في رحاب القرآن: مجتمع الإسلام هو مجتمع الطهارة والنظافة الدائمة والشاملة
يقول الله تبارك وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء احد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون”. صدق الله العظيم-الآية 6 من سورة المائدة. هذه الآية من سورة المائدة هي آية الوضوء، والوضوء هو الطهارة الصغرى، والطهارة الصغرى حقيقية وتكون بالماء وحكمية وتكون بالتيمم. والذي نريد أن نتوقف عنده في هذه الآية ونتوسع فيه بعض الشيء هو جانب النظافة وعناية الإسلام بها لمزيد التحسيس والتوعية بها بكل الوسائل والأساليب من اجل جعلها سلوكا فعليا في كل مناحي الحياة يلتزم بها الجميع: صغارا وكبارا، أفرادا ومجتمعا. للوصول إلى مستوى رفيع جميل من العيش الكريم تهنا فيه الحياة وينعكس مردوده الايجابي على كل شيء. ولا يخفى ما للدين وقيمه وهديه من تأثير كبير في جعل المسلم يندفع إلى فعل ما يجعله نظيفا في ذاته ومنظفا لكل ما يحيط به، يفعل ذلك رغبة في الحصول على الأجر والثواب ويجتنب فعل كل ما يخالف النظافة من أوساخ بكل أشكالها ومظاهرها. منطلق الحديث عن النظافة والتحسيس والتوعية بها هو هذه الآية الكريمة من سورة المائدة والتي تأمر المؤمنين بأن يستعدوا للصلاة وللدخول فيها وهي ركن من أركان الدين بل هي عموده وعماده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصلاة عماد الدين) ويكون هذا الاستعداد بالقيام بالوضوء، والأمر هنا للوجوب فالصلاة واجبة والوضوء واجب، والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذن واجب على المسلم الذي تجب عليه الصلاة انه إذا قام ليؤديها أن يتوضأ بمعنى أن يقوم بغسل ما نصت على غسله الآية الكريمة في قوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا بوجوهكم وأرجلكم إلى الكعبين) ولأن الصلاة عبادة، والعبادة لا تصح إلا بنية (إنما الأعمال بالنيات) فالنية كما هي واجبة في الصلاة واجبة في الوضوء، كما أنها واجبة في الغسل وواجبة في التيمم. ويجب الوضوء أو ما يسمى بالطهارة الصغرى كلما انتقض هذا الوضوء بأي ناقض من نواقضه ولكن يندب الوضوء حتى عند عدم وجود الموجب له فـ(الوضوء على الوضوء نور على نور) و(الوضوء سلاح المؤمن) وأمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تسمى امة الغر المحجلين وذلك لحفاظهم على الوضوء وأدائهم له بموجب وبغير موجب، إنها امة الطهارة والنظافة الدائمة. ولما كانت الصلاة هي الفرض والواجب الذي يتكرر في اليوم خمس مرات في أوقات معلومة محددة (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)، فأن المسلم الذي يحافظ على أداء صلواته المكتوبة يكون الغالب على حاله في كامل يومه النظافة. فالله تبارك وتعالى لا يجوز القيام بين يديه لآداء أعظم القربات إليه وهي الصلاة إلا في حالة نظافة تامة كاملة، انه سيصبح في الصلاة اقرب ما يكون من ربه (فاسجد واقترب) آية، (اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حديث، هذه الحالة من القرب توجب على المسلم أن يكون نظيفا نظافة كاملة حسية في جسده وفي ملبسه وفي موضع صلاته ثم ونتيجة لذلك أن يكون نظيفا معنويا وسلوكيا وقلبيا وهذه هي المرتبة التي يريد منه ربه أن يصل إليها، والوصول إليها لا يكون إلا بنظافة كاملة حسية ومعنوية. وقد اوجب الله على المسلمين الطهارتين الكبرى والصغرى: الغسل والوضوء عندما يطرأ عليهم ما يوجبهما ولكن يجوز بل يستحب لهم أن يجددوا الطهارتين (الوضوء على الوضوء نور على نور)، (الوضوء شطر الإيمان) بمعنى شطر الصلاة. وتعويد المسلم وإلزامه بالنظافة الجسدية ونظافة ملبسه ونظافة موقعه سواء كان ذلك عندما يقوم إلى الصلاة أو عندما يقوم لغيرها من الطاعات لا تخفى آثاره على مظهره وحاله في سائر أوضاعه. فتصبح النظافة حاصلة في كل أفراد المجتمع المسلم، يحرص الجميع عليها ويلتزمون بها وآنئذ تتجسم النظافة على أوسع نطاق فتتحقق للمسلمين بذلك مصلحة عاجلة في هذه الحياة الدنيا أعانهم على تجسيمها دينهم الحنيف فالنظافة من الإيمان، أي من صميمه وهي لبه وعموده الفقري. والمسلم مدعو بصريح الآيات والأحاديث إلى التزام النظافة سواء كان ذلك في آداء العبادات والطاعات والقربات أو كان ذلك في سائر التصرفات والأمر في الحديث الشريف (ألا فتنظفوا) للوجوب والمسلم مدعو إلى اجتناب إتيان وفعل كل ما يخالف النظافة والتنظف سواء كان ذلك في الجسد والملبس أو كان ذلك في ما يحيط بالإنسان من ماء وتراب وظل وغير ذلك وما ابلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان). إماطة الأذى من الطريق، الأذى على عمومه وهو شر وضرر فساد والله لا يحب الفساد والإفساد، إن يد المسلم يسلم منها الناس، من كل ما يصدر منها وعنها، إن يد المسلم تبني ولا تهدم، تنظف ولا توسخ، وكل سلوك يخالف النظافة والسلامة يصدر عن المسلم هو سلوك مخالف للإسلام وهديه لا يرضاه الله من المسلم، انه فساد والفساد إذا حصل وهو من فعل الإنسان (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وما على الإنسان إلا أن يكون مصلحا غير فاسد ومفسد في الأرض وفي البحر وفي غيرهما مما خلق الله تبارك وتعالى وسخر لعباده.