في رياض السنة:من أعمال الخير المحققة لرضوان الله

في رياض السنة:من أعمال الخير المحققة لرضوان الله


عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها”.رواه مسلم هذا الحديث الشريف من جوامع كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من هديه عليه الصلاة والسلام في إرشاد أمته إلى أبواب الخير والصلاح والفلاح وإحراز مرضاة الله سبحانه وتعالى وفي الحديث ترغيب وتبشير وتيسير لمن يريد من عباد الله أن يجني الثواب الكبير مقابل العمل اليسير والسهل كما أن هذا الحديث يجمع للمسلم خيري الدنيا والآخرة. * فالطهور الذي هو فعل الطهارة يرفعه الله تبارك وتعالى إلى درجة نصف الإيمان والإيمان المراد به الصلاة. فالإسلام يجمع للمسلم بين الطهارة المادية والحسية المتمثلة في إزالة كل أنواع الأوساخ والقاذورات والنجاسات وهو مطلب مدني حضاري مادي عاجل محسوس وملموس وآثاره الايجابية على سلامة وصحة وجمال القائم به لا تخفى على احد ولا يختلف فيها اثنان وتلك هي روعة الإسلام وعظمته إذ يجعل من طاعة الله والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه تتحقق بها مصالح عاجلة دنيوية حسية يقتنع بها ويأتيها كل عاقل متحضر ومتمدن وهي وإن لم تكن غاية في حد ذاتها إلا أن فوائدها لا تخفى على احد. إن الإسلام يجعل من الطهارة الحسية سبيلا لتحصيل الطهارة المعنوية والخلقية التي هي الغاية والهدف ويرفع الإسلام هذه الطهارة إلى درجة الواجب “وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”. والطهور هنا ينبغي أن يحمل على إطلاقه ليشمل الغسل والتيمم والطهارة من الخبث فضلا عن الوضوء الشرعي المصحوب بنية والذي وهو بكيفية معينة الشأن فيها الإتباع لا الابتداع مثل كل العبادات والطاعات المقربة إلى الله سبحانه وتعالى. ومعنى الطهور شطر الإيمان أي الوضوء شطر الصلاة وكل عمل يأتيه المؤمن إذا اقترن بنية التقرب إلى الله يكتب للقائم به الحسنات. ومن مكفرات الذنوب إسباغ الوضوء وتجديده باعتبار أن الوضوء سلاح المؤمن الذي يمنعه من الاقتراب من كل ما يمكن أن يفسده من خطرة أو كلمة أو حركة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن والوضوء شعار أمة محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إذ يدعى المؤمنون بالغر المحجلين من اثر الوضوء والتعبير عن الصلاة بلفظ الإيمان ورد في القرآن في قوله جل من قائل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة إلى بيت الحرام والصلاة هي علامة الإيمان ومظهره الأجلى والأوضح وقد ورد في الحديث الشريف “بين العبد والكفر ترك الصلاة” وقد فصل الفقهاء القول في أنواع الترك للصلاة واعتبروا بالإجماع بأن التارك للصلاة إنكارا لوجوبها على المسلمين خارج من الملة باعتباره منكرا لمعلوم من الدين بالضرورة. وقد وردت كلمة الطهور بمختلف مشتقاتها في مواضع عديدة من كتاب الله العزيز ذكر منها الشيخ الشبرخيتي عند شرحه لهذا الحديث: * الطهور من الشرك كقوله تعالى في البقرة (وطهر بيتي للطائفين) أي من الأوثان وقال (في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة) يعني من الشرك والكفر في طهور القلب من الريبة كقوله تعالى (ذلك أزكى لكم واطهر والله يعلم وانتم لا تعلمون) وقال في الأحزاب (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك اطهر لقلوبكم وقلوبهن) أي من الريبة. * الطهور بمعنى الحل كقوله تعالى في سورة هود (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) يعني أحل. * الطهور من الذنب كقوله تعالى في براءة (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) أي من الذنوب. * الطهور من الحيض كقوله تعالى في البقرة (لهم فيها أزواج مطهرة) أي من الحيض. * الطهور بمعنى التنزه عن إتيان الرجال في الأدبار كقوله تعالى في الأعراف (اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) أي يتناهون عن إتيان الرجال في أدبارهم. * الطهور من جميع الأحداث كقوله تعالى في الأنفال (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) يعني من الأحداث والجنابة. * الطهور بمعنى الاغتسال كقوله تعالى في البقرة (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) أي اغتسلن. * الطهور بمعنى الاستنجاء كقوله تعالى في براءة (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) يعني يغسلوا اثر البول والغائط. * فالطهور والطهارة تعني النظافة الحسية وهي سبيل لتحقيق الطهارة المعنوية والنظافة مطلب من المطالب الحضارية يوليها الإسلام عناية كبرى ويدعو إلى تحقيقها في سائر أحوال وأوضاع المسلم وحيثما كان وحل إذ النظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان والنظافة سبيل لتحقيق الجمال الذي هو أيضا مطلب ديني “فالله جميل يحب الجمال” وكل ما يمكن أن يخالف ويناقض النظافة والجمال نهى عنه الإسلام وحرمه على المسلم واعتبره فسادا وإفسادا والفساد إنما ظهر بفعل الإنسان يقول جل من قائل (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في النظافة كما ورد في عديد الأحاديث مادة ثرية جديرة بأن يستفيد منها المسلمون فيما يرومونه اليوم لمدنهم وأحيائهم وسائر مرافقهم العامة والخاصة من جمالية فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبول في الماء الراكد وفي الظل واعتبر عليه الصلاة والسلام إماطة الأذى من الطريق من شعب الإيمان وعلاماته ودرجاته. والمسلم المحافظ على صلواته الخمس المتطهر لها طهورا اكبر واصغر والنظيف في ملبسه وموضع صلاته والأرض كلها في الإسلام مسجد قال عليه الصلاة والسلام (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) إن المسلم المحافظ على صلاته امتثالا لأوامر ربه نظيف بالضرورة انه نظيف في ذاته وغير متسبب في كل ما يحيل النظافة إلى عكسها وهي الوساخة والقذارة والمجتهد في تحقيق النظافة الحسية منته بإذن الله إلى تحقيق النظافة المعنوية أي الأخلاقية والسلوكية قولا وفعلا. * “والحمد لله تملأ الميزان”: والحمد لله الذي يملأ الميزان “ميزان أعمال صاحبه” هو الحمد الحقيقي حمد الحال لا حمد اللسان وهو الحمد الكامل المستغرق لكل معاني الحمد والحمد لا يكون إلا لله وهو غير الشكر وقد علم المولى جل وعلا عجزنا عن حمده فانزل علينا في كتابه العزيز ابلغ صيغ الحمد حيث قال (الحمد لله رب العالمين الرحمان الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وجعل الله الصلاة لا تصح إلا بفاتحة الكتاب في كل ركعة وجعل الفاتحة “تغليبا” هي الصلاة حيث قال في الحديث القدسي (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي شطرين ولعبدي ما سأل. إذا قال عبدي الحمد لله رب العالمين يقول الله: حمدني عبدي) إلى آخر الحديث القدسي المعروف. وفي الحمد لله وردت صيغ عديدة منها: الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده. الحمد لله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم. اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.* “وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض”: وقد ورد في فضيلة التسبيح لله أحاديث عديدة منها قوله عليه الصلاة والسلام: “من قال سبحان الله فله عشر حسنات ومن قال لا اله إلا الله فله عشرون حسنة ومن قال الحمد لله كتب له ثلاثون حسنة”. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال سبحان الله وبحمده كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت احد بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه.وحمد الله وتسبيحه من الأذكار وقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يذكروه “اذكروني أذكركم” “اذكروا الله ذكرا كثيرا” “الذاكرين الله كثيرا والذاكرات” وما أكثرها الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعية للمسلم كي يكون لسانه رطبا بذكر الله وقد وعد الله سبحانه وتعالى من يجلسون في حلقات الذكر بأن تغشاهم السكينة وتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده.واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقات الذكر رياضا من رياض الجنة (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر). وسبحان الله والحمد لله وغيرهما من الصيغ التي ورد الأمر بها فهي تمثل قمة الطاعة لله والتقرب إليه والذكر لله هو السبيل الموصل إلى الله. فكيف لا تملأ سبحان الله والحمد لله ما بين السماء والأرض بالأنوار والبركات والرحمات والتجليات؟؟ “والصلاة نور”: والصلاة المستوفية لشروطها وأركانها الحاضر فيها القائم بها ومؤديها مع ربه حضورا كاملا هي ولاشك نور في الدنيا وفي الآخرة: هي نور في القبر وفي عرصات القيامة قال أبو ذر رضي الله عنه: “صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر وفي عرصات القيامة”. وفي الخبر “بشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة”. وقال عليه الصلاة والسلام “من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة”. وقال: “إذا حافظ العبد على صلاته فأتم وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له حفظك الله كما حفظتني وصعد بها إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى الله تعالى لتشفع لصاحبها”. * “والصدقة برهان”: إنها العلامة والبرهان على إيمان المتصدق وذلك أن المتصدق جاء بما عنده امتثالا لأمر ربه الذي يدعوه إلى البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله إيثارا لما عنده سبحانه وتعالى (وما عند الله خير وأبقى) وعد الله سبحانه وتعالى من ينفقون أموالهم سرا وعلانية لوجه الله (إنما نطعمكم لوجه الله) بأن يضاعف لهم الثواب أضعافا مضاعفة (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء). إن الصدقة تطفئ غضب الله وتقي مصارع السوء ويداوى بها المرضى “داووا مرضاكم بالصدقة”. * “والصبر ضياء”: وقد أمر الله تبارك وتعالى عباده بالصبر والمصابرة (اصبروا وصابروا) ووعدهم بان يؤتيهم أجرهم بغير حساب وبشرهم بعاقبة الصبر التي هي الأجر والثواب والفوز المبين والنجاة والنجاح (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (إن الله مع الصابرين) والصبر لا يكون إلا بالله (اصبر وما صبرك إلا بالله) وقد أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بالصبر وقال (واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) إن عواقب الصبر طيبة إذ الصابر مفوض أمره لربه راض بقضائه وقدره محتسب لما أصابه يقول عليه الصلاة والسلام: “أشدكم بلاء الرسل ثم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه فإذا وجد فيه صلابة زيد له”. * “والقرآن حجة لك أو عليك”: نعم إن القرآن الكريم هو العروة الوثقى وهو الحجة البالغة فمن عمل به واحل حلاله وحرم حرامه وامتثل لأوامره كان القرآن حجة له ومن خالف أوامره واتى ما حرمه الله في كتابه واعرض عن هديه القويم فالقرآن حجة عليه وويل ثم ويل لمن كان القرآن حجة عليه. نسأل الله العافية والعفو. * “كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها”: إن كل الناس لا يخرجون في أحوالهم عن حالتين: حال من يعتق رقبته من عذاب الله بما يقدمه من عمل صالح فنعم البيع هذا البيع أو مهلكها بما أتاه من ذنوب ومعاص وما اقترفه من سيئات فهو الهالك وهو من تكون عاقبته الخسران المبين. نسأل الله أن يجعلنا من عباده المتقين الناجين من عذابه وشديد عقابه انه سبحانه وتعالى سميع مجيب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.