في ذكرى مرور 45 سنة على وفاة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله:
يصادف هذا العام (2015) ذكرى مرور خمس وأربعين سنة على وفاة العلامة البحر فضيلة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه ويبقى المجال واسعا لتسليط المزيد من الأضواء على مختلف جوانب شخصية الشيخ الفاضل والذي هو فاضل بحق يشهد بذلك كل من عرفه واجتمع به من الأقارب والأباعد أعني بالأقارب ليس أهله وأسرته أصولا وفروعا فقط بل اني أعد كل من تتلمذ عليه وتشرف بالخدمة تحت رئاسته في كل المواقع والمسؤوليات التي تولاها هم من أقارب الشيخ الفاضل رحمه الله وأحسب انه نالني شرف من هذه القرابة نصيب وكان واسطة العقد في ذلك فضيلة الشيخ الوالد رحمه الله الذي كانت تربطه بالشيخ الفاضل رحمه الله الرابطة الزيتونية فقد عملا بتكامل وتنسيق بينهما كل من موقعه لنصرة الزيتونة: الجامع والجامعة في ظروف صعبة جدا تشهد على ذلك محاضر لجان مراجعة البرامج التعليمية ولجنة الدراسات الاشتراكية حيث كانا رحمهما الله فارسي حلبتها ولسان الدفاع عن مقومي الهوية الوطنية: الاسلام والعربية في زمن قل فيه من يصدع بكلمة الحق ويتحمل تبعاتها وكان ذلك في فترة الستينات من القرن الماضي التي عقبت إحراز البلاد على الاستقلال • عرفت صفحات من نضال الشيخ الفاضل رحمه الله وكنت مثل غيري مبهورين “بكاريزما” الشيخ الفاضل الخطيب والمحاضر الذي يأخذ بالألباب ويأسر السامع ويشده اليه شدا عجيبا ليس فقط في محاضراته على منابر النوادي الثقافية والهيآت الوطنية وموجات الإذاعة في تونس بل وخارجها في الأزهر الشريف وكان الشيخ الفاضل رحمه الله عضوا في مجمع البحوث الاسلامية وعضوا في مجمع اللغة العربية في مصر، وكان عضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة وعضوا في مجلس الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة كما كان عضوا في هيآت أخرى في باكستان وبلاد الشام سوريا والعراق وكان في كل تلك المحافل النجم الساطع يقطع بيانه صوت كل خطيب. • وفي المغرب الأقصى موطن أجداده الراحلين من الأندلس كانت للشيخ صولات وجولات في مختلف مدن المغرب: الرباط ومكناس ومراكش وفاس العاصمة العلمية التي تؤوي جامعة القرويين شقيقة الزيتونة وكان ضيف الدروس الحسنية الرمضانية يطلب منه في خصوصية له ان يلقي فيها أكثر من درس في العام الواحد بحضور وإشراف الملك الحسن الثاني رحمه الله الذي بهر بفصاحة وبلاغة واستنارة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله فأولاه عناية فائقة امتدت الى ما بعد وفاته رحمه الله من ذلك اقتراحه بإحداث معهد عال للبحوث والدراسات الاسلامية يحمل اسم الشيخ الفاضل • وللإخوة الأشقاء المغاربة يرجع الفضل في جمع وتوثيق بعض المحاضرات التي ألقاها الشيخ الفاضل في المغرب في سفر بادرت الى إصداره الدار التونسية للنشر ثم أعاد طباعته بعد ذلك مركز النشر الجامعي في السنوات الأخيرة • كما أصدرت الإذاعة الوطنية قبل سنوات مجموعة أشرطة صوتية لعلها كل ما بقي محفوظا من آثار الشيخ الفاضل الصوتية وقد كان أعد للإذاعة حصصا أسبوعية لمدة طويلة ويبدو للأسف الشديد ان إذاعتنا قد أضاعتها مثلما أضاعت آثارا ثمينة لعديد العلماء والأدباء والمفكرين التونسيين !! • وتتمثل بعض آثار الشيخ الفاضل رحمه الله في تغطيات وملخصات لمحاضرات نشرتها في الإبان الصحف والمجلات في تونس وخارجها وذلك لو توفر له من يجمعه ويهيأه للنشر لسلّط أضواء على شخصية الشيخ الفاضل ولأبرز للرجل ابتكارات واضافات متميزة كما ان طلابه في الجامعة ثم الكلية الزيتونية والمدرسة العليا للحقوق يحفظون للشيخ الفاضل في ملخصاتهم الدراسية ما لو جمع وأخرج للناس لازدادوا ادراكا بما للرجل من سبق وعمق وبعد نظر وسعة أفق وتشرب لروح الثقافة والحضارة الإسلامية قل ان نجد له نظيرا على امتداد العالمين العربي والاسلامي • وأذكر أنني في إحدى زياراتي الى الشقيقة ليبيا قبل سنوات أهداني أحد الأخوة الليبيين قطعة شعرية نظمها الشيخ عبد الرحمان يوسف جلال مفتش العلوم الشرعية والعربية على إثر حضوره المحاضرة الأولى التي ألقاها الشيخ الفاضل بقاعة المحاضرات بمسجد السيد محمد بن علي السنوسي بمدينة البيضاء في 14 شوال 1380 هـ 30 مارس 1961 م جاء فيها ما يلي: أجدت فلم تترك مجالا لقائل وفاض معين القول منك بسلسل فأرويت منا أنفسا كم تعطشت الى مثل هذا الغادق المتهطل فهل أنت (سحبان) الزمان الذي مضى وإلا فأنت اليوم (قس) الأوائل أراك في ميدان الفصاحة مثلهم وفقت عليهم بالأصول الأماثل فأنت سليل المجد والعلم والتقى كريم السجايا (فاضل) وابن فاضل وهل كان (سحبان) وقس بن ساعدة كمثلك جاءا من جدود أفاضل ؟ لئن نسلا في بيئة عربية فإنك بالقرآن في خير موئل وإن هزت الأقوال منهم منابرا فمن قولك اهتزت قلوب المحافل فهل لهما فضل عليك؟ بلى بلى وكيف وانت ابن الفضيل المفضل أخا الفضل: كم جاهرت بالحق معلنا وكم ذدت عنه في دفاع البواسل وكم وقفات قد أبنت بفضلها منار الهدى للعابث المتحلل وكم لك من عقل رصين اذا التوى على الناس أمر بت في كل معضل فيا لك من شيخ كريم مجاهد تصدى صراع البغي من كل مبطل لك الله فيما انت للدين صانع فمن فيضه يرجو الندى كل عامل رحم الله الشيخ الفاضل وجزى الله الشيخ عبد الرحمان يوسف جلال على هذه التحية التلقائية الصادقة التي نعدها أفضل تحية للشيخ الفاضل في هذه الذكرى الأربعينية (مرور خمس وأربعين سنة على وفاته)