في رحاب القرآن:الأخوة بين المؤمنين تفرض إصلاح ذات بينهم إذا اختلفوا

في رحاب القرآن:الأخوة بين المؤمنين تفرض إصلاح ذات بينهم إذا اختلفوا


يقول الله تبارك وتعالى: “إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون”. صدق الله العظيم-الآية 10 من سورة الحجرات في هذه الآية الكريمة من سورة الحجرات وهي من عيون آيات الكتاب العزيز وكل آياته عيون فهو المعجز في كلماته وسوره، وهو العروة الوثقى والسراج المنير والصراط المستقيم وهو الهدى من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، حفظه الله لهم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وحفظهم به ما دام كتاب الله بين أيديهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. * هذه الآية الكريمة على إيجازها تقرر حقيقة إيمانية إسلامية ألا وهي الأخوة الدينية وأعظم بها من أخوة تتسامى على كل الروابط الأخرى رغم اعتبارها ورغم أهميتها كأخوة النسب والقرابة الرحيمة (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض). لقد جعل الله الناس شعوبا وقبائل ودعاهم إلى التعارف مؤكدا لهم أن أكرمهم عند الله اتقاهم (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) والتقوى لا يعلمها إلا الله لان محلها هو القلب فالله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. * لقد أرسى الإسلام العلاقة بين أتباعه على أساس الأخوة الدينية، وهذه الأخوة في الدين جعلت من المجتمع الإسلامي يضم في صفوفه العربي والحبشي والفارسي والرومي يجمع بينهم الإيمان فتزول الفوارق العرقية واللغوية والاجتماعية وينصهر الجميع في بوتقة واحدة هي بوتقة الإيمان التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن سلمان الفارسي (سلمان منا آل البيت) ويخرج من هذه البوتقة اقرب المقربين من رسول الله صلى الله عليه وسلم اعني بهما أبا جهل وأبا لهب. لقد أمات الإسلام كل نعرات الجاهلية المتمثلة في الحمية الظالمة بالمعنى الجاهلي (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وأحل محلها نصرته إذا كان على حق وإرجاعه إلى الحق إذا اخطأ. إن الأخوة الدينية أخوة مبادئ ومثل سامية رفيعة وهي مجال فسيح للتنافس. قال القرطبي (إنما المؤمنين أخوة) أي في الدين والحرمة ولهذا قيل أخوة الدين اثبت من أخوة النسب وأخوة الدين لا تنقطع بخلاف أخوة النسب وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا وفي رواية لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا ويشير صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) لفظ مسلم وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا انه يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (احفظوا ولا يحفظ منكم إلا قليل). فهذه الأحاديث وغيرها تبين ما أوجبه الله على المسلم نحو أخيه المسلم وهي تتوجه إلى جعل المسلم لا يصدر عنه أي فعل أو قول أو أدنى تصرف فيه إضرار وإساءة، فإذا تحقق ذلك فان القليل من الخير يكفي. وفي الحديث الشريف (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام (لا يكون أحدكم مسلما حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهل يحب الواحد منا لنفسه الشر والضرر؟ طبعا لا. فكذلك ينبغي علينا أن لا نتسبب لإخوتنا ي أدنى ضرر من قول أو فعل. وهذا المنهج القويم الحكيم هو الذي نهجه الإسلام في نسج العلاقات السليمة القويمة بين أفراد المجتمع الإسلامي، قال احد الصحابة: (كان الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). فعدم الوقوع في الشر هو حجر الزاوية ومنه ينبغي أن تكون البداية وإلا فإننا نكون كمن يبني ويهدم فلا يتم له بنيان. وفي الأحاديث السالفة الذكر نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر ونهي عن بيع المسلم على أخيه المسلم، وكذلك فان المسلم لا يخذل أخاه المسلم ولا يحقره!! وكيف يحتقر المسلم أخاه المسلم وهو لا يعلم فلعله يكون من الأتقياء المقربين عند الله. وكذلك فإن دم المسلم ومال المسلم وعرض المسلم كل ذلك حرام في دين الإسلام. وإذا أمن المسلم على نفسه وعلى ماله وعلى عرضه فقد حيز له الخير كله فهو في أمن وطمأنينة ثم يقول جل من قائل (فأصلحوا بين أخويكم) قال القرطبي أي بين كل مسلمين تخاصما وقال أبو علي أراد بالأخوين الطائفتين لان لفظ التثنيه يرد والمراد به الكثرة وقال أبو عبيدة أي أصلحوا بين كل اخوين فهو آت على الجميع ثم قال القرطبي (في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان لان الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين) قال الحارث الأعور: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصِفين أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا فقيل: أمنافقون؟ قال: لا لان المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل له فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا رضي الله عن الإمام علي كرم الله وجهه فما أوسع افقه وما أرحب صدره فقد قال (إخواننا بغوا علينا) فالإصلاح بين الإخوين واجب وقتال الفئة التي تبغي المقصد منه والغاية هو أن تفيء إلى أمر الله فان فاءت فقد عادت إلى الرشد والى الصف والى الأخوة. فإصلاح ذات البين وراب الصدع وجمع الكلمة للعودة إلى وحدة الصف واجب ينبغي أن ينهض به المخلصون بالخصوص العلماء العاملون فمسؤوليتهم كبيرة إذ عليهم أن يعيدوا من حاد عن الجادة والطريق المستقيم وأجرهم على هذا العمل الخالص لوجه الله العظيم عظيم وفائدة هذا الإصلاح ورأب الصدع لا تخفى ففيها عودة المسلمين إلى سابق تآخيهم وتصافيهم واجتماع كلمتهم فهم الذين ينبغي أن يكونوا دائما كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص فهم مع بعضهم البعض يكونون الأمة الواحدة التي تعبد الرب الواحد وتتتبع النبي الواحد وهي صاحبة الكتاب الواحد (القرآن الكريم) وهم يتوجهون في صلواتهم إلى قبلة واحدة فيكف يتنازعون؟ وكيف يختلفون؟ وكيف يتدابرون؟ اللهم إن ذلك منكر يغضب الله ورسوله وتختم الآية بقوله تعالى (واتقوا الله لعلكم ترحمون) ومن علامات التقوى أن يكونوا إخوة بحق قلبا وقالبا وبذلك يمكن أن يرحمهم ربهم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.