامية أن يظلّ دافعا لاتصال هذا السند.
• ومن الوسائل التي تساعد على ذلك إقامة مثل هذه التظاهرات التي لا ينبغي استكثار ما يبذل فيها من مبالغ مالية لأن المردود غير المادي كبير وكبير جدّا فضلا عما ينجرّ عن إقامة مثل هذه التظاهرات من حركية اقتصادية أهمها التدفق السياحي ومنطقة الجريد وجهة سياحية مفضلة نظرا لما حباها الله به من واحات غناء ومناظر خلابة وطقس مغر في فصول ثلاثة من العام (الخريف والشتاء والربيع).
• ومقترحنا بأن تكون توزر ونفطة عاصمة للثقافة الاسلامية يستند إلى معطيات موضوعية ورصيد تاريخي ثري مليء بالعطاء العلمي والفكري والثقافي والحضاري على امتداد قرون طويلة ولا يزال عطاء توزر ونفطة متصل السند من خلال مساهمة أبنائهما المتواصلة في الحياة الثقافية نثرا وشعرا ومسرحا وتحقيقا علميّا. وما تضمنه كتاب نظام التعليم بالجريد 1881-1956 للطفي حمدة الذي تولينا عرضه على صفحات الصريح من أسماء لعلماء أعلام ومشائخ كبار أنجبتهما توزر ونفطة (الكوفة الصغرى والكوفة الكبرى كما يلقبان بذلك) قديما وحديثا فيه الدليل والبرهان على أن بلاد الجريد منجاب للعلماء والأدباء والفقهاء والشعراء فضلا عمّا تضمه تربتهما من أضرحة لأولياء وصلحاء كان لهم القدم الراسخ في تثبيت العقيدة الاسلامية السمحة والذب عنها لكلّ الضلالات التي حاولت أن تبثها في ربوع تونس الفرق الضالة (خارجية وباطنية).
• وهل يمكن في هذا المقام أن لا نذكر بكل إجلال الدور الكبير الذي قام به الولي الصالح سيدي أبو علي السنّي ناصر السنّة بحق.
• وإذا تحدثنا عن معالم الجريد في توزر ونفطة فلا يمكن أن ننسى الزوايا القادرية والتجانية والرحمانية والمدنية التي لعبت دورا فعالا في تمتين عرى الأخوة الدينية بين سكان الجنوبين التونسي والجزائري حيث استقبلت هذه الزوايا المئات من طلبة العلم وحفظة القرآن والسالكين لطريق التزكية الروحية فقد كان بين تونس والجزائر تواصل علمي وروحي كان فيه الجريد حلقة الوصل والمحطة التي يتوقف عندها للنهل من معين علمائها الطلبة الجزائريون في طريقهم إلى جامع الزيتونة في تونس العاصمة.
• من مشائخ الزيتونة ذوي الأصول الجريدية نذكر بكل إجلال الشيخ والعالم الرّباني سيدي اسماعيل الهادفي – رحمه الله – خليفة الشيخ سيدي محمد المداني المديوني فعلى يدي الشيخ سيدي اسماعيل انتشرت الطريقة المدانية مشرقا ومغربا ووصل اشعاعها إلى أوروبا (فرنسا بالذات) فقد تتلمذ على يديه وشد الرحال للقائه عديد الأساتذة والمفكرين بعد أن اهتدوا إلى الإسلام ليأخذ بأيديهم في طريق السير إلى الله.
• ومن الفقهاء الكبار أصيلي توزر الشيخ حسن السهيلي – رحمه الله - وقد كان لي ولثلة من طلبة الكلية الزيتونية شرف التتلمذ له في مادة أحاديث الأحكام وكان يلقي درسه ارتجالا وبدون إنقطاع بنقل دقيق وفهم عميق في إخلاص وتجرّد ورغبة صادقة في إفادة طلبته.
• والأسماء كثيرة جدّا لا يمكن الإتيان عليها وهي مثبتة في قوائم كتاب الأستاذ لطفي حمدة لمن يريد أن يطلع عليها.
• ومن أبناء الجريد أصيلي توزر ونفطة من تجاوز اشعاعهم حدود البلاد التونسية ليمتد إلى بلاد المغرب والمشرق عبد الله الشقراطسي (تـ 466هـ/ 1075م) صاحب القصيدة الشهيرة في مدح الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام التي يقول مطلعها :
الحمد لله منّا باعث الرســـــــــــل *** هدى بأحمد منا أحمد الســبـــــــل
خير البريّة من بدو ومن حضر *** وأكرم الخلق من حاف ومنتعــــل
توراة موسى أتت عنه فصدقها *** انجيل عيسى بحق غير مفتعل
تبلغ المائة وخمسين بيتا وهي من أروع ما قيل في المديح النبوي وقد إنكبّ على النسج على منوالها الشعراء قديما وحديثا فعارضوها وخمسوها وعشروها وشرحوها وقد عرض كل ذلك محمد بوذينة – رحمه الله – في سلسلة غرر الشعر التي أصدرها.
• وهل يمكن أن نغفل عن ابن الجريد وعالمها الجليل ابن النحوي التوزري (434 – 513 هـ / 1042 – 1149م) صاحب المنفرجة والذي جال مشرقا ومغربا وتلقى على أكابر علماء عصره وعرف بالتقوى والصلاح صاحب القصيدة الشهيرة التي تتردد على الألسنة وتنشد في المحافل ويستغاث بها في الشدائد وتروى في فضائلها وبركاتها الأخبار التي تصل إلى درجة التوائر، إنها المنفرجة التي يقول في طالعها أبو الفضل ابن النحوي :
اشتدّي أزمة تنفرجي *** قــــــد آذن ليلك بالبلـــج
وظلام الليل له سرج *** حتى يغشاه أبو السرج
وسحاب الخير له مطر *** فإذا جاء الإبّان تجــــــــى
وهي في ثمان وأربعين بيتا ختمها بعد الاستجاهة بالأصحاب الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبالسبطين (الحسن والحسين) وبأمهما فاطمة الزهراء وبجميع الآل والأصحاب ومن تابعهم رضى الله عنهم يختم كل ذلك بقوله :
يا رب بهــــــــــــــم وبآلهم *** عجــــــــــل بالنصــــــــر وبالفرج
وأرحم يا أكرم من رحما *** عـبــــدا عــــــن بابك لم يعــــج
وأختم يا أكرم من رحما *** لأكون غدا في الحشر نجي
لكنّي بجودك معتـــــــرف *** فأقبـــــــــــل بمعاذي والحجــــج
وإذا ضاق الأمر فقــــــل *** اشتــــــــــدي أزمة تنفرجـــــــــــي
وللمنفرجة شروح عديدة حيث عكف عليها العلماء الكبار وكانت تلك الشروح محلّ عناية الباحثين والدارسين واعدّت حولها الرسائل الجامعية لعل آخرها الكتاب الذي أصدرته مكتبة سلمى الثقافية عدد 81 بتطوان بالمغرب من تأليف الأستاذ عدنان مرون الوهّابي (ليس نسبة للوهابية). ويتعلق بالمنفرجة وصاحبها وبلاد الجريد وتونس شخصيات علمية وفكريّة وفنية وحتى سياسية وأذكر في هذا السياق أن الأستاد حسن أوريد (ناطق رسمي باسم القصر الملكي وعامل مكناس سابقا والأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط) الذي عبر في لقاء به في مداغ بإقليم وجدة عن رغبته الشديدة في زيارة توزر بلد أبي الفضل ابن النحوي صاحب المنفرجة.
• ولا يمكن في هذا المقام أن لا نذكر ابن الشباط التوزري – رحمه الله - (618 – 681هـ / 1221 – 1282م) الذي يعود إليه الفضل في حسن تدبير وتوزيع مياه واحات توزر وهو تقسيم ظلّ إلى اليوم محلّ إعجاب أهل الاختصاص من مهندسي المياه.
• أمّا في العصر الحديث نذكر أبا القاسم الشابي شاعر تونس الكبير صاحب القصائد الرائعة التي ذاعت وانتشرت مشرقا ومغربا واتخذت أناشيد تحرّك السواكن وتحي الموات وتبعث الأمل كانت ولا تزال عنوان إرادة الحياة (إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بدّ أن يستجيب القدر).
• وقد سبق في عدد سابق من الصريح أن استعرضنا بعضا من أشعار الأستاذ محي الدين خريف ولا يمكن في مجال القصة أن لا نذكر الأديب البشير خريف كما لا يمكن أن لا ننوه بالعديد من الأعمال الأدبية والفكرية الموثقة بالخصوص للعلاقات الثقافية والعلمية بين الشعب التونسي وشقيقيه الشعبين الجزائري والليبي التي أنجزها الأستاذ الكبير محمد صالح الجابري عليه وعلى إخوانه من أبناء الجريد الرحمة من الله والرضوان.
• وختام الأعلام الذي ننهي به هذه المبرّرات التي نقدمها للجهات المعنية (وزارة الثقافة ووزارة الخارجية) كي تتوليا تقديم ترشح توزر ونفطة لتكونا عاصمة للثقافة الاسلامية أو العربية في دوراتها القريبة القادمة، خاتمة هؤلاء الاعلام من أبناء الجريد هو العلامة الشيخ محمد الخضر حسين العالم الزيتوني الذي تولى مشيخة الجامع الأزهر وهو منصب لا يتقلده إلا كبار العلماء - وما أشدّ التنافس على مشيخة الأزهر - التي تقلدها عن جدارة واقتدار الشيخ محمد الخضر حسين -رحمه الله- وقد صال وجال قبل تولي هذا المنصب الرفيع في ميادين العلوم الشرعية فأتى فيها بالمحقّق المدقق الذي جلب له الاحترام والتقدير وبوأه بين علماء الأزهر مكانة الصدارة وقد عرف الشيخ محمد الخضر حسين بمواقفه الصلبة والشجاعة حيث كان لا يخاف في الله لومة لائم ومن اشهر مقولاته عند توليه مشيخة الأزهر إبان ثروة 25 جويلية 1952 (عهد علي إنّ الأزهر في عهدي إذا لم يتقدّم فلن يتأخّر) وقد أعدّت عن الشيخ محمد الخضر حسين عديد الأطروحات العلمية الجامعية من ذلك تلك التي أعدّها الأستاذ محمد مواعدة في الجامعة التونسية ونشرت وكذلك ما وثقه الأستاذ على الرضا من أصداء تولي الشيخ محمد الخضر حسين مشيخة الأزهر والمقالات والقصائد التي قيلت فيه مهنئة ومعزية ومؤبنة له عند وفاته –رحمه الله- وأسكنه فراديس جنانه.
• وقد أحسن صنعا الأستاذ علي الرضا التونسي عندما قام بجمع مؤلفات الشيخ محمد الخضر حسين في مختلف مجالات الثقافة العربية الاسلامية وما كتبه من مقالات وبحوث جادة وهي اليوم بين أيدي الباحثين في مجلدات ، ونفس الصنيع قام به الأستاذ علي الرضا لكل علماء الجريد من أقاربه وأعمامه وأخواله (آل بن عزوز وغيرهم).
• والشكر في النهاية للصديق العزيز صاحب الصريح الأستاذ صالح الحاجة ابن توزر وابن الجريد البار الذي شجعني على المضي في عرض هذا المقترح : "توزر ونفطة عاصمة للثقافة الإسلامية ولم لا ؟".