في رياض السنة:“أعطوا الطريق حقّه”...

في رياض السنة:“أعطوا الطريق حقّه”...


عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس بالطرقات فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقّه، قالوا وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال غضّ البصر وكف الأذى وردّ السّلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.رواه البخاري ومسلم إن هذا الحديث الشريف الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم رضي الله عنهما قي صحيحيهما يندرج في باب الهدي المحمدي في السيرة والسلوك وما يأتيه المسلم في حياته اليومية من تصرفات تبدو لأول وهلة إنها ليست من الدين وهي في الحقيقة والواقع عين الدين وصميمه باعتبار أن الدين هو ما يتعبد به الله ويتقرب به إليه ليس فقط ما يتمثل في الشعائر (صلاة وصياما وزكاة وحجّا) ولكن أيضا سائر التصرفات الأخرى مما يدخل في مجال التعامل بين الناس، فكل ذلك عبادة وقربى إلى الله إذا ما اقترن بالنية هذه القاعدة والأساس وحجر الزاوية في كل تصرفات الإنسان، النية وهي القصد من التصرف والمراد به قال رسول الله صلى الله عله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا نوى العبد بأي عمل وتصرف وجه الله فإن الأجر والثواب على ذلك العمل يكون كبيرا من عند الله الذي يقول (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وحياة المسلم إذا ما أراد وإذا ما نوى يمكن أن تصبح كلها عبادة لله وطاعة لله (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين). وما دام الله في عقيدة المسلم غني عن عبادة لا تنفعه طاعاتهم ولا تضره معاصيهم (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). مادام الأمر كذلك في دين الإسلام وذلك من رحمة الله بهذه الأمة انه سبحانه وتعالى لم يجعل في دين الإسلام ضيقا ولا حرجا ولم يكلف الله في دين الإسلام المسلمين إلا بما هو في مستطاعهم (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ومادام دفع الضرر عن المسلم وجلب المصلحة له هو الغاية من كل الأوامر والنواهي فحينئذ لا نستغرب ولا نتعجب أن يتعرض الهدي المحمدي إلى كل ما فيه صلاح وفلاح للمسلم في عاجل الحياة الدنيا. فالحياة الدنيا في دين الإسلام مزرعة وكل ما يأتيه المسلم فيها من التصرفات بل حتى المشاعر والأقوال كل ذلك يدخل ضمن هدي الإسلام الذي بينه سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. ومن هذا الهدي النبوي هذا الحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم والجلوس بالطرقات...) لاشك أن هذا النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس بالطرقات يندرج في مجال الحياة العادية اليومية، فالطرقات الأصل فيها أنها ليست مكانا للجلوس، فالطرقات هي للسير سواء كان ذلك بالنسبة للمترجلين أو من يستعملون وسائل النقل المتعارفة من حمير وبغال وخيل وابل أو كان ذلك ما جاء بعد ذلك من دراجات هوائية ونارية وسيارات وحافلات وغيرها من الوسائل التي تستعمل في الطرقات والتي هي كل يوم في ازدياد وتكاثر يصل إلى درجة الازدحام. فالنهي عن الجلوس بالطرقات هو اليوم أكثر ضرورة ولزوما فمخاطر الجلوس في الطرقات هي اليوم اكبر وهي مرئية ملموسة معيشة وهي تعرض الأجساد والأموال وغيرهما إلى الضرر والتلف. قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها...) هنالك قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان لابد لكم من الجلوس بالطرقات وهذا يمكن أن يكون ظرفيا ووقتيا، إذ يمكن اتخاذ الأماكن التي يتحدث فيها الناس ويتبادلون فيها الرأي في سائر أوجه الحياة يمكن أن يتطور الجلوس إلى غير ذلك من التصرفات المعقولة وغير المعقولة وهذا النوع من التصرفات هو الذي عم وغلب في العهود الأخيرة رغم ما واكب هذا التطور في حياة الناس من تشريعات تنظم كيفية استعمال الطريق العام وكذلك الحضور الفعلي لأعوان مهمتهم الأساسية السهر على حسن استعمال الطريق من طرف الجميع حتى تجتنب كل مظاهر التجاوزات التي تبدأ بسيطة صغيرة ولكنها تمتد لتهدد الأموال والأبدان وتذهب ضحيتها أنفس بشرية بريئة لا ذنب لها. يتهددها متهورون طائشون لا يعترفون بالقوانين يقودون السيارات والعربات والدراجات والشاحنات وغيرها بسرعة جنونية وبطيش ولا مبالاة فتقع عشرات ومئات حوادث المرور المفجعة والتي تفاقم وازداد بنسق كبير جدا عدد ضحاياها من الصغار والكبار والذكور والإناث، بعضهم أزهقت أرواحهم تاركين من ورائهم أسرا قوامها زوجات وآباء وأطفالا صغارا وتسببت هذه الحوادث في جراحات وإعاقات مزمنة يظل أصحابها عالة على الأسر وعلى المجموعة مدى حياتهم. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه) وحق الطريق مجال فسيح وميدان رحب، يمكن أن تسنّ فيه التشريعات والقوانين الردعية التي تدعو إلى إصدارها ضرورة الحفاظ على حياة الأنفس البشرية والتي هي إحدى الكليات التي انبنت عليها الشرائع السماوية وجعل لها الإسلام أحكاما رادعة. فالأنفس البشرية، أيا كانت ذكرا أو أنثى، صغيرة أو كبيرة، مسلمة أو غير مسلمة لها حرمة ولها حق في البقاء على الحياة والحفاظ عليها قال جل من قائل (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). والقتل إذا كان عمدا فهو جرم عظيم، كبيرة من أعظم الكبائر. وحتى إذا لم يكن القتل غير متعمد فهو خطأ جسيم وخسارة كبرى. وتساءل الصحابة عن حقّ الطريق، (وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غض البصر وكفّ الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم: غض البصر وكفّ الأذى، والأذى كلمة عامة يدخل تحتها كل ما فيه تسبب في الضرر للناس. فمن يحول دون حصول الضرر للآخرين ولو كان بإماطة الأذى الصغير، له الأجر العظيم وعكس ذلك فإن كل من يتسبب في الأذى مهما كان هذا الأذى هو ولاشك متعرض لغضب الله وعقابه، فكيف إذا كان هذا الأذى هو إزهاق لأنفس بشرية بريئة هي اليوم بعشرات الآلاف؟! واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حق الطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يتمثل في مزيد التحسيس والتوعية بحق الطريق الذي لا ينبغي أن يكون الاهتمام به ينحصر في البعض دون البقية.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.