فتوى مختارة لفضيلة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور رحمه الله حول جواز الجمع بين صلات الظهر والعصر (جمع تقديم)
السؤال: هل يمكن لبعض العملة والموظفين الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم إذا لم يسمح لهم بأداء صلاة العصر في وقتها؟ الجواب: ... أما مسألة جمع التقديم فان المذاهب الأربعة السنية الزكية قد اختلفت فيها بعد الاتفاق على جمع الظهر والعصر بعرفة وجمع المغرب والعشاء بمزدلفة، فالمذهب الحنفي يمنع مطلقا جمع صلاتين في وقت واحد كيف ما كان العذر وقال في الكنز عاطفا على الممنوعات: “وعن الجمع بين صلاتين في وقت بعذر”. وأما المذاهب الثلاثة الباقية وهي مذهبنا المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي فإنها تجوز الجمع بين الصلاتين في وقت واحد لأعذار معينة وبشروط مفصلة تفاوتت فيها المذاهب الثلاثة ضيقا واتساعا فأضيقها في ذلك المذهب الشافعي الذي قصر جواز الجمع على صورتين فقط هما حالة السفر وحالة المطر لخصوص الجماعة في المساجد، كما بين ذلك الإمام النووي في لباب المنهاج. ويلي المذهب الشافعي المذهب المالكي فقد حدد جواز الجمع فيه أيضا بالسفر والمرض الذي يخاف صاحبه الإغماء وليلة المطر لخصوص المساجد وتردد ابن القاسم في الجمع بين الصلاتين للخوف. وأما المذهب الحنبلي الذي هو أوسع الثلاثة في هذه المسألة فإنه يجوز فيه الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما تقديما وتأخيرا على السواء في حالات منها العذر والشغل المبيحان لترك الجمعة كما هو منصوص عليه في دليل الطالب للشيخ مرعي ابن يوسف وشرحه نيل المآرب. إذا تقرر هذا فان محاولة تخريج الصورة المسؤول عنها على المذهب المالكي قياسا على المسافر كما قال خليل (ورخص له جمع الظهرين) وهو أمر غير بعيد لا سيما ومرجع ذلك إلى مظنة الضرورة والمشقة كما ورد في كلام ابن القاسم وتوجيهه على ما ذكره القاضي أبو الوليد الباجي ولكن الأولى من هذا التخريج عندنا اعتماد منصوص المذهب الحنبلي إذ لا مانع من الأخذ به لمن أراد أن يقلده في الصورة المسؤول عنها على الشروط المعروفة في تقليد الإنسان لمذهب غير مذهبه الأصلي وهي الشروط الراجعة إلى تجنب التلفيق المخل، وان تقليد الإنسان لمذهب من مذاهب الهدى هو غير مذهبه الملتزم أولى من تخريج في مذهبه قد يكون مستبعدا لعدم ذكر فقهائه للمسألة المخرجة مع أنها ليست بعيدة عن الفرضي عندهم على ان في ما بيناه من جواز التأخير للوقت الضروري أو القضائي في الصورة المسؤول عنها ما يغنى عن ذلك فإذا كان في السائلين من لا تطيب نسفه للتأخير ويرغب في جمع التقديم فان الإفتاء له في ذلك على المذهب الحنبلي لا مانع منه. والله أعلم والسلام من الفقير إلى ربه تعالى محمد الفاضل ابن عاشور رحمه الله (انظر مجلة جوهر الإسلام العدد2 السنة2 ص52-53)