في سبيل خطاب ديني مواكب للمستجدات
إن المقارنة بين ما يبذله المسلمون وما يبذله غيرهم خدمة لدينهم ومعتقداتهم (ماديا وبشريا) يرى الفارق إذ لا يزال التعريف بالإسلام وتقديم عطائه بمختلف أوجهه ومجالاته دون المأمول بكثير (كما وكيفا) انه اليوم لا يزال في لغة واحدة (العربية والفارسية، التركية، الأردية...) وهو في اغلبه عبارة عن حصص دينية تطغى عليها الصبغة التقليدية التلقينية الإملائية الجافة التي تكاد لا تحرك ساكنا وهي كثيرا ما تغرق في المحلية والمذهبية الضيقة يتولاها شيوخ (نحن نجلهم ونكبرهم ونحترمهم) ولكن تطعيم هذه المواد الدينية بعينات من فئات المجتمع لا يزيدها إلا ثراء ونفاذا ولا يزيد الناس إلا إصغاء لها ومتابعة لمادتها، كما أن الخروج بهذه الحصص إلى عالم الحياة الواسع الذي ما من مجال من مجالاتها إلا وللإسلام فيه هدي وتوجيه: كله سماحة وروعة وشمولية من شأن ذلك أن يجعل هذه المادة يتحقق منها المرغوب والمطلوب والذي هو تقديم الإسلام على حقيقته إذ ليس بين الناس وبين الإسلام إلا أن يتعرفوا على حقائقه و(من جهل شيئا عاداه وابتعد عنه). لقد آن الأوان لكي نقدم ديننا بلغات غيرنا من الشعوب والبلدان الأخرى بمراعاة عقلياتهم وما هم أحوج إليه حسب أولويات يمكن أن يعيننا على معرفتها أهل الذكر من أهل تلك الشعوب والأمم (وأهل مكة أدرى بشعابها) علما وأن من أبناء المسلمين ملايين من كل الفئات يعيشون خارج ديار الإسلام لا يعرفون العربية ولا أية لغة من لغات الشعوب الإسلامية وهم هناك خارج ديار الإسلام شبانا وكهولا ممن أحوجتهم ضرورات العيش للهجرة الشرعية وحتى غير الشرعية يتعرضون لحملات لإخراجهم من دين الإسلام واستغلال ظروفهم الصعبة. إن ما ينبغي أن يستفيد منه المسلمون هو تلك الحركية والايجابية وذلك التفاني والتجرد لدى العشرات بل المئات بل الآلاف من أتباع الديانة المسيحية الذين نذروا أنفسهم لنشر الإنجيل وإدخال الناس في الديانة النصرانية إنهم لا يملون ويعرضون على من يريدون إدخالهم في النصرانية شتى أنواع الخدمات الاجتماعية والإنسانية، تراهم يجوبون الشوارع والأزقة ويقفون في المحطات وفي الموانئ والمطارات يوزعون المطويات والكتيبات والأشرطة السمعية والبصرية بالمجان ويدلون على عناوين وهواتف وفاكسات ومواقع الأنترنات للإذاعات والمحطات التلفزية التي تبشر بالمسيحية بمختلف اللغات ولا نبالغ عندما نقول: إن هذه المحطات الإذاعية والتلفزية هي اليوم بالمئات مبثوثة في شتى أرجاء المعمورة بينما لا يزال المسلمون البالغ تعدادهم المليار وخمسمائة مليون نسمة في انتظار إحداث قنوات فضائية دينية تقدم الإسلام بمختلف اللغات تراعي عقليات الناطقين بتلك اللغات ومختلف مشاغلهم ومشاكلهم في حين أن أفرادا وشبكات وتنظيمات وفرقا ومذاهب أحدثوا الفضائيات تلو الفضائيات. إن الإعلام بمختلف وسائله التي تتطور كل يوم وكل ساعة هو سلاح العصر وهو سبيل نشر المبادئ والقيم والطبيعة كما هو معلوم ومسلم به لدى الجميع تأبى الفراغ وما لم يسارع المسلمون إلى النسج على منوال غيرهم في اقتحام هذه المجالات المؤثرة في الرأي العام والتي تدخل كل بيت فإن الغير سيواصل التقدم على حساب المسلمين وسيقتحم عليهم عقر دارهم وسيفتك منهم أبناءهم وبناتهم ليس فقط خارج ديار الإسلام بل وداخلها أيضا. إننا ويا للأسف الشديد لا نزال نخاطب أنفسنا وحتى في هذه المخاطبة هنالك ما يلاحظ إنها كثيرا ما تكون منفرة ومضيقة ومشددة! في حين أن تعاليم الإسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام تأبى علينا ذلك لأنها كلها رحمة وكلها سماحة وكلها يسر وهي توجب علينا أن نكون أوفياء لها متفاعلين معها لا نترك وسيلة ولا لغة ولا أسلوبا ولا مناسبة إلا ونغتنمها لإبلاغ رسالة الإسلام للناس أجمعين دون إكراه أو إلزام.