في رياض السنة: قيمة الحب وأهميته في دين الإسلام

في رياض السنة: قيمة الحب وأهميته في دين الإسلام


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم). رواه مسلم في هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه يرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى ما به يتحقق لهم به حب بعضهم البعض وقبل أن نبين هذا الذي يتحقق به التحابب بين المؤمنين وهو إفشاء السلام نبين منزلة الحب المتميزة في دين الإسلام، ولاشك أنها كذلك في كل الديانات السماوية التي تتحد في مصدرها، فهي كلها في عقيدة المسلمين من عند الله أرسل من اجل تجسيمها في الواقع الأنبياء والمرسلون عليهم السلام، فالحب لا يمكن أن يكون خاصية دين واحد من الأديان السماوية دون بقية الأديان وذلك ما يذهب إليه البعض ويتباهون به، في حين أن الحب قيمة أساسية مركزية في كل الأديان السماوية. * فالمسلم مثلا مدعو بنصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية العطرة إلى أن يحب ربه الذي خلقه وسواه وغمره بالنعم الظاهرة والخفية، والأنفس السوية مجبولة على محبة من أحسن إليها وهل هنالك من هو أكثر احسانا للعبد من ربه جل وعلا؟ فهو سبحانه وتعالى مسبغ النعم وهو القائل (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). * والمسلم مدعو إلى أن يحب من كان سببا في هدايته وخروجه من الضيق إلى السعة ومن الجور إلى العدل من أرسله الله بشيرا ونذيرا وبعثه رحمة للعالمين وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن حلاوة الإيمان وتذوقه تتحقق بأن يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمن مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار. * وقد تعددت الآيات والأحاديث التي تدعو إلى ترسيخ الحب في قلب المؤمن. وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى [وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ) وهو حديث صحيح رواه الإمام مالك في الموطأ. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: (المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) رواه الترمذي كما جاء في الحديث الشريف أنه من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه). وفي سبيل تمتين العلاقة بين المؤمنين وجعلها خالصة لوجه الله لا تشوبها شائبة ارشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن المسلم إذا أحب أخاه المؤمن لوجه الله عليه أن يخبر أخاه بذلك فعن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) رواه أبو داود والترمذي. واخبر معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ: لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول (اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). ويمضي رسول الله صلى الله عليه سلم في مجال ترسيخ هذه القيمة (قيمة الحب) في قلوب المؤمنين فيدعو المسلم أن يحب حتى مع الجماد فقال عليه الصلاة والسلام (أحُدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه، أحُدٌ معي في الجنة). فالمسلم يحب كل الناس ويحب كل شيء ولا يكره إلا الكفر والضلال والشر والضرر بالنفس وبالناس أيا كانوا هؤلاء الناس حتى أولئك المبتلين المغلوبين المسرفين فهؤلاء لا يحقد عليهم ولا يكرههم وإنما يشفق عليهم ويدعو لهم بالهداية مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الطائف عندما قال (اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون) ومع قريش عندما فتح الله عليه مكة المكرمة حيث قال لهم عليه السلام والسلام وقد وقفوا بين يديه صاغرين (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فانتم الطلقاء). إنها النبوة التي هي حلم وعفو وصفح ودفع بالتي هي أحسن جسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن حبه في قلوب الجميع. * إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو زاد المسلم الذي يرجو أن يلاقي عليه ربه فقد سال احد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ قال السائل: حب الله ورسوله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشر أنت مع من أحببت). * إن الإيمان والحقد والكراهية لا يجتمعان في قلب مؤمن إذ لا يفوز ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، لا حقد فيه، ولا بغضاء فيه فقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ذلك الداخل على الصحابة في المسجد وهو يقطر ماء صلى ثم انصرف وفي كل مرة يكون الداخل هو نفس الشخص ولما اتبعه أحد الصحابة ليرى عن كثب ما الذي اوصله إلى هذه الدرجة لم يجده يزيد على آداء ما فرض الله عليه ولكنه لم يبت ليلة من الليالي وفي قلبه ضغينة على احد من عباد الله وما تقلب في فراشه إلا ذكر الله. وهذا الحب للمؤمنين جسمه في الواقع الأنصار من أهل المدينة مع إخوانهم المهاجرين من أهل مكة الذين تركوا الأهل والمال وفروا بدينهم فوجدوا من إخوانهم المهاجرين كل ترحيب ومحبة مجسمين بذلك هدي الإسلام الذي ارشد إليه كتاب الله (إنما المؤمنون إخوة) ودعا إليه سيد الأنام عليه الصلاة والسلام الذي آخى بين الأنصار والمهاجرين وكان ذلك أول ما بادر إليه عليه الصلاة والسلام بمجرد أن استقر به المقام في المدينة المنورة. وقد سجل الكتاب العزيز للأنصار رضي الله عنهم هذه الروح من المحبة الخالصة لوجه الله فقال جل من قائل (والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم) الحشر. وبهذا الصنيع استحق الأنصار أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البراء بن عازب رضي الله عنه انه قال في الأنصار (لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله) متفق عليه. وهذا الحديث الذي يرويه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه يقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي نفسه بيده وهو الله عز وجل وهو يخاطب الصحابة (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) والإيمان هو حجر الزاوية وان الإيمان لا يتحقق حتى يحب المؤمنون بعضهم البعض (حتى تحابوا) ثم أرشدهم إلى سبيل تحقيق هذه المحبة: (هل أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)؟ والسلام هو اسم من أسماء الله والجنة هي دار السلام وتحية المسلمين هي السلام عليكم ودعاء المسلمين هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا بالسلام وأدخلنا الجنة دار السلام).



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.