في رياض السنة: الحقوق الستة للمسلم على المسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم علي المسلم ست: قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فاجبه وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)رواه مسلم والبخاري هذا الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يندرج ضمن الهدي النبوي في مجال الأدب والمعاملة، وهذا المجال من السنة النبوية الطاهرة ميدان فسيح غزير المادة يجد فيه المسلم أيا كانت مكانته ومنزلته ومن أية فئة عمرية واجتماعية كان معينا لا ينضب يتحقق به له الارتواء والاهتداء الذي يغنيه عن الالتفات إلى سواه. انه هدي من أدبه ربه فأحسن تأديبه وجعله على خلق عظيم وعلمه ما لم يكن يعلم فهو لا ينطق عن الهوى، انه هدي المبرإ من كل عيب، هدي من جعله الله حجة على عباده واتخذه لهم أسوة فقال جل من قائل (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) وقال على لسانه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) صلى الله عليه وسلم. إن هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إتباعه والاستنارة به السلوك للطريق القويم والصراط المستقيم، انه هدي يتلاءم مع الفطرة السليمة التي هي النقاوة والطهارة والتي هي المحجة البيضاء. هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقي مع ما ينتهي إليه العقل السليم والتفكير القويم. ولن تجد البشرية في ما جاء به وتوصل إليه بنو الإنسان من كل الأجناس والألوان والثقافات والديانات أعظم وأجمل وأروع من هدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. إنها ثروة عظيمة بين أيدي المسلمين لم يستفيدوا منها الاستفادة الكاملة ويا للأسف الشديد فسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو معلم الناس الخير لقد أنقذ الله به الناس من الكفر والضلالة ورسم لهم عليه الصلاة والسلام كيفية عبادة الله العبادة السمحة التي تتحقق بها مرضاة الله ولا يتقبل الله من عباده سواها قال جل من قائل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقال عليه الصلاة والسلام (وما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه) فإذا ما آمن المسلم بربه الإيمان الذي لا تشوبه أية شائبة من شرك وإذا ما أدى ما فرض الله عليه من عبادات: صلوات خمس وصيام شهر رمضان وأداء الزكاة وحج البيت وكل ذلك حسب قدرته واستطاعته إذ (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). إذا ما فعل المسلم ذلك على أحسن الوجوه وأتمها والله تبارك وتعالى (لا يتقبل من العمل إلا أصوبه وأخلصه) فسيكون لذلك ولا شك أطيب الأثر على سائر تصرفاته ومعاملاته وأخلاقه وحينئذ يجب على المسلم أن يلتفت إلى جانب عظيم من جوانب الدين يقل مع الأسف الشديد الاهتمام به من طرف غالبية الناس وهو لعمري الغاية والهدف من الدين كله وقد جعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرض من بعثته انه جانب الأخلاق، يقول عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) إنها المعاملة، والدين إنما يتجلى بوضوح في المعاملة فللعقيدة السليمة وللعبادة الصحيحة الخالصة الأثر الكبير في سلوك المسلم وفي تهذيب أخلاقه. فعلاقة المسلمين ببعضهم رسمت معالمها آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث الشريف الذي يرويه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه يرسم بعضا من معالم هذه العلاقة في جانب من جوانبها. إن هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان كيفية التعامل بين المسلمين مجال جدير بان ينكب عليه الواعظون والمرشدون والموجهون بمختلف الوسائل على منابر الجوامع والمساجد وفي حلقات الدرس وبواسطة المحاضرات والندوات والحصص الدينية وما أكثرها اليوم ولكن ما اقل اهتمامها بهذا المجال المفيد للمسلم في عاجل حياته وفي آخرته! ولئن بينت آيات عديدة وأحاديث كثيرة ما يحرم على المسلم نحو أخيه المسلم وهو داخل ضمن الهدي النبوي حيث ينهى المسلم أولا وقبل كل شيء عن إتيان أي ضرر وفعل بلسانه أو بيده، وبعد تحقق الانتهاء والاجتناب للشر يأتي فعل الخير وما أوسع مجالاته وميادينه، الانتهاء من الشر يبتغي أن يكون كليا (نهيتكم عن أشياء انتهوا عنها جميعا وأمرتكم بأشياء آتوا منها ما استطعتم). بدأ الحديث بقول الرسول صلى الله عليه سلم (حق المسلم على المسلم ست)، وهي ست في هذا الحديث ولكنها أكثر من ست كما جاء في أحاديث أخرى وهي تكمل بعضها البعض. كان جواب الصحابة (قيل ما هن يا رسول الله؟) وهذا هو المتوقع من الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا حريصين على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين سلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى ما يحييهم الحياة الكريمة والتي فيها رضوان الله وحسن جزائه: الحق الأول للمسلم على المسلم: السلام عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لقيته فسلم عليه) والسلام تحية المسلمين، وهي تحية تتضمن الخير كله، وهل هناك خير من السلام؟ فالسلام ينشده الجميع وهو المحقق للوئام والطمأنينة، لذلك يطلبه كل إنسان ودعاء المسلم هو (اللهم حينا بالسلام وأدخلنا الجنة دار السلام) وإفشاء السلام بين المسلمين محقق للمحبة بينهم ولا إيمان من دون حب للمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تؤمنوا حتى تحابوا آفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم). الحق الثاني للمسلم على المسلم: إجابة دعوته قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (وإذا دعاك فأجبه) فإجابة الدعوة (بمعنى الضيافة) واجبة على المسلم ولا يخفى ما في ذلك من تأليف للقلوب (توادوا تحابوا) وفي ذلك تجسيم لخلق عظيم من أخلاق الإسلام ألا وهو الكرم الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) وبشر عليه الصلاة والسلام الكريم فقال: (الكريم قريب من الناس قريب من الله قريب من الجنة) ففي تلبية الدعوة مد لجسور التواصل والتوادد وذلك لا شك سبب للتحابب. الحق الثالث للمسلم على المسلم: النصح له قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (وإذا استنصحك فانصح له) والنصيحة واجبة في دين الإسلام وهي علامة الإيمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله لكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فإذا طلب المسلم النصيحة في أي أمر من الأمور وجب علينا أن لا نبخل عليه بها وذلك في حدود ما نعلم ونعرف دون غش ومغالطة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منا) والنصيحة ينبغي أن يتوخى فيها الناصح الرفق واللين وعدم التشديد والفضاضة. الحق الرابع للمسلم على المسلم: تشميته إذا عطس قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (وإذا عطس فشمته) وهذا أدب من آداب الإسلام ارشد إليه سيد الأنام عليه الصلاة والسلام حيث أن في التشميت، وهو قولنا له (رحمك الله) إذا عطس، تذكير له بلطف الله وبنا في تيسير هذه العملية (العطاس) التي تبدو لنا بسيطة وهي لا شك دقيقة جدا (تسريح عروق الدماغ الذي لا يكون إلا بالعطاس) يقع الهلاك المحقق دونها ولكن لطف الله ورحمته تجعل الأمور تتم بيسر وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي بسلامة فسبحان الله اللطيف الرحيم، فإذا حمد العاطس ربه وجب علينا أن نقول له رحمك ورحمنا الله. الحق الخامس للمسلم على المسلم:عيادته إذا مرض قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (وإذا مرض فعده) فعند رؤوس المرضى استجابة الدعاء يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم مرضت ولم تعدني فيقول العبد كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول الله أما علمت أن عبدي فلان مرض أما إنّك لو عدته لوجدتني عنده) بمعنى وجدت رحمتي وقبولي ورضواني ففي عيادة المريض مواساة له ووقوف بجانبه، ولا شك أن ذلك سيترك في نفسه أطيب الأثر وفي أنفس أهله وذويه. إنها علامة مؤازرة وتضامن وتفاعل إذ (مثل المؤمنين المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى) وينبغي أن يكون في العيادة للمريض التذكير والمواساة والدعاء له مما يجعلها تؤتي ثمرتها المرجوة، ولا يخفى ما في عيادة المريض من منفعة عاجلة للذي يقوم بها، فيكون في حال المريض ما يعظ من يعوده فيجعله لا يغتر بصحته وعافيته التي لابد أن يعتريها في يوم من الأيام التعكر. الحق السادس للمسلم على المسلم: إتباع جنازته قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (وإذا مات فاتبعه) وإتباع الجنائز باب من أبواب البر ففضلا عما فيه من الترحم على الميت بالصلاة عليه والدعاء له فان فيه مواساة لأسرة الميت وأقاربه، ويقع بإتباع جنازة المسلم إلى مثواها الأخير بين القبور الاعتبار فكل حي يموت وكل من عليها فان ولا يبقى إلى وجه الله ذو الجلال والإكرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنتم نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) فان زيارة القبور تذكر بالموت الذي هو حق وهو آت لا محالة فلا بد للمسلم أن يعمل له ولما هو بعده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذكروا هادم اللذات) يعني الموت.