فيوضات روحية في مقام سيدي ابى سعيد الباجي عاشها حضور كبير بعد إعادة ترميمه على اثر حادثة احراقه
لم تكن الزيارة السنوية لمقام سيدي ابى سعيد الباجي بجبل المنار هذا العام كمثيلاتها في السنوات الماضية انها زيارة متميزة لأنها تاتي بعد احداث مؤلمة محزنة ومخزية تمثلت في حملة احراق وهدم طالت عديد المعالم الدينية في مختلف مدن وقرى الجمهورية بدت جليا للعيان الخيوط الخفية التي تربط بينها والتي تتجاوز البلاد التونسية إلى بلدان عربية واسلامية قريبة من تونس وبعيدة عنها (في ليبيا حيث احرقت وهدمت في نفس الفترة زوايا ومعالم دينية عريقة في طرابلس وزليتن ومصراته وغيرها وفي مالي في مدينة تمبكتو العاصمة العلمية لممالك اسلامية عديدة حكمت منطقة غرب افريقيا وبلدان ما وراء الصحراء لقرون عديدة وتركت بصماتها العلمية والحضارية التي لا تزال معالمها قائمة إلى يوم الناس هذا تتمثل في زوايا وخلوات ومحاضر تخرج منها آلاف العلماء في مختلف العلوم الإسلامية والمدنية راينا وشاهدنا السنة النيران تشتعل في ارجائها وتاتي على نوادر المخطوطات النفيسة التي هي ارث حضاري ثقافي عالمي مصنف). ولكن كل ذلك لا يعني شيئا لدى هؤلاء الذين اقدموا بدعوى محاربة الشرك والضلال والكفر!! على الاتلاف والهدم والاحراق لمعالم تحمل اسماء علماء أعلام وصلحاء كبار شهدت لهم الأمة بحسن الخاتمة (ولا تجمع امة محمد على ضلالة). ما كان التونسيون بمختلف فئاتهم يتصورون انه سياتي دور معالمهم التي تحمل اسماء علمائهم واوليائهم وصلحائهم وفعلا احرقت زاوية الولية الصالحة السيدة المنوبية واحرق مقام سيدي ابي سعيد الباجي واستهدف مقام الصحابي الجليل سيدي ابي زمعة البلوي رضي الله عنه بالقيروان هذا المقام الذي دفنت فيه مع صاحب القبر شعرات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي بضع منه وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون ويسارعون إلى حفظ شعرات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية ماء وضوئه وشيء من ملابسه، ولو كان في ذلك ادنى نيل من عقيدة التوحيد لما اتاه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه والذين لا يمكن ان يصل إلى مرتبة ايمانهم وسلامة عقيدتهم اي مسلم لا بعلمه ولا بعمله ومع ذلك فقد اوذي هؤلاء الاصحاب الكرام رضوان عليهم!! وكادت ان تنبش قبورهم، هناك في القيروان وفي قابس!! وغيرهما من حواضر ومدن هذه الربوع العربية الإسلامية التي تتشرف بانها تلقت الإسلام في سلامة عقيدته وصحتها وفي سماحة ورفق توجيهاته وهديه على ايدي هؤلاء الاصحاب الكرام وظل عبر القرون سند ابناء هذه الربوع متصلا في التعلق والاتباع لهذا السلف الصالح وهو أتباع شرعي ولا يمكن ان تتخذ ذريعة بعض ممارسات العوام من اجل هدم وحرق موروث حضاري وديني وثقافي له ابعاد رمزية وروحية عنيقة، وعالم الروح التي هي من امر ربي لا تحده الكثافات المادية، انه يتجاوز الاحجار التي تبنى منها القبور والاخشاب التي تنحت منها التوابيت. * في مقامات الصالحين والعلماء العاملين سكينة وطمانينة وعندها وفي محيطها القريب اشراقات وتجليات تخشع لها القلوب وتقشعر لها الجلود وتذرف من العيون دموع الخشية والخوف والحب والرجاء في الله السميع العليم القريب المجيب، قد يحتاج العوام الذين قال في حقهم أبو منصور الماتريدي (العوام حشو الجنة) وتمنى قبل ذلك سيدنا عمر رضي الله عنه وهو المحدث (بفتح الدال) ايمانهم لرسوخه وثباته، قد يحتاج هؤلاء إلى توجيه حكيم رفيق لين دافعه الحب اما ان نجزم ونحسم ونحكم بكفر وشرك هؤلاء فذلك ما لم يقل به جمهور علماء الأمة عبر العصور والذين منهم علماء الزيتونة من ابن عرفة إلى ابني عاشور وجعيط والنيفر وبيرم وغيرهم رضي الله عنهم. * جاء الشاذلية على سنتهم الحميدة يقودهم شيخهم سيدي حسن بن حسن حفظه الله وامد في انفاسه في الاسبوع الموالي لختم موسمهم السنوي الذي ينتظم في المقام الشاذلي ليعمروا مقام ابي سعيد الباجي بتلاوة ادعية امامهم متمثلة في حزب اللطف وهل في هذا الحزب وغيره من أحزاب ابي الحسن واستغاثاته ومناجياته إلا التوحيد الخالص والتبري الكلي من الحول والطول والاعتراف بالضعف للخالق البارئ المصور الاول الآخر اللطيف بعباده؟ ارتفعت الاصوات من الجموع الحاضرة وهي من كل الفئات والطبقات والمستويات العلمية الرفيعة جدا، ومن الذكور والاناث على حد السواء وفي مقام ابي سعيد الباجي فضاءات مخصصة لكل فئة حتى لا يقال ما يقال ويتعلل ما يمكن ان يتعلل به!! ارتفعت الاصوات بالدعاء الخاشع النابع من أعماق الاعماق بكل ما فيه خيري الدنيا والآخرة والسلامة والامان والامن والعافية والعفو والرخاء والسكينة والطمانينة والمحبة الخالصة والعمل الصالح والرحمة الشاملة والالطاف الالهية الظاهرة والخفية لمن حضر في ليلة الزيارة المباركة ومن غاب ايضا لان قلوب المحبين لله ولرسوله ولاوليائه الصالحين لا تحمل حقدا ولا كراهية ولا ضغينة، لسان حالها يردد (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون) (ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عميق). هذا هو المشرب العذب الزلال وهذا هو غذاء الارواح الذي يحتاج إليه الجميع وبه يدخلون في السلم كافة. وما احوجنا في بلادنا وسائر بلاد المسلمين إلى ذلك. * لقد كانت ليلة زيارة السادة الشاذلية: شيخا واركانا واعضادا ومريدين ومحبين من تونس ومن خارج تونس لمقام سيدي ابي سعيد الباجي رضي الله عنه ليلة ربانية روحانية لا يمكن وصف حلاوة وجمال اشراقاتها وكانت ليلة فرحة وسرور انست الجميع تلك الحادثة المفجعة المحزنة التي آلمت كل التونسيين بمختلف فئاتهم حتى من يبدون ظاهرا بعيدين عن التدين ولكن الايمان راسخ في قلوبهم وحبهم الشديد لكل ما يمت إلى الله والى رسوله واوليائه بصلة لذلك رايناهم عقب الحادث المفجع يهبون هبة الرجل الواحد للدفاع عن معلم ومقام ابي سعيد الباجي ويتطوعون لترميمه وتجديده حتى بدا اليوم اجمل مما كان عليه ورب ضارة نافعة والحمد لله على ذلك.