في الذكرى الأربعين لوفاة المجاهد الأستاذ أبو بكر القادري رحمه الله: صفحات من جهاده في الحقلين الوطني والإسلامي
كتب إلي من المغرب الأقصى الشقيق الأستاذ الصديق عبد القادر الإدريسي يخبرني بوفاة الأستاذ أبو بكر القادري رحمه الله واسكنه فراديس جنانه فهزني نعيه واثر في نفسي أيما تأثير لما عرفته في هذا الرجل من روح وطنية عالية وثقافة إسلامية شاملة ومواكبة دقيققة ومتواصلة لكل ما جد من أحداث على الساحات المغربية والعربية والإسلامية طيلة عقود طويلة تعود إلى أوائل القرن الماضي وقد كان المغرب وشقيقتاه تونس والجزائر تحت نير الاستعمار الفرنسي. لم يتوقف رحمه الله عن البذل والعطاء باللسان وبالقلم وبالحركة وبالمبادرة حسب كل مرحلة حيث تهيأ له رحمه الله ما لم يتهيأ لإخوانه من الرعيل الأول من زعماء الحركات الوطنية المغاربية فقد عاش فترة الانطلاق بكل ما فيها من تضحية وفدائية ومعاناة وعاش فترة الإحراز على الاستقلال مع ما فيها من آمال وتطلعات وتحديات وكان رحمه الله من أوائل رموز حركة الإصلاح والإحياء الإسلامي ليس فقط على مستوى المغرب الشقيق بل على مستوى العالمين العربي والإسلامي هو هو لم يغير ولم يبدل يصدق فيه وفي أمثاله وهم قلائل قول الله تبارك وتعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). لقبوه في المغرب بالمجاهد أبو بكر القادري وهو بحق مجاهد كانت حياته كلها جهادا بين درس يلقيه ومحاضرةيساهم بها في ندوة أو ملتقى يدعى إليهما في المغرب وخارجه وبين خطاب سياسي يذكى به روح الوطنية ووحدة الصف والحفاظ على الثوابت من دين ولغة وهويه ذات خصوصية مالكية سنية. عرفت المجاهد أبو بكر القادري رحمه الله في أوائل السبعينات من القرن الماضي فقد حدثني عنه الشيخ الوالد رحمه الله وزادني تعلقا به ومتابعة لجهوده وجهاده ما رجع به الوالد معه من أعداد مجلة “الإيمان” شقيقة مجلة “جوهر الإسلام” فقد كانتا منذ أن تأسستا في أواخر الستينات منبرين للفكر واليقظة الإسلامية في الجناح الغربي للعالمين العربي والإسلامي كتب على صفحاتهما كبار رجالات الدعوة الإسلامية في العصر الحديث من أمثال علال الفاسي وعبد الله قنون والمهدي بن عبود ومالك بن نبي ومحمد المبارك ومعروف الدواليبي وأبو الحسن الندوي وأبو الأعلى المودودي وحسنين مخلوف ومحمد أبو زهرة ومحمد الغزالي ومحمد الطاهر بن عاشور ومحمد الفاضل بن عاشور ومحمد الحبيب ابن الخوجة وغيرهم كثير رحمهم الله رحمة واسعة وجازاهم الله أفضل الجزاء عن الأمة ودينها. ولم تكن مجلة “الإيمان” هي كل جهود وجهاد الأستاذ أبو بكر القادري رحمه الله في حقل الكلمة فقد أنشأ في وقت مبكر جريدة الرسالة الأسبوعية التي ترأس تحريرها الإعلامي القدير لاستاذ عبد القادر الإدريسي وكان إلى جانب ذلك لا يغيب عن الكتابة في جريدة “العلم” لسان حال حزب الاستقلال الذي ظل إلى السنوات الأخيرة من حياته احد ابرز قياداته وامينا على خطه المتسم بالدفاع على المقومات الأساسية للشخصية المغربية من لغة ودين ومذهب. أصدر الأستاذ أبو بكر القادري عشرات الكتب التي أرخت لرجالات المغرب والعالمين العربي والإسلامي الذين عرفهم أو اشترك معهم في حقل من حقول الجهاد الوطني والديني والاجتماعي وترك بذلك رصيدا لا غنى عنه للباحثين والدارسين في هذه المجالات وكيف لا والرجل شاهد مباشرة أو غير مباشرة عما جد من أحداث وما شهدته الساحة المغربية والعربية والإسلامية من تحركات شعبية ورسمية وقد حرص رحمه الله على توثيق كل ذلك وابرازه في إصدارات هي اليوم على تنوعها وشمولها تحتل مكانا بارزا وتسد فراغا كان يمكن أن يظل غير مكتمل لدى المتابعين لمسار ومسيرة حركتي التحرير واليقظة الإسلامية. لقد نهض الأستاذ أبو بكر القادري رحمه الله بهذا الدور وقام به أحسن قيام وما ذلك إلا لهمته العالية وحركيته التي جعلته إلى ما قبل سنوات قليلة لا يكاد يغيب عن مؤتمر أو ملتقى أو ندوة عقدت في المغرب وخارجها هناك في اليابان وباكستان والولايات المتحدة مرورا بالسنغال وموريتانيا والجزائر وتونس ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها. ولقد ظل لسنوات عديدة رئيسا للجنة مغربية لنصرة الشعب الفلسطيني لاسيما بعد احتلال القدس واحراق المسجد الأقصى: يكتب المقالات ويصدر البيانات ويستنهض الهمم لجمع التبرعات والمساعدات. لقد جاهد الأستاذ أبو بكر القادري رحمه الله من اجل استقلال المغرب كما جاهد من اجل استقلال الجزائر وتونس وكان ممن شاركوا في مؤتمر طنجة من اجل تحرير واستقلال كل بلدان المغرب العربي وما من قضية من قضايا العالمين العربي والإسلامي إلا كان رحمه الله لسان الدفاع عنها في الفلبين وكشمير وافغانستان وارتريا وقبرص فضلا عن سبته ومليلة والصحراء الغربية لقد اعتبرها كلها قضاياه وإبعاده المكونة لشخصيته التي تتكامل حلقاتها ودوائرها التي لا يمكن أن تتعارض أو تتضارب أو تتناقض فهو مغربي مغاربي عربي إفريقي إسلامي إنساني يزين كل ذلك خلق رضي وتواضع صادق لا تكلف فيه وكرم جعل من بيته ملتقى لكل راغب في التواصل معه مهما علت أو دنت مرتبته. إن الحديث عن المجاهد أبو بكر القادري رحمه الله في كلمة قصيرة لا يمكن أن تستوفيه حقه وقد أحسن الاشقاء في المغرب حين درجوا منذ سنوات على عقد لقاءات وندوات ابرزوا فيها جهوده وجهاده ثم جمعوا ذلك في إصدارات لاشك أنها نزلت على قلبه بردا وسلاما وهي سنة ما اجدرنا أن نقتبسها وننهج نهجها مع رجالاتنا واعلامنا ردا لبعض جميلهم وحفزا لغيرهم حتى ينسجوا على منوالهم. التقيت بالأستاذ أبو بكر القادري رحمه الله عدة مرات في مؤتمرات وندوات في دكار ونواقشط ومكة المكرمة والرياض وجاكرتا واستقبلني رحمه الله في منزله العامر بمدينة سلا وغمرني في كل مرة التقي به فيها بعطفه وعبر لي عن تشجيعه على المضي في النهج الذي خطه لي الشيخ الوالد رحمه الله وبين الرجلين شبه يكاد يصل إلى درجة التطابق. لقد أحب الأستاذ أبو بكر القادري تونس وأحب علماءها ورجالاتها الذين بادلوه حبا بحب فسلام على أبو بكر القادري يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا وجازاه الله عن أمته وعن دينه وعن كل إخوانه خير الجزاء./.