فضيلة الشيخ محمد المازوني رحمه الله مرونة وواقعية ومواكبة للعصر
كان آخر لقاء لي بفضيلة الشيخ محمد المازوني رحمه الله عندما استضفته لتسجيل حصة أو حصتين للمنبر الديني فلبى كعادته مشكورا ووجدته قد سبقني إلى الأستوديو في انتظار ان تبدأ الحصة وكان في الحسبان أن نسجل حصتين ولكن الوقت لم يسعفنا وقد لاحظت أن ذلك اوجد ارتياحا لدى الشيخ رحمه الله نظرا لما كان يحسّ به من تعب لاحظه عليه كل من كان حوله من الأخوة الفنيين الذين كانوا يرتاحون إلى استضافة أمثاله من الشيوخ البررة البقية الباقية من علماء الزيتونة المباركة فيغتنمون فرصة وجودهم في الأستوديو ليمطروهم بوابل من الأسئلة التي تشغل بالهم وليتلقوا منهم - رحم الله من مات منهم وحفظ البقية - الأجوبة الضافية الشافية بروح سمحة ميالة إلى التيسير والتبشير اللتين هما سمة العلماء الأعلام. رافقت فضيلة الشيخ محمد المازوني رحمه الله إلى خارج مبنى الإذاعة والتلفزة أين ساعدته على اخذ سيارة الأجرة التي ستقله إلى منزله برادس قبل أن يتأخر عليه الوقت ويدخل الليل وكان الشيخ محمد المازوني رحمه الله يمشي الهوينا إلى أن ركب بجوار السائق وهنالك ترحم كعادته على صديقه وزميله فضيلة الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله وودعني وكان في الحسبان أنه توديع إلى موعد قريب قادم أستضيفه فيه في حصة المنبر الديني التي كان من ركائزها وأعمدتها الحريصين على استمرار إفادتها لمواطنينا من خلال خطابها التيسيري المستنير الذي يواكب الأحداث بكل أريحية وكان الشيخ محمد المازوني رحمه الله في هذا المجال النموذج والقدوة من خلال المواضيع الطريفة التي يقبل المشاركة فيها من ذلك أننا خصصنا بمشاركة فضيلته أكثر من حصة عن الرياضة البدنية والروح الرياضية فكان يشد السامعين والمشاهدين إليه بحديثه المستفيض عن الرياضة ومكانتها في الدين الإسلامي ويضرب على ذلك الأمثلة من سيرة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام وكيف انه مارس أنواعا من الرياضات بمعية زوجته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عندما دخلا في سباق مرتين مرة سبقت فيها السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة سبق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته قائلا لها واحدة بواحدة. وينطلق بعد ذلك فضيلة الشيخ محمد المازوني رحمه الله مع المشاهدين والسامعين فيدخل في صميم الحديث عن الرياضة وبالخصوص كرة القدم ويتحدث عن الاحتراف ويعدد أسماء نجوم كرة القدم في العالم وما يتقاضونه من منح والشيخ محمد المازوني رحمه الله عارف بمسيرة الرياضة التونسية وتألق فريقنا الوطني في الدورات الإقليمية والدولية بل إن الشيخ محمد المازوني رحمه الله يذهب بعيدا فيؤرخ للرياضة التونسية ويعود بها إلى عقود بعيدة من القرن الماضي وكيف أنها كانت مدرسة للوطنية ضد محاولات طمس الشخصية التونسية من قبل المستعمر الفرنسي. ويذكر الشيخ محمد المازوني رحمه الله بما قام به شخصيا صحبة زملائه طلبة الجامع الأعظم من جهود من أجل أن يصبح لطلبة جامع الزيتونة في ذلك الزمن المتقدم فريقهم الرياضي وكيف أن سماحة الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله شيخ الجامع الأعظم مكنهم من توقيت يسمح لهم بممارسة التمارين والمباريات. كنت استضيف مع الشيخ محمد المازوني رحمه الله قيدوم الرياضة الأستاذ إبراهيم المحواشي رحمه الله فتكون الحصة التي يسجلانها للمنبر الديني من أمتع الحصص وأكثرها شدا للجمهور والتي تتابع بعد بثها الاتصالات استحسانا لها ورغبة في الاستزادة منها نظرا لطرافتها ومسايرتها لهوايات الناس اليوم وخصوصا عندما يكون المتحدث عن الرياضة المرغب في ممارستها شيخ من شيوخ الزيتونة ففي ذلك البرهان والدليل على مشروعية ممارستها ومتابعة مقابلاتها ودوراتها وهكذا كان دائما والحمد لله شيوخنا الأعلام رحم الله من غادرونا إلى دار البقاء وحفظ الله البقية الباقية فقد كانوا غررا في جبين تونس وعنوانا للسماحة والرفق واللين والاعتدال والوسطية يعيشون مع الناس في الأحياء والأسواق والمقاهي ووسائل النقل فكان خطابهم خطاب الواقعية والرفق والتيسير الذي ينبذ التشديد والتضييق ويمقت التطرف والتقوقع والانغلاق. لقد أعجب بهذا المسلك والمنهج الأشقاء من مختلف المواقع من ذلك ما عبر عنه احد وزراء الأعلام في إحدى البلدان الخليجية للسيد المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزة الوطنية عندما شاهد حصة من حصص المنبر الديني كان فيها ضيفا فضيلة الشيخ محمد المازوني رحمه الله وكانت حول الرياضة في الإسلام مواكبة لكأس العالم الذي كانت تدور فعالياته في تلك الفترة وكان اليوم يوم جمعة وكان مبرمجا بث إحدى المقابلات الهامة على اثر بث حصة المنبر الديني فقد علق الوزير الخليجي بأنه يشهد لشيوخ تونس وخطابها الديني بالجرأة والسماحة والقدرة على التطرق إلى مثل هذه المواضيع التي تبدو لأول وهلة بأنها ابعد ما تكون عن الدين وعن اهتمامات علماء الدين. إن الشيخ محمد المازوني رحمه الله الذي فارقنا إلى دار البقاء في أعقاب شهر رمضان المعظم هو أحد أبناء تونس البررة، فقد ولد بتونس سنة 1920 والتحق بجامع الزيتونة منذ نعومة أظفاره حيث تلقى صحبة زملائه نذكر منهم المشائخ احمد بن ميلاد والعربي العنابي والشاذلي النيفر ومحمد الأخوة والحبيب المستاوي ومحمد الهادي بلحاج وفضيلة الشيخ كمال التارزي وغيرهم رحمهم الله وممن لازالوا على قيد الحياة أمثال فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي وفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط مفتي الجمهورية السابق وفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي وفضيلة الشيخ محمد الحبيب النفطي الذي كان يقدر له الجهد الكبير الذي يبذله في أجوبة البيان الدينية وغيرهم حفظهم الله ورعاهم فقد تلقوا على كبار شيوخ الجامع الأعظم من أمثال المشائخ أصحاب الفضيلة محمد الطاهر بن عاشور ومحمد العزيز جعيط والبشير النيفر وغيرهم رحمهم الله مختلف العلوم الزيتونية الشرعية من فقه وحديث وتفسير وعقيدة وعربية وتاريخ وغيرها من علوم المقاصد والوسائل. لقد تخرج الشيخ محمد المازوني رحمه الله من جامع الزيتونة حيث نال شهادتي التحصيل والعالمية وتولى التدريس بالجامع الأعظم وفروعه وتتلمذ على يديه عدد كبير من أبناء تونس وتدرج الشيخ محمد المازوني رحمه الله في المراتب العلمية إلى أن بلغ أعلاها، وتواصل عطاؤه بعد الاستقلال في المعاهد الثانوية مدرسا وأستاذا لمادة التربية الإسلامية لأبناء وبنات الأحواز الجنوبية من تلاميذ معاهدها الثانوية يحفظون للشيخ محمد المازوني رحمه الله أجمل الذكريات سماحة ورحابة صدر وعطفا على أبنائه وبناته كان رحمه الله حريصا إلى أخريات حياته على أن يختار لنفسه الملبس الأنيق جبة وعمامة وبرنسا، لقد حافظ رحمه الله إلى أن توفاه الله على الزي التونسي كاملا متكاملا متناسقا مختلفا ألوانه وكان للشيخ محمد المازوني رحمه الله ذوق رفيع ورأى بصير في أنواع اللباس التقليدي التونسي ومارس الشيخ محمد المازوني رحمه الله الخطابة الجمعية برادس لسنوات طويلة كانت فيها خطبه تتسم بالبلاغة والإيجاز عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أم منكم فليخفف فان وراءه المريض والمسافر وصاحب الحاجة). وعندما تم تسليم المركب الإسلامي بالبحيرة إلى الحكومة التونسية من قبل الشركة التي تولت التهيئة والأشغال أسندت إلى الشيخ محمد المازوني رحمه الله خطة إمامة الخطابة تقديرا لعلمه وفضله ومكافأة له وذلك صحبة كل من السيدين الطاهر المشري ومحمد العجيلي فقام الشيخ محمد المازوني رحمه الله بهذه المهمة على أحسن الوجوه. وقد نقلت القناة الفضائية عدة مرات خطب الشيخ محمد المازوني رخمه الله. وتكريما له رحمه الله اختير عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى في إحدى تشكيلاته رحم الله الشيخ محمد المازوني رحمة واسعة واسكنه فراديس جنانه ورزق أهله وذويه وكل تلاميذه وعارفي فضله جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.