قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم ويلقب كلابا ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب ابن فهر، وهو قريش بن مالك بن النضر بن كنانة ابن خريمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار واسمه خلدان ابن معد بن عنان . ولم يلبث بالتحقيق ما فوق عدنان. روى بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع نسبه الى عدنان، ثم قال: كذب النسابون، مرتين أو ثلاثا. وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد فذكر عدنان بن ادد، واتفق أهل الأنساب على أن عدنان من عقب بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وثبت ذلك بنص القرآن، إذ جعل العرب أبناء إبراهيم في قوله تعالى:) ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل( وفي أعلام النبؤة أن نزار كان في زمن يستاسب ملك الفرس رهينة عند عرب مكة، على عادة الأمم يومئذ في إعطائهم أشراف قومهم رهاين عند الملوك الغالبيين، وأن الملك يستاسب لقبه نزارا، وتفسيره باللغة القديمة الفلهوية يا مهزول لأنه كان نحيفا. وكان معدا أيضا قد بقي مدة رهينة عند بختنصر ملك بابل، بعد أن حارب بلاد العرب، وما رجع معد إلى قومه إلا بعد هلاك بختنصر ...... وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، فزهرة أخو قصي جد النبىء صلى الله عليه وسلم وليس لأبوى رسول الله ولد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمز رباني مشير إلى معنى فذاذته. قيل كان عمر نزار حين الخروج به إلى بابل اثنتي عشرة سنة.(I) وتوفي أبوه عبد الله في مدة الحمل،على المشهور الصحيح. وكانت وفاته في يثرب عند أخواله بني النجار. مرض في رحلته إلى يثرب وكانت أم عبد المطلب من بني النجار وهي سلمى بنت عمر والنجارية. وتوفيت آمنة ابنة وهب وعمره ست سنين. وتوفيت بموضع يقال له الأبواء بين مكة ويثرب. وكانت قدمت يثربمع عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة أخوال عبد المطلب من بني النجار. وقبرها بالأبواء وثبت في الصحيح أن رسول الله زار قبر أمه بالأبواء في طريقه في إحدى غزواته وبكى عنده. طهارة النسب الشريف لمّا جعل الله تعالى محمد أفضل رسله، وقدر أن يبعثه بشريعة هي أقوم سبله، قدر له أكمل الفضائل في ذاته وما يتصل به، وجعل في أول ذلك طهارة نسبه، حتى لا توضع جوهرته الفريدة في غير صدف أمثالها، ولا تزن بنقيصه تلتصق يبدئها أو مآلها. فأظهره من أكرم الأصلاب والأرحام، إذ لم يكن في عمود نسبه شىء مما كان عليه أهل الجاهلية من مجلبة الشكوك والأوهام، لا لأن بعض ما كانوا عليه يعد من الحرام، إذ لم يكن لهم شرعا تتمايز به الأفعال في الأحكام، بل لأن العقود المسماة بالنكاح هي أرفع مقاما، وأبعد عن أن تسام ذاما، والنسب بها أوثق اتصالا، فقصر الله تسلل رسوله على تلك الصفة لئلا يكون في نسبه غضاضة. ولا موجب انتقاص في جاهلية ولا بعدها روى عياض في الشفاء عن محمد بن السائب الكلبى النسابة أنه قال: كتبت لسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كانت عليه الجاهلية. يعني النكاح، وهو العقد على المرأة عن رضى من أوليائها، ورضى منها عانا بنية الاختصاص والدوام. فآباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاته كرام، خلاصة من قومهم وأزمانهم. وذلك قوام صفاء النسب وزكائه، فقد جمع الله لرسوله في أصوله السؤدد والصيانة، وأوفر له في نفسه الكرامة المستبانة. وأمر أمر الدين فليس بثالم لشرف العنصر، إذ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام. على أن أباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاته، ولا سيما الأذنون منهم، ماسنتوا لقومهم شركا، ولا نصبوا لهم أوثانا ; ولكنهم وجدوا الناس في حالة شرك فسايرهم. ولم تبعث فيهم رسل يدعوهم. قال الله تعالى: ) أن تقولوا ما جاءنا من بشير ونذير( وقال ) أن تقولوا لإنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة( فلا شك أنهم من أهل الفترة، وأهل الفترة الناجون من العذاب، لقوله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (. وجمهور أهل السنة يفسرون الرسول في هذه الآية بالنبىء المرسل، ولا يحملونه على أنه العقل، إذ لابد للعقول من هاد، وليس بالسهل إدراك أدلة الاعتقاد. فان استبان لأحد من أهل الفترة دليل الوحدانية بالعقل، فقد يؤاخذ جميع قومه. وعلى ذلك يحمل ما ورد في الآثار: أن عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، فعندنا النسب الشريف ما انتظم في سمطيه إلا جوهر لن تنجزه قادحة، فكانت فرائده في سائر الأجيال نيرة واضحة، وما هو النسب زكي العنصر، وما بينه وبين استبانته إلا أن يسمع واع ويرى مبصر. فإن بركته مرجوة لهم في رفع منازلهم يوم الحساب لقوله الله تعالى: ) ولسوف يعطيك ربك فترضى (، فعلى المؤمن الموفق أن يكون ممن أعرض عما يخالف هذا وأغضى.