قراءة لما تضمنه حزب اللطف للإمام الشاذلي من ضراعات وتجليات ودعوات
إن خاصية أحزاب أبي الحسن الشاذلي هي تعبيرها عما في كوامن النفس وما يتوق إليه المؤمن وما يسعى جادا للوصول إليه من المعاني التي يناجي بها ربه وخالقه مولاه سبحانه وتعالى ولأجل ذلك فإن التفاعل معها يكون كبيرا من قبل من يقرؤونها أو يسمعونها خصوصا عندما يكون ذلك في مكان مطهر معد لمثل هذه الأذكار والأوراد والأدعية وعندما لا تكون للذين يقومون بهذا العمل غاية أو هدف سوى الإحراز على مرضاة الله وقبوله واستجابته وكذلك عندما يجري هذا العمل في أجواء من الإنضباط والأدب والخضوع والوقار والسكنية. وتشريكا للقارئ في تذوق المعاني الواردة في هذا الحزب الجليل (حزب اللطف) وتبركا به -وكلنا في حاجة إلى أن نغترف من هذا المعين العذب- فإنّ حزب اللطف الذي هو اسم على مسمى ولا يزال الناس يتبركون بهذا الحزب في بيوتهم في مناسبة وفي غير مناسبة ولا يزالون محفوفين بألطاف الله الظاهرة والخفية لا يصيبهم مكروه ويخفف عنهم كل بلاء وقضاء نازل. وهل حزب اللطف وكل الأحزاب الشاذلية إلا مجموعة أدعية وضراعات إلى الله تبارك وتعالى؟ وقد صح في الحديث الشريف أن الدعاء والقضاء لا يزالان يتصارعان إلى أن يبلغا عنان السماء فيغلب الدعاء القضاء. ويصرف الله تبارك وتعالى بالدعاء القضاء فهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير. ها أنا أورد بعض ما يستوقف من هذا الحزب العظيم الشأن (حزب اللطف) : يفتح سيدي أبو الحسن الشاذلي حزبه بما ينبغي أن يفتح به كل عمل صالح بتقرب به إلى الله فيقول (بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. اللهم اجعل أفضل الصلوات وأنمى البركات في كل الأوقات على سيدنا محمد أكمل أهل الأرضين والسماوات وسلّم عليه يا ربنا بأزكى التحيات في الحضرات). ثم يبدأ أبو الحسن دعواته وتضرعاته بقوله (يا من لطفه بخلقه شامل وخيره وبره لعبده واصل لا تخرجنا عن دائرة الألطاف وأمنا من كل ما نخاف وأكلأنا بلطفك الخفي والظاهر يا باطن يا ظاهر يا لطيف أسألك وقاية اللطف في القضاء والتسليم مع السلامة عند نزوله والرضا). فأبو الحسن يطلب من ربه الذي يشمل لطفه كل خلقه والذي يصل بره وخيره إلى عبده يطلب من ربه أن يجعله دائما وأبدا في دائرة الألطاف وأن يؤمنه من كل ما يخاف وأن يكلأه بلطفه الخفي والظاهر ويسأله أن يلطف به في القضاء مع التسليم والرضا عند نزول القضاء. إنها معان عميقة وهي توحيد خالص أساسه التسليم والتفويض والرضا مع الدعاء الذي لا يعرف الإنقطاع. ويمضي أبو الحسن قائلا (اللهم إنك العليم بما سبق في الأزل فحفنا بلطفك فيما نزل يا لطيف لم يزل أحلنا في حصن التحصن بك يا أول يا من إليه الإلتجاء وعليه المعول) إنها دعوات واضحات خاضعات معبرات عما يأمله من ربه كل عبد صالح. يقول أبو الحسن بعد ذلك مخاطبا ربه (اللهم يا من ألقى خلقه في بحر قضائه وحكم عليهم بحكم قهره وابتلائه اجعلنا ممن حمل في سفينة النجاة ووقي من جميع الآفات) إنه يسأل ربه النجاة والوقاية والحمل في سفينة النجاة، إنه يفر من قدر الله إلى قدر الله ويحتمي بالله من قضاء الله. كل ذلك بدقة لا تخرجه عن الصراط المستقيم والعقيدة الصحيحة. ثم يقول أبو الحسن (إلهنا من رعته عين عنايتك كان ملطوفا به في التقدير محفوظا ملحوظا برعايتك يا قدير يا سميع يا قريب يا مجيب الدعاء أرعنا بعين عنايتك يا خير من رعي...) فعين عناية الله إذا رعت عبدا من عباد الله فإنه ملطوف به في ما قدر الله وهو محفوظ وملحوظ برعاية الله القدير السميع القريب المجيب لدعوة الداعي إذ ادعاه. ثمّ يقول أبو الحسن (إلهنا لطفك الخفي ألطف من أن يرى وأنت الذي لطفت بجميع الورى حجبت سريان سر لطفك في الأكوان فلا يشهده إلا أهل المعرفة والعيان فلما شهدوا سرّ لطفك في كل شيء آمنوا به من سوء كل شيء...) بعد ذلك وبعد هذا التوحيد والإستغراق يسأل أبو الحسن ربّه فيقول (فاشهدنا سرّ هذا اللطف الواقي ما دام لطفك الدائم الباقي) ثم يعود إلى المناجاة التوحيدية (إلهنا حكم مشيئتك في العبيد لا ترده همة عارف ولا مريد لكن فتحت لنا أبواب ألطافك الخفية المانعة حصونها من كل بلية ثم يدعو فيقول (فادخلنا بفضلك تلك الحصون يا من يقول للشــيء كن فيكون). ويعود أبو الحسن إلى المناجاة فيقول (إلهنا أنت اللطيف بعبادك لا سيما بأهل محبتك وودادك فبأهل المحبة والوداد خصنا بلطائف اللطف يا لطيف يا جواد إلهنا اللطف صفتك والألطاف خلقك وتنفيذ حكمك في خلقك حقك ورأفة لطفك بالمخلوقين تمنع استقصاء حقك في العالمين. إلهنا لطفت بنا قبل كوننا ونحن إلى اللطف غير محتاجين افتمنعنا منه مع الحاجة له وأنت ارحم الراحمين حاشا لطفك الكافي وجودك الوافي إلهنا لطفك هو حفظك إذا عنيت وحفظك هو لطفك إذا وقيت) بعد ذلك وبعد هذا الترقي في المناجاة يدعو أبو الحسن فيقول (فأدخلنا سرا دقات لطفك واضرب علينا أسوار حفظك يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف من لعبدك العاجز الخائف الضعيف. اللهم كما لطفت بي قبل سؤالي وكوني كن لي لا علي يا أملي وعوني الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز) ثم يعود إلى الدعاء فيقول (أنسني بلطفك يا لطيف أنس الخائف في حال المخيف). ثم يعود إلى المناجاة فيقول (تأنست بلطفك يا لطيف سلمت بلطفك يا لطيف أمنت بلطفك يا لطيف وقيت بلطفك الردى تحصنت بلطفك من الأعداء يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا حفيظ يا حفيظ يا حفيظ، بلطفك ربي اللطيف الحفيظ والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ. نجوت من كل خطب جسيم بقول ربي ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. سلمت من كل شيطان مارد وكفيت كل باغ وحاسد بقول ربي وحفظا من كل شيطان مارد وكفيت كل هم في كل سبيل بقول ربي حسبنا الله ونعم الوكيل بسم الله الرحمان الرحيم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمـــه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم) (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) بسم الله الرحمان الرحيم (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهـم من خوف) هكذا تتوالى في أحزاب أبي الحسن الآيات والسور التي تتناسب مع المقام الذي هو فيه والحالة التي هو عليها إنه تضمين لآيات الذكر الحكيم بين فقرات أحزابه فتأتي منسجمة متسلسلة آخذة بأعناق بعضها البعض تزيد هذه الأحزاب روعة وجمالا وتزيد تاليها والمستمع إليها بقلبه وعقله خشوعا وسكينة وطمأنينة ثم يمضي أبو الحسن بعد ذلك قائلا (إكتفيت بكهيعص واحتميت بحم عسق قوله الحق وله الملك سلام قولا من رب رحيم سلام قولا من رب رحيم سلام قولا من رب رحيم إحون قاف إدم حم هاء إمين ثم يدعو ربه بحق هذه الأسرار قنا الشر والأشرار وكل ما أنت خالقه من الأكدار (قل من يكلؤكم بالليل والنهار) اللهم بحق كلاءة رحمانيتك ورهبانيتك أكلأنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ربي هذا ذل سؤالي ببابك ولا حول ولا قوة إلا بك سيدي لا تخلني من الرحمة والأمان يا حنّان يا منّان). ويختم الإمام الشاذلي حزب اللطف بما بدأ به من الصلاة على رسول الله فيقول ( اللهم صل على من أرسلته إماما ورحمة للعالمين سيدنا محمد صفوتك وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة وسلاما دائمين متلازمين عدد رضاك عنه ورضاه عنك وعدد رضاك ورضاه عنا وعدد رضاه ورضانا في الدارين لأنك قلت وقولك الحق (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقلت وقولك الحق (رضي الله عنهم ورضوا عنه) سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين). بذلك انتهى حزب اللطف والدعاء الواقع بين الصلاتين على رسول الله في الإفتتاح والإختتام دعاء مستجاب بإذن الله وكرمه وإحسانه.