قراءة في آراء صادمة وشبهات حول سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تضمّنها كتاب "الأيام الأخيرة لمحمد" لهالة الوردي
صدر كتاب " الأيام الأخيرة لمحمد" لـ"هالة الوردي " " Les derniers jours de Muhammad " " Hela Ouardi " عن دار البان ميشال الفرنسية Albin Michel وصحبت إصداره تغطية إعلاميّة واسعة في محطات تلفزيّة (Fr24) وجرائد يومية وأسبوعية وأحاديث إذاعيّة حيث تولت المؤلفة عرض أهمّ ما انتهت إليه في كتابها من أراء قالت إنّها جمعتها من مصادر متنوعة إنكبت على البحث في ثناياها، وهي آراء إذا سلّمنا بها وتقبلناها تصبح شخصيّة محمد بما كتب عن أيّامه الأخيرة غير ما تراه وتتصوره جماهير عريضة من أتباعه ومعتنقي دينه الذين يعدّون بمئات الملايين (أكثر من مليار ونصف) في زماننا هذا فضلا عن من سبقوا من القرون الخوالي وهؤلاء في غالبيتهم العظمى إلا أقل القليل يحتلّ محمد صلى الله عليه وسلم من قلوبهم السويداء وتلهج ألسنتهم بالصلاة عليه كلما ذكر اسمه بل إنّ الكثير من الدارسين والمؤرخين المنصفين من غير المسلمين لم يتأخروا عن الإصداع بقول كلمة الحق فاختاره البعض منهم بأن يكون الأول في ترتيب المائة الأعظم ممّن أثروا في تاريخ الإنسانيّة جمعاء وعده آخرون ضمن الأبطال الذين خلّد التاريخ ذكرهم وهي شهادات لا تزيد المؤمنين بمحمد عليه الصلاة والسلام إلا تعلقا به إذ الحق ما شهد به الآخرون وهؤلاء المنصفون لا مجال للعواطف والمشاعر في أحكامهم المتجرّدة ولا يمكن اتهامهم بالتحيز.
- "الأيام الأخيرة لمحمّد" عنوان هذا الكتاب الصادر باللغة الفرنسية والموجّه إلى جمهور عريض نافذته في التعرف على نبي الإسلام هي اللغة الفرنسيّة عدد كبير منهم من أبناء الإسلام من النخب التونسيّة والمغاربيّة والإفريقيّة وزاد هؤلاء في الغالبية العظمى في الإسلام ونبيّه محدودة ومن هنا فإن المؤلفــــــــــــــة "هالة الوردي" قد بلغت غايتها وهدفها وهدف الدار الناشرة بدليل ما صحب الكتاب من دعاية وترويج وصل إلى حدّ تسجيل أسماء الراغبين في الحصول على نسخة من الكتاب في قوائم الانتظار.
- أمّا قرّاء العربية الذين أكتب لهم هذا العرض والتعريف بمضامين هذا الكتاب فإنه وقع العدول عن ترجمته ولعلّ ذلك يعود إلى ما يمكن أن يسبّبه لدى قراء العربية من سخط.
- فالكتاب في صفحاته التي تجاوزت المائتين وخمسين (250ص) وفصوله التي تفوق العشرين فصلا يحدث لدى قارئه صدمة تهزّ الثوابت بالخصوص لدى غير المختصين.
- إن المؤلفة اختارت أسلوبا هو أقرب ما يكون إلى القصص الأدبي الذي يسمح للخيال بأن ينطلق وللشكوك أن تثار إذ لا تتقيد المؤلفة بأصول البحث العلمي الموضوعي فتجعل قارئها غير المطلع الاطلاع الكافي على السيرة النبويّة يسلّم بما تريد أن تسقطه وهو خطير جدّا على الأقل على مستوى المعتقد والإيمان والمؤلفة لم تأت بجديد إذ اغلب ما أوردته من شبهات سبقت إليه من طرف العديد من المستشرقين وتلاميذهم.
- فصول كتاب الأيام الأخيرة لمحمد تحمل عناوين مثيرة منذ المقدمة (صوّر لي النبي، وتبوك الغزوة الأخيرة، دسيسة العقبة، موت ابراهيم الولد غير المؤمل!! حجة الوداع الجدران المتصدّعة، بعثة أسامة، بداية النهاية، القصّة العائلية لمحمد، البنت والصهر مصيبة الخميس، الحميراء من حلّ محلّ الرسول ؟)
ومنذ المقدمة التي اتخذت لها المؤلفة عنوانا "صور لي نبيا" كتبت تحته الآية الكريمة (قل إنما أنا بشر مثلكم) الآية 110 سورة الكهف إنطلقت في تصوير ما اعتبرته ملفتا للإنتباه ومدعاة للحيرة أو ما أسمته الثقب الأسود وهي تعني ما أحدثته وفاة رسول الله من هزّة لدى أقرب الناس إليه وهي تعني عمر بن الخطاب وأبا بكر الصدّيق وكيف أنّ عمر كذّب في البداية خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوعّد قائله وأبو بكر ظلّ متغيبا عن المدينة بعيدا عن خليله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وهو يغادر الحياة!!
وتساءلت المؤلّفة لماذا يظلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجّى ولا يدفن طيلة يومين كاملين إلى أن يتعفّن!! هكذا !! والحال أنّه توفي يوم الإثنين ودفن ليلة الإربعاء باعتبار أن تجهيزه من غسل وتكفين وصلاة عليه بكيفية تختلف عن الصلاة على سواه يقتضي وقتا أطول.
تقول كتب السيرة إن تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم تمّ بكيفية خاصّة ومن طرف أناس مخصوصين هم آل بيته علي والعباس وأبناه ثمّ صلّي عليه فرادى الأقرب فالأقرب وكذلك التداول حول مكان موازاته التراب فكل ذلك وقع و استغرق يوما ونصفا او يومين فما وجه الغرابة ؟! فقد تمت الموارة للجسد النبوي الطاهر ليلة الأربعاء.
تقول المؤلفة : جثة (cadavre) هكذا محمد بدأت في التحلّل يشتمّ في الغرفة المقفلة حيث صدرت رائحة قذرة ملأت كل المنزل!! عن جسده المسجّى وذلك في لا مبالات تامة من أصحابه!! الصفحة 15.
تقول المؤلفة في إطار استنتاجات تنتهي إليها وتلقى بها في شكل مسلمات (مشكلة المسلمين ليست في أنّ نبيهم أصبح رجلا لا أثر له، كائنا مجردا من الإنسانية خارج التاريخ).
ولأنّنا لا نستطيع أن نأتي على كل الشبهات التي أثارتها المؤلفة فنستكتفى من كل فصل بشبهة واحدة آملين أن يتعهد فريق من الباحثين الجادين ممن يجيدون اللغة الفرنسية ليقدموا بالحجج العقلية المقتنعة والنقلية الثابتة الأجوبة الشافية الضافية فيكون هذا العمل إن وقع القيام به موازيــــــــا للكتاب الأصلي وحبـــــــــذا لو ينشر الكتاب والرّد عليه في نفس الإصدار وأن يعرض الرّد على الدار الناشرة للكتاب الأصلي لتدرجه ضمن إصداراتها وإن كان ذلك مستبعد التحقيق وفي ذلك إقامة للحجة عليها أن المسلمين يؤمنون بحريّة الفكر وأن السبيل الأوحد لدحض الافتراءات هو استعمال نفس الوسائل التي تلقى من خلالها تلك الشبهات والرّد عليها بالحجة والدّليل.
- بعد المقدّمة التي وردت تحت عنوان : " صور لي نبيّا " في إشارة رمزية لا تخلو من دلالة إلى الصور الكاريكاتورية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما صاحبها من ردود فعل مختلفة.
وبصورة درامتكية مأساوية صورت المؤلفة كيف أن محمدا في الأيام الأخيرة ترك لمصيره ينتظره بمفرده وسط محيط متلهف مستعجل على رحيله !! حتى أنّ هذا المحيط من الأهل والأصحاب انصرفوا عنه وتركوه هكذا جثّة (cadavre) تصدر عنها الروائح الكريهة !! التي تعم كل الغرفة إلى أن تداولوا في أمورهم الدنيوية ليبقى مسجى وقتا طويلا حسب رأي المؤلفة وهو فى الواقع وقت معقول جدّا بالنظر إلى مكانة وخصوصية الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام فقد توفى يوم الاثنين ودفن مساء الثلاثاء.
- وتحت عنوان غزوة تبوك أوردت المؤلفة قراءة خاصّة أظهرت من خلالها أن المسلمين منوا بهزيمة نكراء في مواجهـة البزنطيين الذين تفوقوا على المسلمين في العدد والعدّة مستندة إلى قتل القادة الثلاثة (زيد بن حارثة وجعفر بن ابن طالب وعبد الله بن رواحة) معرضة عن بقية أخبار هذه المعركة التي استطاع فيها خالد بن الوليد أن يخرج بجيشه بأقل ما يمكن من الخسائر ثم ما العيب إذا انهزم المسلمون في معركة أو معركتين أو ثلاثة فانتصاراتهم أكثر رغم قلة عددهم وعدّتهم وتحاول الكاتبة أن تبث الشكوك حول علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأقرب المقربين إليه حيث رأت المؤلفة أن عدم استخلافه عليا على المدينة عند خروجه لهذه الغزوة دليل على عدم ثقته فيه وفي مؤهلاته وهو رأي بعيد تدحضه عديد النصوص الأخرى التي استدلت بها المؤلفة في فصول أخرى من كتابها.
- لقد رأت المؤلفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يقوم بالغزوات ليملأ خزائنه بالأموال ويغدقها على محيطه ليضمن انسجامهم وولاءهم الأمر الذي يدفعه إلى مجاملة الكثير منهم ويتنازل عما يطلبه من غيرهم أو يعد بعطاء البعض منهم بقصور لهم في الجنّة !! هكذا تصور لنا المؤلفة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحكم تصرّفاته إلا المادة والمادة فقط الأمر الذي تدحضه المعطيات التاريخية التي تؤكد أنه كان عليه الصلاة والسلام أزهد الناس في الدّنيا وأعرض الناس عنها.
- وتحت عنوان "دسيسة العقبة" تصور لنا المؤلفة أن رسول الله كان محاطا بوسط يدبر له المكائد ويحاول في أكثر من مرة إغتياله كما تظهر المؤلفة الروح الانتقامية هكذا لمحمد من خصومه !! حتى أنه هدم مسجدا أقاموه في قبا والحادثة معروفة تاريخيا وهو مسجد الضرار الذي شيّده المنافقون الذين أرادوا اشق صفوف المسلمين ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أعلمه الله أسماءهم واحدا واحدا فإنّه ظلّ يعاملهم بالحسنى واللين رجاء أن يعودوا إلى الصواب وقد كان بعض أصحابه يستحثونه على قتلهم ولكنه يأبى ذلك ويفوض أمرهم إلى الله ويقول لأصحابه لا أريد أن يقال محمّد يقتل أصحابه. ومضيّا في هذا النهج في ايراد الشبه تذكر المؤلفة حادثة تدعى فيها أن عمر بن الخطاب حاول حرق منزل فاطمة لموقفها من الخليفة أبي بكر !!
- وتحت عنوان "موت ابراهيم" الذي اعتبرته الأمل الضائع والذي صورته بأنه ولد من زواج غير شرعي !! هكذا كأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تعددت زوجاته لحكمة لا تخفى على أحد فهل هو في حاجة إلى علاقة غير شرعية مع امرأة رغب في الزواج منها؟.
وتوقفت المؤلفة عندما ذكرته ألسنة السوء التي انطلقت تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معتبرة أنه لا عقب له ! أبتر متناسية أن العقب من البنات أو من الأبناء هو سواء خصوصا وأنه خاتم النبيين وأبناء الأنبياء أنبياء فلا بدّ حينئذ أن يكون عقبة من غير الذكور وكفى بعقب فاطمةرفعة وعلوّا أليست فاطمة بضع منه ؟ أليس أبناؤها هم أبناؤه إنهما الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ؟
- وتحت عنوان "حجّة الوداع" عادت المؤلفة لإثارة ما رسب في القلوب والأذهان من أحقاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش التي هزمت شرّ هزيمة في بدر وغيرها من المعارك التي خاضها ضدّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتعتمد المؤلفة على أحداث ووقائع متناثرة لا ترقى إلى درجة الصحة فتربط بينها معتبرة أنها بذور فقدان الثقة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرب المقربين إليه بداية بعلي ثم أبي بكر الذي أرسل معه وقد أمره على الحجّ عليّا ليتلو على الحجيج سورة براءة التي نزلت بعد رحيل أبي بكر من المدينة إلى مكة ومرّة أخرى تعيد المؤلفة قصة "الدسيسة والمؤامرة" التي دبرت لقطع الطريق على علي في تولي الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وتحت عنوان "مؤامرة الصحيفة الملعونة" تورد المؤلفة قصة تعمل كل جهدها من أجل إعطائها الثبوتية وتتمثل في عهد أمضاه أبو بكر وعمر في مكة وأشهدا عليه عددا من الصحابة لإثبات أولويتهما بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهو ما وقع فعلا وتبنى على ذلك المؤلفة ما سبق أن أوردته من أخبار الدسائس التي دبّراها أبو بكر وعمر والتي وصلت إلى درجة التآمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتله والتخلص منه.
- وتحت عنوان "بعثة أسامة بن زيد" الذي أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إمارته على قيادة الجيش الخارج للفتح مقدّما له على أبي بكر وعمر الذين تأخرا في الخروج تحسبا منهما لما قد يجد في المدينة في استشعار منهما بقرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم !!
- وتحت عنوان "الجدران تتصدّع" صوّرت المؤلفة في هذا الفصل ما بدأ على صحة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعكر والتي تعيدها إلى حادثة تسميمه من طرف اليهوديّة والتي ظلّ يعاني آثارها إلى أن وافته المنية.
- وتحت عنوان "بداية النهاية" صوّرت المؤلفة كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيّامه الأخيرة عاش تمردا على أوامره فلم يعد يطاع مثلما كان أيّام قوته في بداية بعثته وتقع المؤلفة في تناقض عندما تورد مقولات بعض المقربين منه (أبو بكر) وكيف كان يعبر له عن استعداده لفدائه بنفسه وولده وماله.
- وفي فصل "بداية النهابة" تورد المؤلفة مواقف متناقضة فطورا تصور رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي سكن حبّه قلوب أصحابه حتى كانوا على أتم الاستعداد لفدائه بأنفسهم وتذكر في هذا الإطار كلاّ من أبي بكر وعمر وطبعا علي وفي نفس الفصل تبين أنّ رسول الله كان غليظا شديدا لا سبيل إلى الرحمة والرفق لديه !! ينتقم من خصومه شرّ انتقام !! وترى في تأملاته ودعواته وزياراته للموتى في البقيع تهيأ لرحيله وأنه يستعمل الأموال التي جمعها لشراء الذمم واستماله الإتباع!!
وفي نفس الفصل تورد المؤلفة انتزاع أبي بكر لفدك (بستان) باعتبار أن الأنبياء لا يورثون ما يتركونه صدقة وكل ذلك تورده المؤلفة لتظهر به أن في سيرة محمد وتعاليم دينه فيها التناقض والتعارض في حين أن الناظر لسيرة رسول الله طيلة حياته يرى الخلق العظيم والأدب الرفيع وهو من لقبه من عرفوه قبل بعثته بالصادق الأمين.
- وفي فصل "السيرة العائلية لمحمد" تذهب المؤلفة إلى أبعد مدى في التشكيك حتى في ميلاد محمد وتجعله ولد قبل عامين أو أربعة من موت والده !! (وتورد المؤلفة لدعم رأيها أن بغض الفقهاء يذهبون إلى أن الحمل يمتد من سنتين إلى أربع سنوات !! وهو رأي غريب وتعتبر أن الرسول نفسه قد شرع له (أي شرع للتشكيك في نسبه !!).
وتجد المؤلفة في الحياة العائلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجالا خصبا لتجعل كل شيء ممكن وأنه في بيت رسول الله وبين زوجاته من الغيرة والأفعال الشنيعة ما ينزل به (رسول الله) إلى المستوى الأدنى بل دون الأنى ضاربة عرض الحائط بما أطبقت عليه كتب السيرة والتاريخ فيما تروبه على ألسنة كل من عاشوا معه وعاشروه من قرب بداية بزوجاته وأصحابه وخدّامه حيث أجمعوا على خلقه الكريم وعلى تواضعه وعفته وغير ذلك مما استحق به أن يكون الأسوة والقدوة للناس كافة.
- إن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم كنّ ولا يزلن مجالا رحبا للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعددهن وأعمارهن (من تكبره بسنين عديدة ومن تصغره بسنين عديدة) ومن تزوجها بعد طلاقها من متبناه لإبطال عادة التبني وحادثة الإفك (بالنسبة لعائشة) وتمالى بنتي أبي بكر وعمر (عائشة وحفصة عليه إلى غير) ذلك بل تذهب المؤلفة إلى أبعد من ذلك بكثير عندما تجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رهينة لأبي بكر وعمر من خلال بنتيهما عائشة وحفصة اللتين كانت كل منهما عينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم تمدّان (أبا بكر وعمر) بالصغيرة والكبيرة من شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخباره !! إنه الجحيم يعيش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يذق طيلة حياته طعم الهناء والسعادة الزوجيّة !! هكذا تصوّر المؤلفة سيّدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بل أكثر من ذلك يصل بها الأمر إلى درجة إظهار رسول الله صلى الله عليه وسلم في مظهر من لا يهمه النيل من شرفه من طرف أقرب أصحابه إليه (فقد كان عمر حسب ما أوردته المؤلفة يغازل أم المؤمنين عائشة بمرأى ومسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) !!.
- وحتى علاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته فاطمة وصهره وابن عمه علي فإنها لم تكن على أحسن ما يرام ففاطمة ليس لها حظ من الجمال والحدّ الأدنى من القبول وقد أرغم علي على الزواج منها، وعلي نفسه كان محلّ احتقار من رسول الله !! إنه ذلك الدميم الكسول الخامل المكره على الزواج من فاطمة !! وحتى عندما أراد أن يتخذ زوجة أخرى معها فإنّ ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنيفا وشديدا حيث مانع بصفة باتة مثل هذا الزواج على ابنته !!
- في الفصول الموالية من حلّ محلّ محمد في المسجد ؟ وأصل العلة التسمّم أم الصرع؟ وموت الرسول وكيف يموت من هو شهيد علينا؟ ومراسم الجنازة، والمسلمون زذكرى محمد، وموت بنى وميلاد دين، والمصادر الاسلامية، كتابة التاريخ أو حكاية التاريخ، فإنها لم تخل جميعها من الشبه والشكوك التي تجعل من صورة محمد النبي الرسول، محمد الكمال، والجمال محمد الرحمة المهداة، تهتزّ كليّا لدى القارئ المسلم وغير المسلم من باب أولى.
والمؤلفة "هالة الوردى" في هذه الفصول الأخيرة تستعيد ما لا يزال يدور من جدل منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين مختلف الفرق التي هي في الأصل فرق سياسية. فالاختلاف ليس في الدّين ولا هو من صميمه باعتبار أن الدّين عقيدة وعبادة وخطوطا عامة في السلوك والمعاملات قد تمّ وكمل يوم نزل على رسول الله قول الله تبارك وتعالى (اليوم أكملت لكم دينكم..) وأمر الحكم وإن كان لا بدّ للمسلمين من ولي أمر إلا أنه تركت كيفيته للإجتهاد وما تمليه المصلحة. ولا أدل أن أمر الحكم هو من شؤون الدّنيا والرسول يقول (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) وأن المسلمين والصحابة للتداول خرجوا إلى ثقيفه بنى ساعدة إذ المساجد لله.
إن كتاب "الأيّام الأخيرة لمحمد" لمؤلفته "هالة الوردي" ينبغي أن لا يمرّ هكذا دون أن يصحبه النقد الموضوعي البناء وذلك عمل ينبغي أن ينهض به الباحثون المختصون من الجامعيين الذين تعتبر هذه المسائل التاريخيّة شغلهم الشاغل.
حسبنا فقط في هذه العجالة وفي هذا العرض الذي تأخر بعض الشيء هذه المساهمة المتواضعة آملين أن تعد ردود علمية باللغة التي كتب بها "كتاب الأيام الأخيرة لمحمّد" حتى لا تصبح الشبهات الواردة فيه مسلمات لدى من لم يتهيأ لهم الإطلاع على السيرة المحمدية لأسباب عدّة.