في رياض السنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله تكن اعبد الناس
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلم من يعمل بهن قال أبو هريرة قلت:”أنا يا رسول الله فاخذ بيدي وعدّ خمسا قال: اتق الله تكن اعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" رواه الترمذي هذا الحديث من جوامع كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وراوي الحديث هو الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه الذي كان من أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان رضي الله عنه يتخذ من المسجد مستقرا ومقاما إذ هو من أهل الصفة (وهو مكان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فقراء الصحابة يتخذونه مكانا إليه يأوون) وقد تهيأت لأبي هريرة بهذه الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرصة أن يتلقى عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من غيره من بقية الصحابة الذين ينصرفون إلى أعمالهم وتدبير ما أفاء الله به عليهم وقد وهب الله لأبي هريرة حافظة قوية جعلته يبلغ بدقة وضبط ما تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا غرابة أن يكون أبو هريرة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه سلم. وقد ناصب أعداء السنة النبوية الطاهرة الصحابي الجليل أبا هريرة رضي الله عنه العداء واتهموه بما هو منه براء وهم من وراء ذلك يحاربون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي البيان لما انزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن كريم لا يكتمل معناه ومراد الله به إلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتبين للناس ما نزل لهم). هذا الحديث جاء في شكل عرض كريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهل يعرض عليهم عليه الصلاة والسلام إلا ما فيه صلاحهم وفلاحهم لقد دعاهم (ودعا الأمة من خلالهم) لما يحييهم جاء ذلك في شكل سؤال مننه عليه الصلاة والسلام من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟ وكان المبادر والمسارع إلى تلقي عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو هريرة رضي الله عنه قال أبو هريرة قلت: أنا يا رسول الله فأخذ بيدي وعدّ خمسا. أولى الكلمات: اتّق الله تكن اعبد الناسنعم فالتقوى هي ثمرة العبادة وهي لبها وجوهرها وهي علامتها الحقيقية. والتقوى هي الخشية والخوف من الله، وهي تقوى تحجز صاحبها عن أن يأتي ما يغضب الله مما نهى عنه عباده من مختلف التصرفات: أقوالا وأفعالا. وقد ارشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محل التقوى حين قال: التقوى ههنا وأشار إلى قلبه وقال (ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) وقال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى وجوهكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم التقوى هي سلم التفاضل بين الناس (إن أكرمكم عند الله اتقاكم). فأعبد الناس لله تبارك وتعالى من يتق الله ويخشاه فتحول تقواه لله دون وقوعه فيما يغضب الله من المعاصي والذنوب وتدفعه تقواه إلى فعل الخيرات وتحصيل الحسنات. ثاني الكلمات هي: ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناسفالغنى الحقيقي هو غنى القلب والمؤمن الحق هو من يسلم بما قسم الله لعباده وما كتبه لهم فهو القائل عز وجل (وما من دابة في الأرض ألا على الله رزقها) وفي الحديث الشريف (إن الملك يكتب للإنسان رزقه واجله) وهو لا يزال جنينا في بطن أمه، فالغنى الحقيقي يتمثل في تلك الطمأنينة والراحة النفسية وذلك الرضا بما قسم الله بين عباده، وهي قسمة عادلة والمؤمن الحق يعتقد بيقين انه لن يخرج من الدنيا قبل أن يستوفي رزقه وأجله، والإنسان يطلبه رزقه كما يطلبه اجله. المؤمن الحق لا يخشى الفقر الذي يعد به الشيطان ضعاف الإيمان فيجعلهم يبخلون فيجمعون ويمنعون أما المؤمنون حقا فهم أغنياء حتى ولو كان ما بين أيديهم قليلا. ثالث الكلمات: وأحسن إلى جارك تكن مؤمناوالجار له على جاره حقوق كثيرة ارشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة وقد حذر عليه الصلاة والسلام من إلحاق الضرر بالجار فقال: (لا يؤمن بي من لا يأمن جاره بوائقه (شره)) وقال: (لا يؤمن بي من بات شبعانًا وجاره إلى جنبه جائع) وقال (لازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) وأولى الأجوار بحسن المعاشرة والمواصلة الأقرب فالأقرب ويمتد الجوار إلى أربعين جارا، وكل الأجوار لهم الحق: الجار القريب والجار غير القريب والجار المسلم والجار غير المسلم. رابع الكلمات: وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماوأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين بعضها البعض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المتحابين فيه بأنهم (سيظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) فمن يحب للناس ما يحب لنفسه من خيري الدنيا والآخرة هو المسلم حقا. خامس الكلمات: ولا تكثر الضحك فان كثرة الضحك تميت القلبوالتحذير في هذا الحديث هو من كثرة الضحك وليس من الضحك المعتاد والمعقول فذلك داخل في الترويح المشروع (روّحوا النفوس ساعة بعد ساعة) الإكثار من الضحك هو علامة الغفلة وعدم التقدير لما ينتظر الإنسان في آجل حياته من حساب على كل ما أتاه من تصرفات وكيف يكثر من الضحك من وراءه الموت وسكراته والقبر وظلماته والبعث وأهواله والحساب وموازينه؟ وكثرة الضحك تميت القلب تلك هي الكلمات التي تلقاها أبو هريرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغها ولاشك انه قد عمل بها رضي الله عنه.