قضايا دينية عويصة يقع تناولها من طرف غير المسلمين لبثّ الشكّ والبلبلة في الأذهان
إن ما يدعوني إلى التأكيد على ضرورة الاحترام المتبادل هو ما سمعته في إحدى الحصص التي بثتها إحدى الفضائيات التبشيرية -ولا اعتقد أنها الحصة الوحيدة- فقد دعي للحوار مرقص (راهب من الرهبان العرب) حول موضوع النسخ في القرآن الكريم وكان واضحا وجليا أن الأسئلة التي ألقيت عل المرقص من قبل الصحافي الذي كان معه في الأستوديو هي أسئلة موجهة ومعدة مسبقا ومتضمنة لما يريد المرقص أن يثيره من تساؤلات زادتها بلورة إجاباته التي حرص فيها على الاستدلال بآيات من القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال المفسرين والمؤرخين والعلماء الذين تحدثوا في موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم. كل ما في هذه الحصة كان مثيرا للشك والحيرة حيث بدت النصوص الواردة على لسان المرقص متعارضة! متضاربة متناقضة! داعية للشك والحيرة وقد دعا المرقص علماء الدين المسلمين إلى إعادة النظر فيها والوقوف عندها لان التسليم بها موجب للتناقض العقلي والمنطقي حسب قول المرقص!! ونحن لا نجادل ولا نناقش في أن في كل دين وليس في دين الإسلام فقط هناك مسائل وقضايا مستعصية ودقيقة تثير التساؤل في الأذهان إلا أن ما ينبغي التسليم به هو أن هذه القضايا والمسائل كانت ومنذ زمن متقدم محل نظر وبحث العلماء من أهل الذكر وأن الأقوال فيها وان كانت متعددة إلا أن ما لا شك فيه هو أن العلماء الأعلام أشفوا الغليل وأتوا بالحجج القوية الشرعية والعقلية لتبيين الخطأ من الصواب والأصيل الثابت مما هو فرعي وجزئي، وأن من يريد أن يشفي غليله وتزول من ذهنه الأوهام يجد لا محالة ما يحقق له ذلك والأمر اليقيني والمسلم به هو أن هذه المسائل الدقيقة والمستعصية على عامة الناس تحتاج لكي تبحث بتجرد وموضوعية إلى توفر كل الآليات الضرورية فيمن يناقشها ويعرضها وتحتاج إلى تكافؤ بين المتناظرين فيها. نعم للبحث والحوار والتناظر في كل المسائل ولكن بين أهل الذكر والاختصاص حتى وان اختلفت عقائدهم وأديانهم ومن يرجع إلى أمهات كتب الثقافة الإسلامية في مجالات المناظرات العلمية والدينية يجد مادة دسمة صيغت بأسلوب كله سماحة ورفق ومجادلة بالتي هي أحسن عملا بقوله جل من قائل (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) ولما كانت هذه المحطات الفضائية ليست للمناظرات بين أهل الذكر والاختصاص فإن التعرض فيها إلى عقائد الآخرين وكتبهم المقدسة في غير محله ولا يمكن أن يكون علامة مودة ولا يمكن أن يتصف بالموضوعية والتجرد!!. أما فيما يتعلق بالجانب الثاني واعني به جانب المسلمين فإن المقارنة بين ما يبذله سواهم خدمة لدينهم ومعتقداتهم (ماديا وبشريا) وبين ما يبذلونه لا يمكن مقارنته إذ لا يزال التعريف بالإسلام وتقديم عطائه بمختلف أوجهه ومجالاته دون المأمول بكثير (كما وكيفا) انه اليوم لا يزال في لغة واحدة (العربية والفارسية، التركية، الأردية...) وهو في اغلبه عبارة عن حصص دينية تطغى عليها الصبغة التقليدية التلقينية الإملائية الجافة التي تكاد لا تحرك ساكنا وهي كثيرا ما تغرق في المحلية والمذهبية الضيقة يتولاها شيوخ مسنون (نحن نجلهم ونكبرهم ونحترمهم) ولكن تطعيم هذه المواد الدينية بعينات من فئات المجتمع لا يزيدها إلا ثراء ونفاذا ولا يزيد الناس إلا إصغاء لها ومتابعة لمادتها،كما أن الخروج بهذه الحصص إلى عالم الحياة الواسع الذي ما من مجال من مجالاتها إلا وللإسلام فيه هدي وتوجيه: كله سماحة وروعة وشمولية من شأن ذلك أن يجعل هذه المادة يتحقق منها المرغوب والمطلوب والذي هو تقديم الإسلام على حقيقته إذ ليس بين الناس وبين الإسلام إلا أن يتعرفوا على حقائقه ومن جهل شيئا عاداه وابتعد عنه. لقد آن الأوان لكي نقدم ديننا بلغات غيرنا من الشعوب والبلدان الأخرى بمراعاة عقلياتهم وما هم أحوج إليه حسب أولويات يمكن أن يعيننا على معرفتها أهل الذكر من أهل تلك الشعوب والأمم (وأهل مكة أدرى بشعابها) علما وأن من أبناء المسلمين ملايين من كل الفئات يعيشون خارج ديار الإسلام لا يعرفون العربية ولا أية لغة من لغات الشعوب الإسلامية وهم هناك خارج ديار الإسلام يتعرضون شبانا وكهولا ممن أحوجتهم ضرورات العيش للهجرة الشرعية وحتى غير الشرعية يتعرضون لحملات لإخراجهم من دين الإسلام واستغلال ظروفهم الصعبة. إن ما ينبغي أن يستفيد منه المسلمون هو تلك الحركية والايجابية وذلك التفاني والتجرد لدى العشرات بل المئات بل الآلاف من أتباع الديانة المسيحية الذين نذروا أنفسهم لنشر الإنجيل وإدخال الناس في الديانة النصرانية إنهم لا يملون ويعرضون على من يريدون إدخالهم في النصرانية شتى أنواع الخدمات الاجتماعية والإنسانية، تراهم يجوبون الشوارع والأزقة ويقفون في المحطات وفي الموانئ والمطارات يوزعون المطويات والكتيبات والأشرطة السمعية والبصرية بالمجان ويدلون على عناوين وهواتف وفاكسات ومواقع الأنترنات للإذاعات والمحطات التلفزية التي تبشر بالمسيحية بمختلف اللغات ولا نبالغ عندما نقول: إن هذه المحطات الإذاعية والتلفزية هي اليوم بالمئات مبثوثة في شتى أرجاء المعمورة بينما لا يزال المسلمون البالغ تعدادهم المليار وخمسمائة مليون نسمة في انتظار إحداث قنوات فضائية دينية تقدم الإسلام بمختلف اللغات تراعي عقليات الناطقين بتلك اللغات ومختلف مشاغلهم ومشاكلهم في حين أن أفرادا وشبكات وتنظيمات وفرقا ومذاهب أحدثوا الفضائيات تلو الفضائيات. إن الإعلام بمختلف وسائله التي تتطور كل يوم وكل ساعة هو سلاح العصر وهو سبيل نشر المبادئ والقيم والطبيعة كما هو معلوم ومسلم به لدى الجميع تأبى الفراغ وما لم يسارع المسلمون إلى النسج على منوال غيرهم في اقتحام هذه المجالات المؤثرة في الرأي العام والتي تدخل كل بيت فإن الغير سيواصل التقدم ولو على حساب المسلمين وسيقتحم عليهم عقر دارهم وسيفتك منهم أبناءهم وبناتهم ليس فقط خارج ديار الإسلام بل وداخلها أيضا. إننا ويا للأسف الشديد لا نزال نخاطب أنفسنا وحتى في هذه المخاطبة هنالك ما يلاحظ إنها كثيرا ما تكون منفرة ومضيقة ومشددة! في حين أن تعاليم الإسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام تأبى علينا ذلك لأنها كلها رحمة وكلها سماحة وكلها يسر وهي توجب علينا أن نكون أوفياء لها متفاعلين معها لا نترك وسيلة ولا لغة ولا أسلوبا ولا مناسبة إلا ونغتنمها لإبلاغ رسالة الإسلام للناس أجمعين دون إكراه أو إلزام.