قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : الهِجْرَة

قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : الهِجْرَة


ولمّا حل شهر ربيع الأول من سنة ثلاث عشرة من البعثة أذن الله لرسوله -صلـّى الله عليه وسلـّم- في الهجرة من مكـّة إلى المدينة. وأخبر أبا بكر بذلك فرغب في صحبته (ووجـّها راحلتيهما مع عامر بن فهيرة وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال) وخرجا في فحمة العشاء من ليلة الجمعة من شهر صفر راجلين، وواصلا غار ثور عند الفجر فباتا فيه ثلاث ليال، وخرجا من صبح ثالثة وهو صبح يوم الاثنين غرّة ربيع الأول قاصدين المدينة وقد أردف أبو بكر عامر ابن فهيرة مولاه على راحلته ودليلهما عبد الله بن أرقط، ويقال أريقط الدئلي من المشركين، وكان هاديا خريتا، أي عارفا بالمسالك، فسلك بهم طريق السواحل ما بين عسفان وملل، ولم يسلك بهم الطريق المعتاد سلوكها بين مكــّة والمدينة، وهو طريق ثنية الوداع. ولمّا علمت قريش بخروج رسول الله -صـلــّى الله عليه وسلّم- حمى غيظهم، وعلموا أنّه أفلت من بغيهم، وأنه سيكون في منعة منهم. في صحيح البخاري: عن سراقة بن جعشهم المدلجي قال: جاءنا رسول الله وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي إذ أقبل رجل منهم حتى وقف علينا فقال: يا سراقة إني قد رأيت أنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه. قال سراقة فعرفت أنهم هم، ورجوت أن ألحقهم فآتى بهما. قال: فقلت له إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم، فقال: لعله. ثمّ قمت فركبت فرسي ورفعتها تقرب حتى دنوت منهم فسمعت قراءة رسول الله -صلــّى الله عليه وسلــّم- وهو لايلتفت، فلما قربت منهم ساخت يدا فرسي في الأرض، فخررت عنها ثمّ زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يدها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يدها عنان ساطع في السماء -يعني دخانا- فناديتهم بالأمان فوقفوا حتى جئتهم، ووقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله -صلـّى الله عليه وسلــّم- فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدية لمن جاءهم بك وإني لا أريبكم ولا يأتيني مني شيء تكرهونه. ورجع سراقة وكتم أمرهم. هذا مختصر خبره، وهو في صحيح البخاري أطول. وسمع المسلمون في المدينة بخروج رسول الله -صلــّى الله عليه وسلــّم- من مكــّة مهاجرا إليهم، فكانوا يغدون كل غداء إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا الانتظار، فلما آووا إلى بيوتهم إذا يهودي كان على أطم من آطامهم بصر برسول الله -صلــّى الله عليه وسلــّم- فلم يملك اليهودي أن نادى بأعلى صوته: يــا معاشر العرب هذا جدكم أي بختكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله -صلــّى الله عليه وسلــّم- بظهر الحرة. وأقبل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم - من العرج ثمّ من ثنية الغائر فتلقاه المسلمون من ظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل قباء في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين الثاني عشر وقيل الثامن من ربيع الأول الموافق لشهر ايلول أي اشتنبر. ونزل بدار كلثوم بن الهدم، وكان يجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة المدعو ببيت الأعزب. وبقي هنالك بضع عشرة ليلة ثمّ دخل المدينة يوم الجمعة، والناس سائرون معه ما بين ماش وراكب. وصعدت ذوات الخدور على السطوح يقلن (من الرمل عروضه مجزو وضربه معرى): طلع البدر علينـــا من ثنيات الــــــوداع وجب الشكر علينا مــا دعـــــــــا لله داع أيّها المبعوث فينـا جئت بالأمـــر المُطاع وأخذ السودان يلعبون بالدرق والحراب، ونز رسول الله صلى الله عليه وسلم في دور بني النجار بدار أبي أيوب خالد بن زيد النجاي الخزرجي، ثم شرع في بناء مسجده بالمدينة وأتمه في صفر من العام المقبل وجعل بيوت أزواجه حول المسجد تفتح أبوابها الى المسجد، وجعل لكل امرأة منهن بيتا، وجعل لكل بيت حجرة، وكان كلما تزوج امراة بنى لها بيتا، ومكث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في دار أبي أيوب سبعة أشهر ثم انتقل إلى سكنى بيوته قبل أن يكمل بناء المسجد. ظهور الإسلام في المدينة دخل أهل المدينة في الاسلام أفواجا ممن كانوا مشركين ونفر من اليهود ونشأ منالك فريق لم يكن له نظير في أهل مكة ، وهو فريق أظهروا الإسلام في ظاهر أمرهم وأبطنوا الكفر. فأنبأ الله تعالى رسوله بهم ودعاهم بالمنافقين. وكان رأسهم عبد الله بن أبي سلول: اشتهر بين المسلمين بالنسبة الى أمه مع أبيه تفرقة بينه وبين أبنه عبد الله بن عبد الذي كان من خيرة المسلمين وأحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وكان المهاجرين زهاء خمسين. وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدبر أحوال المسلمين، ويقيم عماد جماعتهم، ويسوس نظامهم. واتسع نزول شرائع الإسلام، وتصرف رسول الله- عليه الصلاة والسلام- تصرف الأئمة القادة وأخذ الإسلام ينتشر في قبائل العرب الذين حول المدينة. الغَزَواتْ وغزا رسول الله صلــّى الله عليه وسلــّم غزواته للذب عن حوزة المسلمين، وخضدا لشوكة أذى المشركين. فقد كان دأبهم بعد الهجرة تأليب العرب وإغراءهم بمناوأة المسلمين. وكانوا يجدون من خداع المنافقين وكيد اليهود ما وسع أطماع أعداء الدين بانحلال عراه، وانفضاض من حوله قبل أن يبلغ منتهاه، فاطلع الله رسوله على ذلك وأمره بلإنتصار للدين، ولذلك لما غزت الأحزاب المدينة بحفر الخندق، وهزم الله الأحزاب المدينة بحفر الخندق، وهزم الله الأحزاب قال رسول الله صــلى الله عليه وسلـّم “الآن نغزوهم ولا يغزوننا”. وقد أظهر الله من نصر المسلمين مع قلتهم ما كان من معجزات هذا النبيء الكريم صـلــّى الله عليه وسلــّم. وجملة غزواته سبع وعشرون غزوة، وهي التي كان رسول الله حاضرا فيها بنفسه. وجملة السرايا التي وجهها بقصد القتال أو التطلع أو الحراسة سبع وأربعون سرية، وهي التي لم يحضرها بنفسه وأعظم الغزوات غزوة الفتح فتح مكــّة. فلما فتحت مكــّة تسارع العرب إلى الدخول في دين الإسلام أفواجا، وبدل الله بالعذب ما كان من دينهم أجاجا، وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها، وجعل بينهم أخوة ما كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها، وجعل بينهم أخوة ما كانوا من قبل يدرون لها كنها. ووفَـَدت الوفود إلى رسول الله صـلــّى الله عليه وسلــّم من جميع من أسلم من قبائل العرب وأحيائها، تتلقى ما هو للقلوب إكسير إحيائها، وتبلغ إسلام من ورائها، وتقفل إليهم بألطاف الشريعة السمحة ورونق روائها، فكان رسول الله صـلــّى الله عليه وسلــّم يرشدهم ويضيفهم وينزلهم بديار أصحابه ويجيزهم عند رجوعهم، وجعل الموكل بافتقادهم بلال بن رباح رضي الله عنه. وحجّ رسول الله - صـلــّى الله عليه وسلــّم- بالناس في السنة العاشرة من الهجرة، واجتمع في تلك الحجة من المسلمين أربعون ألفا على الأصح، وخطب في تلك الحجة خطبته العظيمة، ونزل عليه في يوم عرفة من تلك الحجة قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). شأن رسول الله صـلــّى الله عليه وسلــّم كان شأن رسول الله -صـلــّى الله عليه وسلــّم- في خارج أبياته وفي أبياته تبليغ الدعوة وإبلاغ القرآن، وتدبير أمور المسلمين وتعليم أصحابه، والإمامة بالناس، والخطبة لهم، والقضاء بين الخصوم، وقضاء حوائج أهل الحاجات، ولقاء الوفود وتدبير الغزوات والسرايا. وكان يجلس للناس في مجلسه بالمسجد صباحا ومساء إذا لم يكن قد غاب مهم للمسلمين، وكان موضع مجلسه ما بين منبره وبيت عائشة، وهو الموضع المشتهر بالروضة لقوله صـلــّى الله عليه وسلــّم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة. وكان يجلس فيه على دكانة مرتفعة متخذة من طين ويحيط به جلساؤه حلقا. وكان في بعض النهار يدخل بيوت أزواجه ويفتقد شؤونهن، ويعين على بعض عمل منزله. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسول الله إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزاء الله تعالى، وجزءا لأهله، وجزاءا لنفسه. ثمّ جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة و لا يدخر عنهم شيئا. وكان فراشه الذي ينام عليه من أدم أي جلد مدبوغ محشو بليف وفوقه مسح مثنى ثنيتين. وكان يلبس القميص ولقميصه كمـّان يبلغان إلى الرسغ وجيب وزر، ويلبس الرداء والأزار، ويجعل إزاره إلى نصف الساق. ولبس الحلـّة الحمراء والبردين الأخضرين، وكان يلبس العمامة البيضاء والسوداء ويسدل آخرها بين كتفيه، ولبس السراويل في الحضر والسفر ومدحها، فقال إني أمرت بالستر فلم أجد شيئا أستر منه. وكان يستحسن لبس البياض ويحث عليه. ولبس النعلين وكان لهما قبالان، وكان يحب النعل التي لا شعر فيها، وربما لبس النعال التي لها شعر. ولبس الخفين في الحضر والسفر، وكان يجعل في الخنصر من يده اليمنى خاتما من فضـّة وفصه حجر حبشي مكتوب فيه محمد رسول الله ثلاث أسطر ابتداء من السطر الأسفل. ولم يتخذه زينة ولكن ليختم به كتبه التي يرسلها إلى الملوك وغيرهم في مهم الأمور. وكان يحب التطيب بالمسك والعطر ويكثر دهن شعر رأسه.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.