في رحاب القرآن:الحمد لله الذي ينزل الغيث بعد القنوط وينشر رحمته

في رحاب القرآن:الحمد لله الذي ينزل الغيث بعد القنوط وينشر رحمته


يقول الله تعالى: “وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد”. صدق الله العظيم-الآية 28 من سورة الشورى في هذه الآية من سورة الشورى تذكير بما ينعم به الله على عباده وما يتكرم به مما تتوقف عليه حياتهم ألا وهو الماء وقد جعله الله مصدرا لحياة كل شيء (وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء الآية 30. وكما ورد في الآية فالماء مصدر الحياة وهو ما يتنزل من السماء من غيث تظهر فيه بجلاء رحمة الله بعباده وإلا فلو حجب الله الغيث النازل من السماء لما بقيت في الكون حياة. ولو كان المجال يسمح لأوردت للقارئ الكريم عديد الآيات المذكرة بهذه النعمة التي انعم بها الله على عباده ولا يزال وسيظل ينعم بها تكرما وجودا. والإنسان الكثير النسيان، الإنسان الظلوم الجهول لا يدرك قيمة أية نعمة من نعم الله إلا بعد أن يفقدها ويحرم منها، وفي سبيل أن تدوم نعم الله وجب علينا أن نقيدها بالشكر والحمد فقد جاء في الأثر (من كان في نعمة ولم يحمد خرج منها ولم يشعر) وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى ما يجعل نعمه تتوالى علينا وتزيد وذلك بان لا نفتر عن شكره فقال جل من قائل (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وان كنا نعتقد جازمين انه يستحيل علينا أن نكافئ نعم الله مهما شكرناه وقد قيل (العجز عن شكره شكر). والسلف الصالح رضي الله عنهم كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى أن يعرفهم نعمه بدوامها ولا يعرفهم نعمه بزوالها، كما أن ألسنتهم لا تفتر تدعو الله سبحانه وتعالى بأن لا يؤاخذهم بأفعالهم وأفعال السفهاء وكانوا يدعون ربهم بأن يحفظهم من شر فتنة لا تصيب الذين ظلموا فقط، فقد قال جل من قائل محذرا عباده من الرضا بالمنكر وما يغضب الله لان غضبه إذا نزل لا يفرق بين المحسن والمسيء قال جل من قائل (اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) كل هذه المعاني وغيرها مما لا يتسع المجال للإتيان عليها واستعراضها تحضر المؤمن وهو يتلو هذه الآية الكريمة المذكرة بحقيقة كثيرا ما ينساها الإنسان ويغفل عنها وهي أن الله جل وعلا هو الذي منه يأتي كل الخير للإنسان، فهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ومما يدخل في قدرته إنزال الغيث بعدما يكاد يقنط العباد وييأسون، وهو سبحانه وتعالى من ينشر رحمته كل ذلك بقوله (كن) فإذا بكل شيء يتبدل ويتغير فتدلهمّ السماء بالسحب الكثيفة ثم لا تلبث أن يتنزل من السماء غيث نافع يسقي الحرث والزرع ويروي الإنسان والحيوان، لا نقول بين عشية وضحاها ولكن نقول بين لحظة وأخرى تجري الأودية بما يعبّ عبّا لا تقف أمامه حواجز آخذا مجراه إلى البحار والمحيطات فسبحان الله الذي هو على كل شيء قدير. اقرأ معي قول الله سبحانه وتعالى على سبيل الذكر لا الحصر (وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) البقرة الآية 164 (والله انزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) النحل الآية 65 (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) الحج الآية 5 (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) العنكبوت 63 والآيات كثيرة عديدة تذكر بهذه النعمة التي تضاف إلى نعم عديدة أخرى انعم بها الله على عباده سواء من آمن أو من كفر، وسواء من أطاع أو من عصى، انه عطاء الله وكرم الله الذي يتجلى أعظم تجل ويظهر بوضوح في هذا الماء المتنزل من السماء بإذن الله وبقدر الله ورحمة من الله. وهذا الماء المتنزل من السماء وهو الغيث والغيث نافع دائما بينما المطر قد يكون نافعا وقد يكون ضارا متلفا للحرث والزرع مهلكا للإنسان والنبات والحيوان نسأل الله اللطف. * هذا الماء الذي تعددت مواضع التذكير بمن هو وراء إنزاله والذي هو المولى سبحانه وتعالى القادر وحده على كفاية من خلق وما خلق في كل الأمكنة والأزمنة هذا الماء (وهو نعمة من نعم الله) قد يقل ويندر وقد تشح به السماء فيتأخر نزوله فإذا بالأرض تضيق بالإنسان رغم رحابتها واتساعها وإذا بكل شيء مما كان وافرا وكثيرا يصبح قليلا ونادرا وإذا باليأس والقنوط يحلان محل الطمأنينة والأمل اللذين يجعلان الإنسان يتصرف في كثير من الأحيان بغير رشد وبغير عقلانية فيكون الإسراف والتبذير وتكون الغفلة عن مصدر هذه النعمة الكبرى وقد يعصى الله وقد لا يطاع بل قد يبارز العبد ربه بالمعصية والكفران بل قد يكفر بربه الذي خلقه وسواه وأغدق عليه من النعم الظاهرة والخفية مما لا يمكن عده ولا إحصاؤه والتي منها الماء ولكن الله اللطيف الحليم الرؤوف الرحيم لا يؤاخذ هؤلاء الجاهلين الغاوين الغافلين فيرسل عليهم المرة تلو المرة من السماء ماء مدرارا بعد أن كادوا ييأسون من رحمة الله. هذه هي حال الإنسان الظلوم الجهول مع ربه إلا من رحم ربك من عباد الله الصالحين الذين لا تفتر ألسنتهم عن ذكر نعم الله وشكره عليها. وقد ارشد الله سبحانه وتعالى عباده إلى سبب دوام واستمرار نعمه وذلك بالاستقامة، هذه الاستقامة تكون ثمرتها والنتيجة لها أن الله تبارك وتعالى يسقي عباده ماء غدقا قال جل من قائل “وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا”الجن الآيتان 16 و17. كما ارشد الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز وفي سنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام عباده المؤمنين إلى ما يجعل السماء تتنزل عليهم بماء مدرار قال جل من قائل (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل عليكم السماء مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا) نوح الآيات 10 و11 و12. روى انس رضي الله عنه أن الناس قد قحطوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رجل من باب المسجد ورسول الله يخطب فقال (يا رسول الله هلكت المواشي وخشينا الهلاك على أنفسنا فادع الله يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مغدقا عاجلا غير رائث قال الراوي: ما كان في السماء قزعة فارتفعت السحاب من هنا ومن هنا حتى صارت ركاما ثم مطرت سبعا من الجمعة إلى الجمعة ثم دخل ذلك الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والسماء تسكب فقال: يا رسول الله تهدم البنيان وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لملالة بني آدم قال الراوي: والله ما نرى في السماء خضراء ثم رفع يديه فقال (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السماء عن المدينة حتى صارت حولها كالإكليل). * وقد فصلت كتب الفقه والتفسير وشروح الحديث كيفية آداء صلاة الاستسقاء وما ينبغي أن يسبقها من استغفار ورد للمظالم وصيام وصدقة وخروج لها من طرف الصغار والكبار تصحبهم مواشيهم العجفاء في حال افتقار وتقدم فيها الخطبة على الصلاة وتكون صلاة الاستسقاء بالدعاء وبالصلاة وأستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم واستسقى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعمه العباس رضي الله عنه وتكرر صلاة الاستسقاء إلى أن يتنزل الغيث النافع. ولا تزال هذه السنة (طلب الاستسقاء) بالدعاء أو بالصلاة يجري بها العمل في كل العصور والأمصار وكيف لا وهل هي إلا ضرب من ضروب الدعاء والطلب من الله الذي يقول (ادعوني استجب لكم) والذي يقول (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه) وحاشا لله أن يرد عباده المؤمنين بكرة الخائب الخاسر إن لم يكن من اجل من دعوه فمن اجل البهائم الرتع والمشائخ الركع والأطفال الرضع. والحمد لله حمدا لا حد له ولا حصر فقد كدنا كل مرة أن نقنط فإذا بالمولى اللطيف الرحيم ينزل علينا غيثا نافعا ورحمة ينشرها علينا فله الشكر أولا وآخرا ونسأله سبحانه وتعالى المزيد انه على كل شيء قدير وصدق الله العظيم (وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد).



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.